في شهر يوليو من العام الماضي، صدر قرار بتعيين الفريق الركن محسن الداعري وزيرًا للدفاع، بعد الإجماع على تعيينه من قبل رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، رحب الكثيرون جنوبًا وشمالًا بهذا القرار، فالرجل ذو خبرة عسكرية كبيرة، وشخصية مقبولة تختلف عن الكثير من الوجوه المعروفة، بينما اعتبر البعض قرار التعيين في توقيت كهذا وظروف كهذه، إحراقًا للرجل، فالتركة كبيرة والظروف، لا تعطي أملًا بتغيير واقع شديد التعقيد، كما أن مجلس القيادة الرئاسي نفسه يعيش حالة من التباينات الجوهرية تظهر تارة وتختفي تارة أخرى، وبالذات في التعامل مع القضايا الأساسية ومنها دمج القوات.
تسخير المتاح لتحقيق الممكن (رؤية الوزير)
بدت أي محاولات لتقريب وجهات النظر حول دمج القوات، وإيجاد نوع من التعاون بين مكونات المجلس الرئاسي في الشق العسكري مستحيلة؛ لكن الوزير الداعري وفق متابعين استطاع أن يكسر هذا الجمود، ويحدث اختراقًا نسبيًا فيه، فكان صريحًا في استراتيجيته في هذا الموضوع منذ البداية، وحاول على ما يبدو التعامل مع الواقع بعقلانية، قال الرجل علنًا في مقابلة صحفية، أنه لن يكون هناك شيء اسمه دمج للقوات، وإنما ستكون هناك غرفة عمليات مشتركة، تدير وتنسق العمليات العسكرية في كل الجبهات، وبين مختلف القوات، وتوحد الجهود المشتركة لمواجهة مليشيات الحوثي، وتصويب المعركة نحو هدف واحد. برر الوزير الداعري، رؤيته الجديدة، بالقول أنه من الصعب أن تأتي بجندي من الضالع ليقاتل في الساحل الغربي، بينما الحوثيون على بعد أمتار من منزله، يتحينون الفرصة المناسبة لاجتياح منطقته، كما يصعب أن تأتي بمقاتل من تعز ليقاتل في كرش أو الضالع بينما قريته تتعرض للقصف من الحوثيين. مراقبون اعتبروا رؤية الوزير بأنها أكثر ما يمكن فعله، على الأقل في الوقت الحالي، وأن هذه الاستراتيجية جاءت لتبدد مخاوف الكثيرين من موضوع الدمج، واقنعت آخرين متحمسين له، وكانوا يرون فيه ضرورة لا تقبل أي نقاش أو آراء، ما انتجت في النهاية توافق بحده المقبول داخل مجلس القيادةالرئاسي، وفي الأوساط السياسية اليمنيه خارج المجلس، كأقصى ما يمكن فعله والوصول إليه من توافق.
مداميك نجاح رؤية الوزير واستراتيجيته:
يرى البعض بأن هذه الاستراتيجية كانت محل ترحيب كل مكونات الرئاسي على اختلاف أهدافها، وتوجهاتها، ويعزز أصحاب هذا الرأي اعتقادهم، بأن الواقع بتشعباته غاية في التعقيد، ونظرة الأطراف لهذه المسألة في غاية الحساسية، كما إن الهوة كبيرة، وأتت هذه الاستراتيجية لتقليصها، كما أن شخصية “وزير الدفاع ” الفريق الركن محسن الداعري، الذي يحظى بتقدير كل مكونات مجلس القيادة الرئاسي، والقريب من كل أعضاء المجلس، والعلاقة الطيبة التي يتمتع بها مع كل الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي اليمني أكانت خارجية أو داخلية؛ هي أهم مداميك نجاح استراتيجية الوزير، فالرجل وفقًا لمراقبين كان حريصًا على الحفاظ على علاقة جيدة مع الجميع، فلم تسجل ضده تصريحات عنترية، أو انحيازية طيلة مشواره العسكري، فحتى حينما كان الحراك الجنوبي بذروته في الجنوب، كان النظام يستعين بالداعري للدخول في وساطات معه، في قضايا معينة، كونه يحظى بثقل اجتماعي واحترام متبادل.
كما أن وزير الدفاع الداعري، على علاقة طيبة مع دول التحالف العربي كلها، ويحظى “بتقدير ومكانة خاصة” لدى الإماراتيين والسعوديين على حد سواء وما الاستقبال الحافل الذي أجري له عند زيارته للبلدين إلا خير شاهد على القبول الذي يتمتع به.
كل هذه الأمور مجتمعة، ومقدرة الوزير على التعامل مع مختلف الأطراف جعلت مراقبون يعتقدون بأن الرجل سيحقق نجاحًا يصعب على غيره تحقيقه لتغيير الواقع، واحداث اختراق لهذا الوضع المعقد، يفضي إلى تنسيق وتوحيد الجهود لمواجهة مليشيات الحوثي، الأمر الذي يغضب هذه المليشيات أكثر من أي شيء آخر وفقًا لما يراه معظم المحللين.
استراتيجية وعمل على أرض الواقع أراحت البعض وأغضبت آخرين.
منذ تعيين الوزير الداعري، في منصبه وبرنامج عمله مزدحم وفق ما يقوله مقربوه، فالرجل شرع بترتيب جدي للوزارة، ودوائرها وتأسيس غرفة عمليات مشتركة لأول مرة، تهدف للتنسيق بين مختلف الجبهات والفصائل العسكرية، ولتحقيق ذلك شرع بهيكلة تحديثية للوزارة، تستوعب الجميع، وتقيم أعمالهم، وأشرف بنفسه على عمل دوائرها وهياكلها الإدارية المختلفة، بنزولات ميدانية وإشراف مباشر، كما أن الرجل قام بزيارات خارجية، والتقى بنظرائه في الإمارا،ت والسعودية، والسودان، ومصر، وهناك أجرى مباحثات، ووقع على اتفاقيات مشتركة، تهدف لحشد الدعم واستجلاب الخبرات لتعزيز قوة الشرعية، ودحر خطر المليشيات الحوثية، وهو الأمر الذي أعطى أملًا كبيرًا بوجود إمكانية لتنسيق أكبر وبث روح المبادأة والصمود بوجه تعنت المليشيات الحوثية.
موقف الحوثيين
لم يكن الجميع سعداء بتحركات الوزير، حيث سارعت المليشيات الحوثية والموالية لها بشن حرب إعلامية هائلة ضد الوزير، وهي مالم تفلح بالوصول لأهدافها، فأعلنت حكومة الحوثيين محاكمة صورية لوزير الدفاع، وحكمت عليه بالإعدام، ما اعتبره البعض محاولة من المليشيات لإرباك الوزير كي يوقف جهوده وتحركاته، وشروعًا واضحًا في تهديد حياته. كما أن المليشيات الحوثية سارعت إلى حشد قواتها في مختلف الجبهات وقامت بتصعيد عسكري كبير، لإرباك الجهود حيث شنت قصف عشوائي في جبهات الضالع (معقل الوزير) وكرش وثرة، والساحل الغربي، وسجلت حالات بالجملة لاختراق الهدنة.
رد الوزير:
بعد تحركات المليشيات الحوثية التي لم يعرها الوزير أي اهتمام، واصل الوزير رؤيته وبرامج عمله، وكان الرد الواضح والأكثر صرامة على تهديدات المليشيات الحوثية، بأن واصل الوزير تحركاته دونما تغيير في الأولويات، وسعى لتحقيق المزيد من التقارب والتنسيق بين مكونات المجلس، ليتوج الرد الأقوى بأن قام بزيارة لخطوط التماس في جبهة ثرة، كأول مسؤول بهذا الحجم يزور خطوط التماس في هذه الجبهة بمعية قائد الدعم والإسناد في قوات التحالف، لتكون الصورة ومعها الرسائل المراد إيصالها أكثر وضوحًا.
النتيجة:
يرى خبراء عسكريون أن المليشيات الحوثية أكثر ما تستفيد منه في تعزيز صلفها، هو الانقسامات داخل مكونات المجلس الرئاسي، وعدم وجود نوع من التنسيق والتفاهم لتوحيد جهود الجميع تجاه عدوهم الأساسي والمشترك، لذا فإن إحسان النوايا قولًا وفعلًا من قبل مكونات المجلس، وتكثيف الجهود، وتطبيق خطة واستراتيجية الوزير في إيجاد تنسيق، وتشكيل غرفة عمليات موحدة هي الضامن لردع هذه المليشيات وكسر غطرستها.