أجرت صحيفة (اندبندنت عربية) حواراً مطولاً مع الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور عبدالرحمن عمر السقاف تناول فيه الوضع السياسي الراهن للبلد وأبرز المحطات طوال الثلاثون عاماً الماضية التي أوصلتنا إلى هذه اللحظة الفارقة، ونتيجة لأهمية الحوار وسقوط السؤال الرابع سهواً من المقابلة تعيد الثوري نشر المقابلة كاملة لجمهورها لقراءة ما حفلت به من أفكار ورؤى وتحليل سياسي عميق للوقوف على ما جرى وما يمكن أن يجري في المستقبل القريب.
إلى الحوار:
ـ الاشتراكي شريك في الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً ،كيف تنظرون إلى وجودكم في هذه الحكومة وأدائها وتدهور الأوضاع المعيشية والخدماتية في المحافظات المحررة؟
هذه الحكومة الحالية تشكلت على قاعدتي الشراكة السياسية التوافقية ويشارك فيها كذلك المجلس الانتقالي على قاعدة المناصفة شمال/ جنوب بناءاً على أتفاق الرياض، وفي هذه السياقات جاءت مشاركة الحزب الاشتراكي اليمني في هذه الحكومة ويشغل فيها حقيبتين ،وزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة المياه والبيئة ولدينا رفاق قياديين من الحزب يشاركون بمناصب قيادية في الحكومة كنائب وزير النقل وأمين عام مجلس الوزراء ونحن مطمئنين بأداء ممثلي الحزب في الحكومة وذلك من حيث الإنجازات التي حققوها في إعادة البناء المؤسسي للوزارات التين يشغلونها وتحديد وتنفيذ الأولويات المتطلبة في المهام ذات الصلة في تحديد العلاقات المؤسسية مع المؤسسات والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية المانحة .
وكما تعلم بأنه ومن العام 2016م شهدت السلطة الشرعية المعترف بها دولياً أربعة رؤساء للوزراء وهم: الدكاترة خالد محفوظ بحاح، احمد عبيد بن دغر ومعين عبدالملك وحالياً الدكتور احمد عوض بن مبارك وقد أتسمت كل مرحله من تلك المراحل بتحديات مختلفة من العمل بدءاً من تطبيع الأوضاع بعد اندحار الحوثي (أنصار الله) وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح من الجنوب والمناطق المحررة وهي مرحلة كان كل شيء فيها امام الحكومة يبدا من الصفر ويتم خلال انهيارات عميقة في البنية المؤسسية للدولة إذ بقيت الهياكل المؤسسية للوزارات والمؤسسات الحكومية المركزية وذاكرتها في (صنعاء) أما المرحلة الثانية من مسيرتها التأسيسية فقد واجهت فيها الحكومة الضرورات التي فرضتها الحرب وسعة الجبهات العسكرية القتالية والتوجة نحو إعادة إحياء البنى التحتية الحكومية والدولة في مجالات الإدارة المحلية على مستوى المحافظات المحررة ومحاولات استعادة المؤسسات السيادية غير أن نجاحاتها كانت كذلك محكومة بتطبيع الظروف السياسية غير المستقرة التي عاشتها سلطة الشرعية والتنازع بين قواها ومكوناتها السياسية مع تدخلات بعض مسئولي التحالف العربي الذين أرتبطت مهامهم بضرورة التواجد في اليمن في الشأن الداخلي.
أما المرحلة الثالثة جاءت في ظروف أفضل وخاصة من بعد الاستقرار السياسي الذي نتج بناءاً على اتفاق الرياض فتوسع نفوذ الحكومة الداخلي وتم تنظيم العلاقة بشكل أفضل مع المحليات في حكم المحافظات وازدياد قدرتها في الحصول على الموارد وزيادتها ،والبقاء والاستقرار في العاصمة المؤقتة عدن، وتحسن نشاطها الدبلوماسي ودور وزارة الخارجية ،واخيراً فهذه المرحلة الأخيرة الحالية وهي المرحلة الرابعة تعمل الحكومة الى تنفيذ وتطبيق ما جاء في اتفاق الرياض خاصة في البنود التي تعني الحكومة.
وفي هذه السياقات تواجه الحكومة عدداً من الاستعصاءات ومواجهات تتنامى شراستها مع قوى كدست وكرست مصالح أصبحت تصطدم بالخطط التصحيحية للحكومة وبإيجاز هناك اليوم فساد نمى وتطور خلال المراحل السابقة وبلغ اوج قوته حالياً يعتمد على القوة وقد بلغ بعض هذا الفساد يتخذ مساراً نحو الجريمة وهو المطلوب مواجهته من قبل كل القوى السياسية والمجتمعية الحية فقد تزايدت رقعة الفساد في مؤسسات الدولة وغياب أجهزة الرقابة والمحاسبة.
وثمة أمور من المهم الإشارة اليها هنا والتي أدت إلى سوء الأحوال المعيشية والخدمات للشعب فإلى ما ذكرناه سلفاً حول الفساد وضعف الإرادة تجاه مواجهته تورد الأبحاث والتقارير الاقتصادية الحقائق التالية على المستوى الوطني بما يعني أن الأسباب ليست محصورة لدى الشرعية وحسب بل كذلك لدى سلطة الإنقلاب (الحوثيون) وطبيعية مسئولياتهم وطريقتهم الخاصة في إدارة الشأن العام في المحافظات التي يسيطرون عليها شمالاً وهي:
1- تشظي الاقتصاد الوطني وانهيار المالية العامة والانقسام النقدي والمصرفي وتراجع الصادرات والقطاع الخاص .
2- تشتت الموارد المحلية وضياعها ونهبها وعدم توريدها الى الخزينة العامة للدولة وبقاء موارد ضخمة خارج الأوعية الرسمية من ناحية الأمر الذي أضعف التزامات الحكام وعلى وجه الخصوص في الشمال تجاه المواطنين من دفع للرواتب وتقديم الخدمات.
3- إنهيار العملة الوطنية والاختلالات الهيكلية المالية للدولة ما أضعف قدرتها القيام بوظيفتها التنموية والاجتماعية.
ولا شك في أن من نتائج تلك العوامل تدهور الأوضاع المعيشية للشعب وارتفاع معدلات الفقر والجوع في أوساط الشعب.
– بعد تسع سنوات مضت من الحرب كيف ترون مصير هذه الحرب ومستقبل البلاد في ظل التجاذبات السياسية وآثار الحرب المدمرة على اليمنيين؟
بداية ً أنتهج حزبنا خطاً سياسياً معتدلاً آخذين في الاعتبار ضرورة الوقوف ضد الانقلاب ورفض حسم الأمور بالحرب ،ولذا كنا نرى تنفيذ اتفاق السلم والشراكة حلاً وسطاً وموضوعياً في ذات الوقت بالنظر إلى طبيعة توازن القوة العسكرية والسياسية بين الأفرقاء ،وبحسب ما كنا نراه حينذاك، فإن القبول بأتفاق السلم والشراكة وملحقة الأمني والعمل على تنفيذه سيمنع حدوث الانقلاب وكانت بوادره واضحة للعيان كما سيمنع نشوب الحرب ….. وبعد الحادثة التي تمت في جولة المصباحي، عملنا على دعوة جميع الاطراف الى عقد اجتماع في مقر الحزب الاشتراكي اليمني في صنعاء وحضر إليه الجميع الأحزاب السياسية الرئيسية كما حضر ممثل لحزب المؤتمر الشعبي العام، وانصار الله الحوثيين، لمنع تفاقم الاحداث غير أن اللقاء وبعد جلسات أستمرت يومين فشلنا في الوصول به إلى أي اتفاق وبدا أن أطرافاً عديده حضرت وهي تظهر ما لم تكن تبطنه… وعندما تأكد لنا بعد ذلك أن جميع الأطراف مترددة في القبول بأتفاق السلم والشراكة وكانوا قد وقعوا عليه،وجدنا أنفسنا ان أمام معطيات أن الانقلاب ومن متابعة المسار العسكري لانصار الله حتى وصولهم الى العاصمة أن الانقلاب حدث فعلاً كما كان حدسنا قوياً في توقع انفجار الحرب ..ثم أننا أستمرينا في العمل على الحيلولة دون أن تسقط البلاد فيما هو اسواء نادينا إلى تأسيس تيار ثالث يقف على إتفاق السلم والشراكة ومخرجات الحوار الوطني وتشكيل كتلة مدنية وشعبية وازنة تمنع قدر الإمكان إستقطابات لقوى مجتمعية الى جانب الانقلاب او المواجهة بالحرب. بل أن الأخطر والذي كنا نخشى أن يتم خلاله تلك الاستقطابات تمزيق النسيج الاجتماعي الوطني ولم ننجح كذلك في مسعانا هذا. وثمة تفاصيل لدينا فيما يتعلق بمواقف القوى السياسية والمجتمعية التي تفاعلت معنا في البداية ثم تركتنا وتموضعت هنا وهناك ليس وقت تناولها الآن.
وفي 7 أبريل قدم الحزب الاشتراكي اليمني مبادرة سياسية من ست نقاط وقدمناها للقوى السياسية في الداخل وذهبنا بها الى الجامعة العربية وبحكم عضويتنا في الاشتراكية الدولية عممناها على أحزاب هذه المنظومة وقد ترجمناها الى اللغة الإنجليزية غير أنه تم تجاهلها وكان الأهم لنا بعد كل محاولاتنا تلك، فإنه منطقياً وموضوعياً وسياسياً أن لا يظل الحزب رافضاً للإنقلاب وللحرب الذي تسبب بها الانقلاب أن يبقى في منطقة رمادية بينهما من دون موقف عملي بعيداً عن أيه اصطفافات، وخلال سيرورة الحرب بالذات، فقررنا أن نذهب الى الأصطفاف مع الشرعية الديمقراطية والتوافقية السياسية، وبعد أن تبين لنا بوضوح ما الذي يعنيه الانقلاب وهو الرفض لكل المواثيق التي أجمع عليها اليمنيون والقيام بانتهاج سياسات على نقيضها ورفض كل الاتفاقات للحلول المشتركة وتبين كل هذا بوضوح بالإعلان الدستوري الذي أصدره تحالف انصار الله والرئيس الأسبق، وإلى ذلك أيضاً كان العنوان الرئيسي الثاني لتوجهنا السياسي وأنشطتنا هو الوقوف بقوة الى جانب فصائل الحراك السلمي الجنوبي التي تناضل من أجل القضية الجنوبية والحلول التي اقترحها حزبنا داخل مؤتمر الحوار الوطني الشامل بإقامة دولة اتحادية من إقليمين إلى جانب مقررات الاجتماع الوطني الأول (الكونفرنس) في ديسمبر فيما يتعلق بالقضية الجنوبية.
أما الاتجاه الثالث الذي حكم مواقفنا السياسية خلال سنوات الحرب، العمل دون اخراج معالجة القضية اليمنية كما جاءت توصيفاتها بقرارات مجلس الأمن الدولي وبياناته والتي أتخذت بدءاً من العام 2014م من الأمم المتحدة وخاصةً مجلس الامن الدولي حرصاً على وحدة موقف المجتمع الدولي تجاه اليمن ،وحتى لا تتحول بلادنا إلى ساحة لاستقطابات دولية وإقليمية او كليهما معاً غير أن وحدة المجتمع الدولي تجاه اليمن في مجلس الامن الدولي لم تعد اليوم بذلك التماسك الذي كان في السنوات الخمسة الأولى من عمر هذه الحرب كما أن التوافق بين دولتي التحالف العربي ليس في أحسن حالاته أما ايران تستثمر حضورها في اليمن ،وفي سياقات الصراع والحرب هذه والمنافسات الجيوسياسية لها مع الاخرين من الحاضرين في بلادنا بفعالية عالية بما يجعل من الحرب تستطيل ارتباطاً بأهدافها الخاصة.
من الصعب الحديث عن نتائج الحرب اليوم في اليمن وكأننا في العام 2015م من دون النظر الى ما طرأت من مستجدات عميقه رسمت المشهدين السياسي والعسكري على غير ما كانت عليه في السنوات الثلاث الأولى من 2014م إلى 2017م
الاتجاه الرابع مواقفنا السياسية تقوم على ضرورة وقف الحرب ووضع اللبنات الاساسية التي ستؤدي الى السلام وفي هذا الصدد نشارك باستمرار في المنصات العربية والأجنبية التي تعمل ضمن المسار الثاني من أنشطة مكتب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن وكذا المنظمات المحلية واللاحكومية الدولية التي تنشط في هذا الاتجاه ولنا مشاركات في تقديم الأوراق السياسية والمناقشات الفكرية والمقترحات بشأنها .
بالنسبة إلى سؤالك كيف نرى مصير هذه الحرب؟
من الصعب الحديث عن نتائج الحرب اليوم في اليمن وكأننا في العام 2015م من دون النظر الى ما طرأت من مستجدات عميقه رسمت المشهدين السياسي والعسكري على غير ما كانت عليه في السنوات الثلاث الأولى من 2014م إلى 2017م حيث كانت المواجهة بين قوتين هما : الشرعية في مواجهة الانقلاب طرفين رئيسيين وحسب وكان القرار 2216م ومواده يؤطر طبيعة هذا الصراع ويحدد بوضوح قوى الشرعية من ناحية وقوى الانقلاب والمخاطر التي تشكلها الأوضاع غير المستقره في اليمن على السلم والأمن الدوليين من ناحية أخرى غير أن المتغيرات التي طرأت خلال العام 2017م وأحدثت تعديلات جوهرية في ميزان القوة جعلت من هذا القرار تفارق بنوده ومواده إذا ما أخذت حرفياً طبيعة الوقائع المستجدة على الأرض.
وعلى ذلك، فأن هذا القرار وغيره من قرارات مجلس الامن والتي تلته بحاجة إلى قراءة جديدة بمنهج مختلف عن منهجية القراءه السابقة له والتي كانت تعبر عن المواجهة بين الشرعية المعترف بها دولياً والانقلاب الذي تم بتحالف انصار الله والرئيس الأسبق صالح وإن القراءة المنطقية والموضوعية الجديدة لها أن ترتكز على هذه الحقائق التي طرأت على المشهدين السياسي والعسكري في البلاد وهي:
1- مقتل الرئيس صالح وتفكك تحالف أنصار الله / صالح وأنفرد هؤلاء الأخيرين بكل السلطة ومن دون منافس في المناطق التي يسيطرون عليها واصبحوا اكثر حرية في بناء مشروعهم السياسي المرتكز على أيديولوجيتهم المذهبية وتحالفاتهم الخارجية وقد شهد تسليح أنصار الله تطوراً كبيراً بامتلاكه صواريخ بعيدة المدى فتجاوزت آثار وأعراض هذه الحرب المحلية حدود اليمن إلى الأراضي السعودية فأعطى الحوثيون بعد ذلك لهذه الحرب توصيفاً جديداً وبنوا عليه دعاياتهم السياسية .
2- تصاعد التوتر بين الرئيس هادي ودولة الامارات فأجبرت هذه الازمة مغادرة الرئيس الى الرياض والمكوث فيها، وبقي هذا الامر يشكل ضعفاً للشرعية التي لا تتواجد سلطتها على الأرض اليمنية وفي ذلك ما شكل إنتقاصاً من مركزها القانوني دولياً .
3- الإعلان عن ولادة المجلس الانتقالي الجنوبي كحامل للقضية الجنوبية ممتلكاً اذرعاً عسكرية وتأييداً جماهيرياً بدعم إماراتي وشكل المجلس بنية تنظيمية له غطت جميع المحافظات الجنوبية.
4- كما انتكست الجهود السياسية للأمم المتحدة وفشلت كل المقترحات المقدمة من قبل المبعوث الاممي ولد الشيخ وقد تسبب في ذلك انصار الله عندما رفضوا التوقيع على ما انتجته محادثات الكويت.
في المحصلة فان جملة تلك الأحداث التي ذكرناها سلفاً أدت إلى تغيير موازيين القوى في الداخل ولم تكن تصب لصالح الشرعية ،فالحوثيون تقوى عودهم والجنوبيون تبلور نضالهم مؤسسياً واصبحوا أقوى عما كانوا علية قبل الحرب والعلاقات بين الشرعية وأطراف من التحالف العربي أصبحت شديدة التعقيد في اتجاه سالب ،ولقد تغيرت بشكل جذري السياقات الداخلية والخارجية قياساً على طبيعة الظروف التي نشأت في العام 2017م وما بعده. وبعيداً عن التفاصيل تمخضت جملة الصراعات في خطوطها الرئيسية الثلاث عن إرساء الحقائق التالية من الناحية السياسية وليس هذا فحسب بل أنها سوف تتحكم بمستقبل اليمن وما بعد الحرب وفي كيفية تشكل الدولة اليمنية وهي:
أولاً: دعاة بناء دولة يمنية اتحادية مدنية على أساس مخرجات الحوار الوطني الشامل ووضع مسودة الدستور المستخلصة من تلك المخرجات للاستفتاء الشعبي وعلى مسار تقدم تاريخي وتمثله القوى السياسية المنضوية تحت الشرعية والقوى السياسية التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
ثانياً: دعاة إعادة صياغة اليمن من خلال تشكيل دولة على قاعدة مذهبية أي (( دولة ثيوقراطية في سياق التشيع والذي تحول الى مذهب مسيس وأيدولوجيا راديكالية ))كما هي التجربة الإيرانية وتمثلها انصار الله الحوثيين .
ثالثاً: دعاة أستعادة الدولة الجنوبية بحدودها قبل 22 مايو 1990م وعنوانها السياسي اليوم القضية الجنوبية أو قضية شعب الجنوب ويمثل هذا الخط المجلس الانتقالي وثمة مكونات سياسية من الحراك الجنوبي لا تتفق معه .
وعند النظر في ميزان القوى العسكرية فإن دعاة الخيار الأول هم الطرف الأكثر ضعفاً ،والى ذلك فإن السؤال هنا كيف سيتم وضع أجندة التسوية السياسية وعلى ماذا سيتم التفاوض في هذه الحاله. إن الطريق الى السلام شائك كما ان وقف الحرب لن يعني بعد هذا سوى استمرار النزاع ولكن من دون قتال.
ـ شهدت نهاية الثمانينات تغيرات عالمية جذرية بسقوط عدد من دول المنظومة الإشتراكية وفي مقدمتها الإتحاد السوفيتي وهناك من يعزو تحقيق الوحدة الاندماجية بين دولتي اليمن إلى هروب الإشتراكي من سقوط دولة الجنوب التي كان يحكمها إلى الوحدة وكيف أنتقل الإشتراكي بعد ذلك في العام 1994م إلى قيادة الإنفصال فما هو تعليقكم؟
كان أنهيار المنظومة الاشتراكية وعلى راسها الإتحاد السوفيتي كنتيجة لصراعات الحرب الباردة التي سادت في العلاقات الدولية من بعد الحرب العالمية الثانية والتي أمتدت لنحو خمسة وأربعين عاماً وأنقسم العالم خلالها إلى عالمين هما العالم الرأسمالي وجله من دول الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية وأنقسمت دول الجنوب وعرفت بالعالم الثالث بينهما وصارت هي ميداناً لتصفية الحسابات بين القطبين الرئيسيين وأتخذت في بلدان الجنوب تعبيرات الصراع الأيديولوجي والصراع الطبقي شهدت على أساسهما البلدان إنقسامات مجتمعية وسياسية تحت عناوين الثورة والثورة المضادة وأتخذت مجرياتها صراعات عنيفة ودموية كان يتم تغذيتها من قبل القطبين ومعظمها كانت نظم سياسية أستبدادية ودكتاتورية غابت عنها الديمقراطية وأفضت نهاية الحرب الباردة واختفاء الإتحاد السوفيتي ومنظومته الدولية، أديا إلى حقيقتين رئيسيتين في بلدان ما كانت تسمى بالعالم الثالث وهي دول الجنوب:
الأولى : أن تلك البلدان عادت الى تاريخها الخاص
الثانية : إنتهاج الأنظمة السياسية لما بعد الحرب الباردة سياسات المصالحات الوطنية في كل بلد وفقاً لإرثه مما جرت فيه من تمزقات سياسية ومجتمعية من نتائج صراعات الحرب الباردة، وهي تتلمس طريقها نحو الديمقراطية وكانت الخطوة الأولى في ذلك أن السير نحو الديمقراطية كان يشترط بداية الاعتراف بالآخر وبمصالحه وهذا ما لم يتم في اليمن.
وفي السياقات السياسية والتاريخية التي فرضتها الحقيقتين اللتين ذكرتهما العودة الى التاريخ الخاص والقيام بالمصالحات الوطنية ذهبت كلاً من الجمهورية العربية اليمينية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إلى الوحدة اليمنية وليس كما تقول الدعايات المغرضة والمضللة ضد الحزب الاشتراكي اليمني أنه هرب الى الوحدة. لكن هذه الوحدة ومع الأسف الشديد تمت بطريقة أرتجالية وأستعجالية وطموحات شخصية زعاماتيه طمعاً في الحصول على مكانة تخليديه في التاريخ فطغى الشخصي على الخاص والعام ومن دون إنجاز أي خطوة في المصالحات الوطنية المطلوبة لدى كل شطر من ناحية إضافةً ومما يؤسف له أيضاً تم دمج الدولتين في دولة واحدة تحت مسمى الجمهورية اليمنية بالتخلي عن كل نقاط القوة لدى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وعدم اشتمالها وتحديد مكانتها وفقاً لقيمتها في الدولة الجديدة وبتلك الصيغة من اتفاقية الوحدة كانت هذه صفقة خاسرة للجنوب وللشعب اليمني شمالاً وجنوباً وصفي الأمر لصالح القوى التقليدية العسكرية والدينية بتحالفاتها الخارجية إقليمياً ودولياً.
الى ذلك فقد كنا نرى في حينه أن قيام الجمهورية اليمنية تحت مسمى الوحدة اليمنية كان حدثاً لم يتم في فراغ إلا أن هذا الحدث لم يكن اعتباطياً فاقداً للمعنى أو رغبوياً بلا دوافع موضوعية وتاريخية فمسار التاريخ جنوبيً كان أو شمالاً في صيروراته ومن بعد قيام ثورتي سبتمبر واكتوبر وقيام الجمهوريتين في اللحظة التاريخية التي شهدت نهوض القومية العربية واتساع نطاق حركات التحرر الوطني العربية والعالمية وتأثيراتهما منذ الخمسينات في تشكيل الوعي الجديد والحداثي والمناهض للإستعمار جعل كل ذلك ان تجري تفاعلات الأحداث من رافدين لتصب في مجرى واحد. ينبغي عدم تناول هذا النوع من القضايا بخفة أو بأسلوب دعائي يهدف إلى تشوية التاريخ في وعي الشعب .. ومع كل ذلك لا تستطيع أن تنكر أن هذه التجربة فشلت ولحقتها كوارث كبيرة على البلاد.
” تلفيقات دعائية اعلامية لا أساس موضوعي لها يحاول البعض تسويقها و وضع الحزب الاشتراكي اليمني في قفص الاتهام بشأن الوحدة والانفصال”
لنفكر بطريقة موضوعية بعيداً عن التلفيقات الإعلامية الدعائية في محاولات البعض وضع الحزب الاشتراكي اليمني في قفص الاتهام بشأن الوحدة والانفصال وقد شرحت لك في حديثي معك قبل قليل كيف كنا نفهم الوحدة وما تعنية والأجواء السياسية والفكرية والنفسية والمزاج الجماهيري الذي أحاط بتلك اللحظة. لذلك من المهم ضرورة العمل على تصحيح الوعي من خلال التفكير الموضوعي والعلمي بالمصطلحات والمفردات التي نستخدمها وعلى ذلك وبالنظر إلى مسارات العلاقة بين الحزب الاشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام في الفترة من 22 مايو 1990م وحتى إنفجار الموقف عسكرياً في العام 1994م وفجرت القوى التقليدية العسكرية القبلية والدينية هذه الحرب تحت عنوان الوحدة او الموت وأستخدمت العنف الدموي في إقصاء الجنوب ونهب مقدراته وإقصاء الحزب الاشتراكي المفترض انه الشريك والممثل للجنوب والتنكيل بقياداته وأعضاءه وإخلاء جهاز الدولة منهم والتقليل إلى حد كبير من حضور الجنوبيين في جسد الدولة وغيرها من الممارسات الإقصائية ولو ذكرناها هنا بتعبيرات رمزيه فإنها كانت تعني تحديد مكانة الجنوبي في مراتب التابع وليس هذا فحسب بل تم التلاعب بمناهج التربية والتعليم لطمس الهوية السياسية للجنوب. فمن هو الانفصالي اذاً خاصة وقد بينت سياسات النخبة الحاكمة بعد 7/7/1994م تجاه الجنوب بأعتباره جغرافيا بلا تاريخ، ومرة أخرى من هو الإنفصالي إذاً؟
عندما قامت الجمهورية اليمنية في العام 1990م كانت نتاج دمج دولتين في دولة واحدة وبطريقة سلمية وقبل الوحدة (لم يكن الجنوب وتالياً جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تابعاً للشمال او الجمهورية العربية اليمنية) مع ملاحظة أنه ليس هناك ما يؤكد بأن الجمهورية العربية اليمنية أو جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كان أحدهما تابعاً للآخر.
وكلتاهما دولتين معترف بهما دولياً ولكل منهما مقعده الخاص في الأمم المتحدة والجامعة العربية وفي مختلف المنظمات الدولية، غير أن الانفصاليين الحقيقيين قاموا وبأستخدام الحرب الغادرة في 1994م تحويل الوحدة السلمية إلى وضع لئيم هو ضم والحاق الجنوب بالقوة العنيفة وبإراقة الدماء وبالعمل على تصفية جهاز الدولة ومؤسساتها في الجنوب وتكريس مؤسسات الجمهورية العربية اليمنية بدلاً عنها.
ولم تمضي سوى 13 عاماً من تاريخ 7/7/1994م حتى نهض الحراك السياسي السلمي الجنوبي وكان بالفعل يعبر عن ثورة الكرامة الإنسانية وكشف بوضوح شديد ما تسترت عليه قوى تحالف سلطة 7/7 ((فكشف الغطاء عن حقيقة الوضع السياسي القائم ووضعه في صورة الأزمة البنيوية التي تمر بها الجمهورية اليمنية)) وغطى الحراك بنشاطه السياسي كل محافظات الجنوب وفيه صف واسع من أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني قيادات وقواعد ودفع قافلة من الشهداء حيث واجهت السلطات الأمنية والعسكرية مظاهراته بالرصاص، وتعرضت قياداته للمحاكمات والسجون وتبلورت نضالاته في إنتاج وضع سياسي جديد تحت عنوان (( القضية الجنوبية)) وهو المصطلح الذي يضع الجنوب في إطاره السياسي والتاريخي كطرف ندي في ((الوحدة اليمنية)) وليس ملحقاً ولما تعنتت السلطة أمام مطالب الحراك الجنوبي أرتقى نضاله إلى مستوى سياسي جديد تحت عنوان (( إستعادة الدولة )) في الجنوب والتي كانت قائمة هناك قبل 22 مايو 1990م هذه الدولة التي انغرست جذورها في الثورة التحررية 14 أكتوبر التي طردت الاستعمار بقيادة الجبهة القومية وعملت على توحيد نحو 23 سلطنة ومشيخة وإمارة في دولة واحدة وجعلت(عدن) عاصمتها وقد هزمت جملة المشاريع السياسية التي كانت محمولة بالثورة المضادة.
ـ يوجد تمثيل واسع لقيادات وكوادر حزبكم في المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال. ما مدى إتفاقكم وإختلافكم مع الانتقالي، ما رؤيتكم كحزب اشتراكي لحل القضية الجنوبية؟
” ليس غريباً أن يحظى أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني بتمثيل وازن في الهيئات المختلفة من البنية الهيكلية التنظيمية للمجلس الانتقالي فقد كان هؤلاء من مناضلي الحراك السياسي السلمي الجنوبي وبشخوصهم يحملون تراثاً ورصيداً نضالياً وكفاحياً يفخرون به بقدر أسهاماتهم في هذا الحراك السياسي الذي غطى كل المحافظات الجنوبية منذ العام 2007م وحتى تأسيس المجلس الانتقالي في مايو 2017م “
ليس غريباً أن يحظى أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني بتمثيل وازن في الهيئات المختلفة من البنية الهيكلية التنظيمية للمجلس الانتقالي فقد كان هؤلاء من مناضلي الحراك السياسي السلمي الجنوبي وبشخوصهم يحملون تراثاً ورصيداً نضالياً وكفاحياً يفخرون به بقدر أسهاماتهم في هذا الحراك السياسي الذي غطى كل المحافظات الجنوبية منذ العام 2007م وحتى تأسيس المجلس الانتقالي في مايو 2017م فمنهم من اعتقلته السلطات وزجت بهم في السجون كما تعرض عدداً منهم وهم قياديون في المكتب السياسي واللجنة المركزيةولجان منظمات الحزب بالمحافظات في المديريات للمحاكمات في صنعاء وعدن ولحج وابين وحضرموت وشبوه والمهرة وسقطرى والضالع وليس هذا وحسب بل هناك رفاق ورفيقات كثر قدموا مساهمات نضالية في سياقات متعددة