حينما حاولت القيام بزيارة مبنى ديوان جامعة عدن الذي لم أدخله منذ نحو 14 عاماً، ولدى وصولي مقر ديوان الجامعة بمعية الصهير السياب محمد علي، لم أجد ممن كنت أبحث عنهم أحد، لكنني التقيت الزميل هزار العطاس، وهو أحد خريجي بلغاريا، لكنه لا يعمل في السلك الأكاديمي، بل يعمل في أحد أقسام الخدمات، وطبعاً معظم الذين سألت عنهم من الزملاء والزميلات لم يكونوا موجودين، ومعظم المكاتب كانت مغلقة، مع بعض مكاتب المراكز البحثية، التي كان في بعضها فتاة أو فتاتان ، أما الزميل الذي كنت أبحث عنده عن غرضي فقد كان خارج البلد، وعلي أن أشير إلى أن الموسم كان بقايا العطلة الصيفية، ولم يكن لي من نصيب في مقابلة الزميل رئيس الجامعة ولا أحد من الزملاء النواب، ولا حتى رئيس قسم الفلسفة ولا رئيس تحرير مجلة الشؤون الاجتماعية الذين يفترض أن أجد عند أحدهما ما كنت أبحث عنه.
ليس هذا هو ما يستدعي الأسف والأسى، بل إنني لاحظت أن مبنى الجامعة الذي عُرف بالاهتمام بالنظافة والنظام والاعتناء بالتشجير والحدائق وسائر المعالم الجمالية، لم يعد فيه ما يشبه الجامعة في شيء، فبجانب ملامح الخراب الذي ربما تكون عائدةً إلى أيام الحرب والعدوان التي لم يسلم منها مبنىً ولا منشأةٌ إلا وطالها ما طال من الخراب، وهي آثار من المفترض أن تكون قد أزيلت في مؤسسة تتمتع بموازنة لا تلإحسد عليها، ولديها عاجات من خارج الموازنة، مما يسمى بالتعليم الموازي وغيره، أقول بجانب هذا الخراب، يبرز الإهمال وفقدان أي مؤشر من مؤشرات وجود مبنىً أكاديميٍ يمكن أن يكون عنواناً للمعرفة والوعي والعلم وصناعة العقول، دعك من الاختراع والابتكار وبناء المعادلات والقوانين العلمية وكل هذا ما يمكن اعتباره من الأحلام بعيدة المنال.
* * *
أثناء التنقل بين محافظتين (احتفظ باسميهما لسبب خاص) قال لنا سائق سيارة الأجرة التي سافرنا بها إن “هذا منزل القائد فلان الفلاني” وهو أحد القادة الذين لم نسمع عنهم إلا بعد نشوء القوات الجنوبية بمسمياتها المختلفة، . . . المنزل (القصر) يحتل مساحة قرابة الكيلومتر المربع، ويحاط بسور حصين في زواياه أربع قلاع حصينة يقيم فيها الحراس، وشاهدت عدداً من الجنود وهم إما داخلون أو خارجون، أو واقفون عند بوابة القصر التي كانت في الواجهة المقابلة للطريق.
ومثل هذا المشهد وأثناء السفر بين محافظتين أخريتين، مررت بمحطة لبيع الوقود التي تضم بجانب مكائن البيع الأربع (أو الست لم أعد أتذكر)، مطعماً وبقالة صغيرة وسوبرماركت، ومغسلة للسيارات ومحل لإصلاح البنشر، قال لنا أحد الشباب فيما بعد أنها ملك لأحد قادة القوات الجنوبية.
لا يمكن التخمين كم يتسلم هذان القائدان ولأمثالهما الكثيرون، من المستحقات الشهرية التي تمكنهما من بناء قصر بهذه المساحة وبهذا الفخامة والأبهة أو امتلاك محطة وقود تفوق كل سابقاتها في نفس المحافظة، لكنني تذكرت قادة ثورة الرابع عشر من أوكتوبر الذين حكموا البلد قرابة الربع قرن وكانت الثروات الوطنية (مهما كانت متواضعة) تحت تصرفهم، لكنهم جميعاً غادروا السلطة وبعضهم غادر الحياة بكاملها وليس لديه ما يملك سوى بيت الانتفاع الذي ظل يدفع إيجاره الشهري للحكومة وليس لديه حسابٌ بنكيٌ ولو بدينار واحد.
وأتذكر هنا قصة الشهيد منير محمود أبو اليمامة (بعيدا عن الألقاب) الذي سأله أحد الإخوة من قادة قوات التحالف العربي:
– كم تملك من الأراضي والعقارات؟
فكان الرد:
– لا شيء،
وسأله ثانيةً:
– وأين تسكن عائلتك؟
ليرد الشهيد أبو اليمانة عليه رحمة الله:
– أسرتي تسكن في منزل بالحبيلين.
وحينما أمر هذا القائد بصرف مبلغ من المال لبناء منزل لأسرة أبي اليمامة، استلم المبلغ وأودعه عند أحد أقاربه وظل يصرف منه التحويلات لأسر الفقراء وذوي الشهداء والجرحى حتى نفد المبلغ.