مع انحسار نفوذ «الإخوان» في المنطقة، اتجهت الأنظار إلى السودان الذي يُعد من أوائل الدول التي تغلغل فيها التنظيم في جميع مفاصله، مما كبده أثمانًا باهظة.
تغلغل طال لأكثر من ثلاثة عقود نفذ فيها التنظيم مشروعه الأيديولوجي بالكامل، فكشف عن حقيقته الفكرية والعملية، مما أثار تساؤلات: متى تحذو الخرطوم حذو الأردن وتونس ودول أخرى في المنطقة، عبر حظر الجماعات السياسية الإسلامية؟ إلا أن الإجابة على ذلك السؤال يستدعي إلقاء نظرة على التجربة السودانية مع تنظيم الإخوان، والتي كبدت السودان وحدته وأمنه واستقراره وازدهاره، مما يعني أن لها أهمية استثنائية لعدة أسباب، فضلا عن دلالاتها النظرية العميقة التي ينبغي أن تصغي إليها المنطقة بأسرها، بحسب موقع «سودان بيس تراكر». أبرز تلك الأسباب، أن السودان كان أول دولة ذات أغلبية سنية يصل فيها تنظيم الإخوان إلى الحكم، عبر انقلاب عسكري في 30 يونيو/حزيران 1989، ساعدهم على الاستمرار في الحكم لمدة ثلاثين عامًا، استخدام القوة الغاشمة والعنف وحده. تلك التجربة تدحض الرواية الزائفة التي يرددها البعض، والتي تدعي أن جماعات الإسلام السياسي «تتطرف بسبب الاضطهاد»، بحسب «سودان تراكر»، الذي قال إن الإخوان في السودان لم يتعرضوا لأي قمع، ومع ذلك استولوا على الحكم بالعنف، وحافظوا عليه بوحشية مروعة.
بيوت الأشباح
عنف دام طال مئات الآلاف الذين عذبوا واعتقلوا في مراكز احتجاز سرية تُعرف باسم «بيوت الأشباح»، فضلا عن طرد أكثر من 300 ألف سوداني من الخدمة المدنية والعسكرية، فيما قوبل أي احتجاج على نظامهم الشمولي بعنف لا يعرف قيدًا قانونيًا أو أخلاقيًا أو إنسانيًا. فظائعهم بلغت حدًّا دفع أعلى هيئة قضائية في العالم، وهي المحكمة الجنائية الدولية، إلى توجيه تهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية، وإصدار مذكرات توقيف بحق قائد النظام عمر البشير، ووزير داخليته عبد الرحيم حسين، ووزير الدولة أحمد هارون. ورغم هذه الجرائم المروعة، قابل الشعب السوداني تنظيم الإخوان بـ«تسامح نادر»، عندما نجح في إسقاط رأس النظام عبر ثورة شعبية في أبريل/نيسان 2019، فلم يرد المعاملة بالمثل، ولم يُقَدَّم إلا عددا قليلا جدًا منهم إلى العدالة.