لطالما كانت المرأة العدنية في طليعة النضال المدني والسياسي في جنوب اليمن، تواجه الظلم وتكسر القيود، من أيام الاستعمار البريطاني وحتى يومنا هذا. فقد قدّمت عدن نماذج نسوية لافتة، مثل رُقيّة محمد ناصر، ونجوى مكاوي،وزهراء صالح وغيرهن كثيرات ممن شاركن في مظاهرات، وندوات، وحملن همّ الوطن دون وجل أو تراجع. كانت المرأة العدنية دائمًا ضمير المجتمع، وصوت الكرامة حين يخبو الصوت العام.
وفي مشهد وطني مشرف، خرجت يوم أمس نساء عدن في حشد نسوي منظم وكبير، يطالب بأبسط حقوق الحياة: الكهرباء، الماء، الصحة، التعليم، والكرامة. لم يكن خروجًا عادياً، بل لوحة عنفوان مكتملة، عبّرت فيها النساء عن وجع المدينة، وغضبها، وأملها. كانت العبايات السود تحمل رسائل بيضاء، وتخترق صمت الإهمال المتراكم على جدران الحياة اليومية.
ورغم محاولات البعض التشكيك في هذا الحراك النسوي واتهامه بالتسييس أو التوجيه، فإن صدق المطالب ونبل الهدف كانا أقوى من كل محاولات التشويش. النساء أثبتن أن ما خرجن لأجله هو الوطن وكرامته، لا حسابات حزبية أو مصالح ضيقة.
“ثورة النسوان” لم تحرّك مشاعر النساء فقط، بل أيقظت في كثير من الرجال غيرةً وطنية، وحرّكت نخوتهم تجاه وطنٍ تئن شوارعه من الألم. لقد تمنى الكثير لبس جلابيب النساء ليكونو في صفوفهنِ فالحشد النسوي لم يكن احتجاجًا فحسب، بل إعلانًا واضحًا أن من لم تتحرك كرامته، تتحركه نساء بلده.
في عدن، كتبت النساء بالأمس بيانًا ثوريًا لا يحتاج توقيعًا، واختصرن فيه وجع المدينة وكبرياءها. أكدن أن المرأة ليست فقط نصف المجتمع، بل صمام أمانه، ورافعة وعيه، حين ينام الضمير العام.