بعد أن أعلن علي عبد الله صالح الحرب على الجنوب، انطلقت جحافل الجيش الشمالي والأفغان اليمنيين في اجتياح الأراضي الجنوبية. كان الجنوب يعاني من هزيمة فكرية خانقة؛ إذ تعرض أبناؤه للتكفير والتشويه، ففقدوا إرادتهم في مقاومة الغزو. لم يكن هناك استعداد حقيقي للقتال، وبرز فشل القادة العسكريين الذين عهد إليهم قيادة الجبهات.
ففي جبهة الضالع، مثلاً، لم يقم قائد الجبهة بتوزيع الأسلحة على السكان ليواجهوا العدوان، بل تركها مخزنة في المخازن، لتُنتزع لاحقًا من قبل جيش الشمال. كل ما كان يقوله القائد في مواجهة ذلك، “لدينا كماشة”، تعبيرًا عن العجز والخذلان.
هناك من يتحدث اليوم عن صيف عام 1994، عن المعسكرات التي شهدها الجنوب، والفرصة التي أتيحت لرجال المقاومة، لكن القيادة رفضت تسليحهم. هذه الانتقادات التي لا تزال تُطرح حتى الآن، كانت أحد أهم أسباب الهزيمة التي مُني بها الجنوب. كيف تقاوم شعوبٌ بلا سلاح؟ المقاومة لا تولد إلا من قوة السلاح، ومن دونها، تصبح الأيادي فارغة والقلوب عاجزة عن صد الزحف.
يؤكد الصحفي العربي الكبير عبد الباري عطوان، نقلاً عن الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، أن الذخيرة كانت على وشك النفاد، ولكن – بفضل الله – لم يواجه الجيش الشمالي مقاومة شرسة في الجنوب، فدخل الجنوب بسهولة. وهذا يؤكد أنه لو توفرت الأسلحة للشعب، ولولا تماسكهم وتصميمهم، لما كان من السهل على جيش الشمال أن يخترق دفاعات الجنوب.
لكن القدر شاء أن تُعمى أعين قيادة الجبهة عن توزيع السلاح بين الناس، فتُترك الجبهة بلا قوة، والناس بلا دفاع، ليسقط الوطن والعلم والدنيار ..
ولم تكن فقط مسألة السلاح، بل إن هناك قيادات جنوبية تم شراؤها وتعاونت مع المحتل، ساهمت في فتح الأبواب أمام الاجتياح، وكان تواطؤهم هذا من أبرز أسباب الهزيمة الموجعة.
هكذا يظل صيف 1994 درساً مريراً، يعلمنا أن الحرية لا تُنتزع إلا بالسلاح، وأن الانقسام والخيانة قد يفتحان الباب لأشد الأيام قتامةً.
لكن، في وسط هذه الصورة السوداء، بزرت مقاومة قائد صالح الشنفرة كصخرة صلبة لا تلين. كانت مقاومته قوية، كبدت المحتل خسائر جسيمة، وشكلت نواة النضال الجنوبي المستمر.
قائد صالح الشنفرة، قائد عسكري من الطراز الرفيع، مخضرم يحمل إرث قيادة الجبهة القومية التي صنعت الاستقلال. شجاعته ونضاله جعلوه من أعمدة المقاومة الجنوبية. بعد حلول براثن كارثة صيف 94، لم يستسلم بل تابع تأسيس المقاومة الجنوبية، وقاد مع رفاقه سلسلة من الكمائن الناجحة التي أوقعت المحتل في خسائر فادحة.
وما إن أرخى شبحُ الكارثة سدوله على البلاد، حتى نهضت القوى الجنوبية من ركام الصدمة، متجمعة في الداخل، لتؤسس نواةً نضالية جديدة حملت اسم اللجان الشعبية، تحت قيادة المناضل أمين صالح.
وقد ضمّت هذه اللجان نخبة من الرموز الوطنية الذين تصدّروا الصفوف، وعلى رأسهم: سيف علي صالح، الأمين العام، إلى جانب أحمد القمع، والعسل، وعمر جبران، وحسن باعوم، وفضل الجعدي، ومحمد ناجي سعيد، والدكتور المعطري، والأديب محمد علي شايف، وعلي شايف، وعبد الحميد طالب وغيرهم من رجالات الجنوب الأحرار.
لقد كانت هذه اللجان هي شرارة الرفض الشعبي، إذ نظّمت المظاهرات الحاشدة، ورفعت صوت الاحتجاج في وجه قوات الاحتلال، لتعيد إلى الشارع الجنوبي حيويته وروحه المقاومة.
وفي عام 1998، انطلق القائد العسكري الشاب عيدروس الزبيدي بتأسيس حركة تقرير المصير، متبنيًا الكفاح المسلح ضد القوات المحتلة. رافقه عدد من رفاقه الأوفياء، من أبرزهم:
عبدالله مهدي، عبيد الأعرم، علي أسعد، عبد الحكيم الكور، عبد العزيز الهدف، صلاح الشنفرة، علي قائد المعكر، عبدالله قائد،
عبدالله محمدسعيدابوناصر
محمدناشرالحكم
،ناصرالنخره
،خالد مسعد ،علي حيمد، حسن الأعرج،
قائد عقلان، عادل مانع، أحمد عبدالله، عبد الفتاح قرقور، محمود طالب العيفري، صلحي قرض، علي عبد اللاه، محمد علي حمود، هاشم، أحمد مسافر، ، ،
الجمل ،محمدثابت الزبيدي،الزهيري، واحمدهادي ،وسعيد الدمنة ،وسالم لسود ومحسن علي مساعد ،ومسعد علي قاسم ، وعلي شايع حمادة، وجعوف زبيد، وعبدالواحد الكرب،والبكري ،وكباس
عبد السلام العشري ،ابوماجدالشعيبي وغيرهم من الأبطال.
لم يمهل الاحتلال الجنوب طويلًا، فحاول اقتحام قرية زبيد، لكنه أخطأ الحساب. اشتعلت نيران المعارك في الضالع، حيث شهدت المنطقة معارك شرسة في جحاف والمدسم، وأحدثت تلك المواجهات ارتباكًا كبيرًا في صفوف المحتل، مما أجبره على التراجع والانسحاب إلى ثكناته.
تلك المعارك التي قادها الشاب عيدروس الزبيدي، كانت أروع الأمثلة على المقاومة الجريئة. مثلت هذه الأحداث حجر الأساس المتين الذي قامت عليه الثورة الجنوبية. وبعدها، تواصل الحراك السلمي ثم المقاومة المسلحة، وصولًا إلى التصدي لجحافل الاحتلال في 2015.