بعد صدور بيان المجلس الانتقالي الجنوبي وقرارات الرئيس عيدروس الأخيرة، تباينت ردود الأفعال الإعلامية بين الطرفين: الإعلام المعادي والإعلام الجنوبي. وقد كشف هذا التباين عن فجوة واضحة في أسلوب العمل وأدوات التأثير بينهما. فالإعلام المعادي ظهر أكثر تنظيمًا وانضباطًا، إذ يمتلك مطابخ إعلامية متعددة تعمل وفق خطط معدّة سلفًا، لكنها تدار جميعها من مركز تحكم وقيادة موحدة. وهذا ما يجعله قادرًا على توجيه رسائل متناسقة، متكاملة، ومتدرجة الأثر، بدءًا من صناعة الخبر وتوظيفه، وصولًا إلى التحكم في ردود الأفعال وصياغة الرأي العام بما يخدم أهدافه. هذه القدرة على التنسيق والانسجام بين وسائله المختلفة جعلته يلعب دورا سلبيا من خلال تشويش الحقائق وجرها الى مربعات أخرى بهدف استهداف النسيج الاجتماعي الجنوبي والتحريض العلني للفتنة المناطقية بين ابناء الجنوب حتى في إطار المنطقة والمحافظة الواحدة. في المقابل، فإن الإعلام الجنوبي ما يزال يفتقر إلى التنظيم المؤسسي وإلى وجود مطابخ إعلامية محترفة تعمل برؤية موحدة وخطط مدروسة. فهو في الغالب يقوم على جهود فردية متفرقة يغلب عليها الطابع العاطفي وردود الفعل الارتجالية غير الموجهة. ورغم أن هذه الجهود تنطلق من إيمان صادق وعدالة راسخة بقضية الجنوب ومشروعه الوطني، إلا أن غياب التنسيق والتخطيط يجعل تأثيرها محدودًا، ويضعف قدرتها على مواجهة الحملات الإعلامية المنظمة التي يشنها الخصوم. إن هذا التفاوت لا يكمن في صدق القضية أو قوة الموقف، وإنما في أدوات العمل وطرق إدارة المعركة الإعلامية. فالإعلام اليوم لم يعد مجرد وسيلة لإيصال المعلومة أو التعبير عن الموقف، بل أصبح سلاحًا استراتيجيًا حاسمًا في رسم ملامح الصراع وتوجيه مساراته. ومن هنا، فإن بناء منظومة إعلامية جنوبية متكاملة، تمتلك مطابخ متخصصة وخططًا واضحة ومركز قيادة موحد، بات ضرورة ملحّة لا تقل أهمية عن أي بعد سياسي أو عسكري.