علي سالم البيض يعود قريباً إلى عدن وأن لم تغادره عدن طيلة عمره النضالي ومسيرته السياسية.
غير الطبيعي أن لا يكون البيض في عدن والطبيعي أن يكون جزء من روح وحركية أحداث المدينة ، التي خبر شوارعها وأزقتها مناضلاً شاباً والتحم مع إندفاعات وإنكسارات المدينة قيادياً ورئيساً.
عودة البيض المرتقبة إلى عدن هي سياسية وعاطفية في آن معاً ، عاطفية لأنه جزء من ذاكرتها وذاكرة ناسها باحلامها وخيباتها ، بتوثبها وتراجعاتها ، وسياسياً لأن حضور شخصيه بهذه التاريخية سيمنح زخماً للشارع السياسي ، ليس الجنوبي وحسب بل وبين كل القوى في عموم الخارطة، فهو السياسي الذي قدم مفهوماً غير معهود للسياسة ،فيها أكبر كم من الصدق والوضوح ، ودفع ثمن صدقيتة في بلاد لم تُعرف السياسة فيها الأ نهجاً يتسم بالعدائية والخصومة الفاجرة ، بالدسائس وعدم الصدق والالأعيب والحيل، فجاء البيض وخلق صورة ذهنية مغايرة طبّع السياسة ،وكسر حالة التهيب بينها وبين قطاع واسع من الناس ، فشهدت اليمن في عهده التسعيني القصير والمُغتال ، أكبر حالة حراك ونهوض في العمل السياسي ، الذي إنقطع بالإغتيالات وبالدبابة والإنقلاب على الشراكة ، قبل او يفرض واقعه الجديد المؤنسن.
البيض قائد من ذاك الزمن الذي يشعر فيه الجميع بالإعتزاز لمعرفته والعيش في ظله ، وبالحزن لانه شخصية تراجيدية إغريقية ، تم الغدر به ليس من خصومه المحسوبين على دائرة التخلف والقبيلة ، بل وحتى من الأحزاب المدنية بين قوسين الحليفة ، التي لم توفر حاضنة حماية لمشروعه الديمقراطي ،وتحالفت مع الماضي ضد المستقبل ، وضد العقل المستنير مع همجية القوة ، جيشت وحشدت ضده وضد مشروعه ، بدلاً من أن تخلق حاضنة لهما ، تحالفت مع خطباء المساجد والثكنات وتجمعات القبائل ، أحدهم يكفر والآخر يخون والثالث يغزو والأخير يحول الجنوب إلى دار جاهلية وأرض فيد ، هذه الأحزاب والقوى جعلت افرادها ومناطقها ممرات آمنة للجيوش ومليشيات الدين السياسي وإرهابييه المستقدمين ، وحولت مطابخ عوائلها لإعاشة الجنود المستنفرين ولغزو عدن وتقويض حلم الوحدة بدولة مدنية عادلة.
الآن الوجود المحتمل للبيض في عدن سيخلق حالة إستنهاض لكل القوى ،سيعيد البهاء ودفق الحياة للأحلام المحبطة ، ولن يسمح لأحدٍ ان يستثمر حضوره لخلق صراعات زعامة في البيت السياسي الوطني الواحد، رمزيته لا تسحب القيادة من أحد ، بل تضيف لها الكثير من الجدية والهيبة المقدرة طوعياً والوقار.
إذا كان البيض ذهب ضحية صدقه ، فإنه بهذا الصدق سيعيد للقضية الجنوبية بل وعلى رقعة أوسع ، مضامينها العادلة ، وسيسهم بخلق صياغات تحالفية جديدة تتخطى الإنعزالية، وهيمنة المناطق ، تقرب الناس بمختلف إنتماءتهم ، والجهات بتنوعها وتوحدهم في السياسة المتجاوزة تخندقات مسقط الرأس وشهادة الميلاد، نحو وطن يؤمن بالتنوع والتعدد يرفض الإقصاء والإلحاق ، وطن يشرعن لحق الناس في تقرير المصير .