في الفترة الماضية لم يكن خافيا على أحد سباق التسلح الذي كان بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي. وأن فيها شهدت بلدان العالم ثورات تحرر من نير الاستعمار القديم. ومع استقلال كل دولة كانت تسلك طريق الرأسمالية وتصنف على أنها تعاود الارتماء في أحضان الاستعمار الجديد المعروف بالإمبريالية، أو تنتهج نهج الإشتراكية بدعم من المنظومة الإشتراكية.
عمليتان متضادتان واستقطاب محتدم في علاقات دولية مبنية على القوة العسكرية كانتا تجريان على قدر كل من المعسكرين لإسقاط أحدهما الآخر، على أنقاضه يسقط النظام العالمي ذي القطبين ويحل محله نظام أحادي القطب للعالم. وهو الذي حدث رغم أنه لم يكن المجال مفتوحا للانتقاء الطبيعي ليلعب دوره وتنتقل بلد من بلدان أحد المعسكرين إلى الآخر، طالما أنها دولة غير عملاقة بل تابعة وربما غير مستقرة سياسيا أحيانا، لكنه سقط المعسكر الاشتراكي وبقي المعسكر الرأسمالي الذي من شأنه أن يعبر عن العولمة كنظام.
أصبح العالم يدار من وراء المحيط وتقوده الولايات المتحدة الأمريكية. لكن الإدارة على مدى ثلاثة عقود ونيف لم تكن بذلك الجد وتلك المسئولية لكي تحد من المواجهات والأزمات والحروب. لم تقود الأوضاع إلى عالم يعمه الوئام يسوده السلام. بل عمدت إلى وضع الأسباب والاحتمالات لخلق المزيد منها من أجل الهيمنة والاحتواء بواسطة علاقات خاصة مع متنفذين ومستفيدين. أتباعها في الشمال متمركزين بنظام متجذر مدعوم من قبل السياسة الأمريكية حتى باتت العلاقات الأمريكية أقل وثوقا من غيرها بالنسبة للجنوبيين. وأنها سياسة تمنع تقاربهم مع روسيا والصين.
قلة الثقة لدى الجنوبيين حتما أدت وتؤدي إلى إيجاد توتر متزايد في العلاقات مع الغرب قاطبة الذي يصدر بيانات منحازة للطرف الشمالي دون إبداء أية جدية لإعادة النظر في سياساته تجاه قضية الجنوب. وهذا يناقض علاقات مع روسيا يعمل الجنوب بقيادة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي على إحيائها وإعادتها، وذلك لموقفها المعلن والصريح والفعال لقضايا كل العرب وشرعيات الصداقة التي تدافع عنها، في ظل الأزمة الأوكرانية التي أفقدت الغرب وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية أوراق الضغط التي تملكه إزاءنا.
بسبب الحرب في أوكرانيا يتفاقم التوتر بين الشرق والغرب. فالصين حاضرة مع روسيا لإخراج الغرب من الشرق الأوسط وإفريقيا مع الترقب والحذر لتلافي الانزلاق في مواجهة نووية. يحرصان على إقامة علاقات وثيقة مع البلدان العربية والإفريقية والآسيوية وحتى اللاتينية، جميعها تجد فيهما دعما لتنشيط المؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والصناعية. كل ذلك وتحسنه مرهون بمدى التنسيق ودعم الإستراتيجيات والدخول في علاقات الاعتماد المتبادل ضمن منظمة شنغهاي ومجموعة بريكس. فالعقيدة الروسية لسياستها الخارجية التي وقعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تضع المنطلق الأساسي لتكثيف علاقاتنا بروسيا ودول المنظمة والمجموعة حاضرا ومستقبلا بالاستفادة من الخبرات التي لا تصادر الممكنات والضرورية.
على الجنوب أن يتحرر من اتباع سياسة التخبط الشمالية، وأن يلتحق بالعرب وواقعهم الذي يساعدنا في إيجاد حصانة توزع خريطة العلاقات الدولية تسهل انتقالنا من واقع احتلال إلى واقع استقلال. واقع عجز نظام القطب الواحد في تحقيقه. لكن المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية حدد عوامل نشأته ووضع معالم أركانه. وأن العلاقات الجنوبية الروسية وحتى الصينية محكومة بالاتجاه العام للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
من الطبيعي أن نكون أكثر استعدادا للتقارب مع روسيا نظرا لحاجتنا إلى الدعم الدبلوماسي الدولي مع وجود الاعتبارات الدولية التي تتوافق مع موافقة مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية على انضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون. وهي منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية. فالعمل جاري اليوم من قبل روسيا لإنهاء النظام الأحادي القطب للعالم، وبناء عالم بنظام متعدد الأقطاب بنفس الإستراتيجيات السياسية والدبلوماسية القائمة على التهدئة والتسوية والتي بها تم إسقاط القطب الشرقي سابقا دون طلقة رصاصة واحدة. حيث أن الإستراتيجيات السياسية والدبلوماسية القائمة على التصعيد والانفجار النووي مرفوضة إلا في وقت الضرورة. ولهذا، فإن الجنوب لا ينبغي له أن يظل مرهون بمصير الشمال إلى ما لا نهاية طالما وصار عضوا أساسيا في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.