تشهد السودان، اشتباكات دامية بين قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، وبين الجيش الذي يتزعمه عبد الفتاح البرهان، وذلك بعد خلافات بينهما تتعلق بتنفيذ الاتفاق الإطاري الذي جرى توقيعه في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
ومنذ انقلاب تشرين الأول /أكتوبر 2021، يدير مجلس السيادة الحكم في السودان، وهناك قائدان عسكريان في قلب النزاع: عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة والرئيس الفعلي للبلاد، من جهة، ونائبه قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، من جهة أخرى.
وانطلقت في 8 كانون الثاني/ يناير 2023، عملية سياسية بين الموقعين على “الاتفاق الإطاري” في 5 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وهم مجلس السيادة العسكري الحاكم وقوى مدنية أبرزها “الحرية والتغيير ـ المجلس المركزي”، بهدف التوصل إلى اتفاق يحل الأزمة السياسية.
وتهدف العملية لمعالجة أزمة ممتدة منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، حين فرض قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعلان حالة الطوارئ.
وأثرت خلافات الجيش وقوات الدعم السريع على توقيع الاتفاق النهائي للعملية السياسية في السودان، الذي كان مقررا في 5 نيبسان/ أبريل الجاري، قبل إرجائه “إلى أجل غير مسمى”.
وقبيل بدء الاشتباكات المسلحة بين الجانبين السبت، اتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع بالتحشيد والانتشار والتحرك داخل العاصمة الخرطوم وعدد من المدن بما فيها مدينة مروي شمالا حيث تمركزت بالقرب من مطار المدينة “دون موافقة قيادة الجيش”.
ورد الجيش بحشد قوات في مروي أيضا، ما أثار مخاوف من أن القوات التي ظلت تقاتل إلى جانب بعضها البعض خلال عقد من الزمن تصل إلى مرحلة عنوانها الاقتتال.
و”الدعم السريع” قوة مقاتلة، تأسست في عام 2013 لمحاربة متمردي إقليم دارفور (غربا)، ثم لحماية الحدود وحفظ النظام لاحقا، وهي تابعة لجهاز الأمن والمخابرات، ولا يوجد تقدير رسمي لعددها، لكنها تعُدّ عشرات الآلاف.
أسباب الخلاف:
أولًا: دمج الدعم السريع
نشب خلاف بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش ضمن “الإصلاح الأمني والعسكري”، إذ يطالب الجيش بعملية دمج تستغرق عامين، أي مع نهاية الفترة الانتقالية، بينما يطالب “الدعم السريع” بأكثر من 10 سنوات.
ويرى مراقبون، أن مطلب الدعم السريع يمنح حميدتي تأثيرا على العملية الانتخابية المقبلة في نهاية الفترة الانتقالية، كما أنه يخشى التخلص منه إذا حدثت عملية الدمج قبل عملية الانتقال لاسيما أنه مطلوب للجنائية الدولية.
البرهان من جانبه، قال في 17 شباط/ فبراير الماضي، إنه يدعم الاتفاق الإطاري “لأن فيه بندا مهما جدا وهو دمج (قوات) الدعم السريع في القوات المسلحة”.
وعلى ما يبدو فإن البرهان يسعى للتخلص من نفوذ حميدتي بسيطرته على قوات الدعم السريع، بعيدا عن قوة الجيش النظامية التي يسيطر عليها، ما يمنحه قوة داخلية وخارجية.
وبجانب فترة الدمج، تبرز قضية رتب ضباط “الدعم السريع” كأحد نقاط الخلاف بين الجانبين، حيث يرى الجيش أن تتم مراجعة رتب ضباط “الدعم السريع”، بينما يطالب الأخير بأن يتم استيعاب ضباطه في الجيش برتبهم الحالية.
قضية خلافية ثالثة، هي مطالبة الجيش بإيقاف التجنيد الجديد لصالح قوات “الدعم السريع” وهو الأمر الذي يجد معارضة من هذه القوات.
ثانيا: المرحلة الانتقالية
يرى البرهان، أن الاتفاق الإطاري غير ملزم بشكله الحالي للجيش، لأنه لا يضم كل القوى السياسية.
وهناك العديد من القوى المدنية التي ترفض الاتفاق الإطاري، وانشقت عن قوى الحرية والتغيير، ويريد البرهان تأمين سلامة الاتفاق من خلال موافقة الأطراف الرافضة عليه، ويسعى أيضا لوجود حلفاء له من المدنيين بعد نقل السلطة لهم ليحافظ بالتالي على نفوذه.
أما حميدتي، فقد جدد التزامه بالاتفاق الإطاري، مشيراً إلى أن “الاتفاق حزمة واحدة يجب أن تنفذ كلها دون تجزئة”، في مؤشر على اعتباره القوى السياسية المشاركة فيه كافية، في مغازلة واضحة لقوى الحرية والتغيير.
لكن في ذات الوقت توجد قوى مدنية ترفض الاتفاق الإطاري وانشقت عن قوى الحرية والتغيير، وحميدتي يرفض انتظار موافقتها رغم أن رفضها قد يتسبب في مشاكل داخلية.
موقف القوى المدنية
وسط الخلاف المتفاقم بين الجيش و”الدعم السريع”، لا تجد القوة السياسية المدنية خاصة الموقعة على “الاتفاق الإطاري” وعلى رأسها “الحرية والتغيير – المجلس المركزي” خيارا آخر تلجأ إليه سوى دعوة الطرفين للتهدئة، تجنبا لوقوع قتال يهدد مستقبل البلاد والاتفاق السياسي المرتقب.
وعبر نصوص “الاتفاق الإطاري”، ظلت القوى المدنية تطالب بإصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية وإعادة هيكلتها وتكوين جيش مهني موحد ذو عقيدة جديدة.
وتنص المادة 10 من المبادئ العامة في “الاتفاق الإطاري” على “التأكيد على جيش مهني قومي واحد ملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة وقائم بواجباته في حماية حدود الوطن والدفاع عن الحكم المدني الديمقراطي”.
لماذا يمسك الجيش بزمام الحكم؟
القتال الحالي يأتي بعد سلسلة من المشاكل التي أعقبت الإطاحة بالرئيس عمر البشير من سدة الحكم في عام 2019.
واندلعت احتجاجات كبيرة في شوارع البلاد للمطالبة بإنهاء حكمه الذي دام نحو ثلاثة عقود. وقاد الجيش انقلاباً للتخلص منه.
لكن المدنيين واصلوا المطالبة بدور في مشروع الانتقال إلى حكم ديمقراطي.
وتشكلت حكومة مشتركة من المدنيين والعسكريين، لكنها أسقطت لاحقاً بعد انقلاب عسكري آخر في تشرين الأول/أكتوبر 2021. ومنذ ذلك الحين، تصاعدت حدة التنافس بين البرهان وحميدتي.
ووضع إطار لاتفاق حول نقل السلطة إلى المدنيين في كانون الأول/ديسمبر، لكن المحادثات حول تنفيذ تفاصيله فشلت.
العلاقة بين حميدتي والبرهان
ووفقا لتقرير سابق لموقع “ميدل إيست آي”، فإن العلاقة بين البرهان وحميدتي تعود إلى عقدين من الزمن، إلى دارفور، حيث قاتل البرهان في المنطقة، وكان عقيد استخبارات عسكرية ينسق هجمات الجيش والمليشيات ضد المتمردين في ولاية غرب دارفور من 2003 إلى 2005.
وتحول الرجلان إلى حليفين بعد عزل البشير، وقد كان البرهان مفتشا عاما للجيش، وأصبح حميدتي نائب البرهان في الجانب العسكري من الحكومة.
وفي 25 أتشرين الأول/ كتوبر 2021، اندلعت أزمة سياسية حادة مستمرة، حين أعلن البرهان عن إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ، وهو ما اعتبره رافضون “انقلابا عسكريا”.
لكن البرهان قال إن إجراءاته تهدف إلى “تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، وتعهد بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.
وعلى الرغم من إجراءات البرهان، إلا أن حميدتي حافظ على منصب نائب رئيس مجلس السيادة وحافظت قواته على امتيازاتها، وبات اسم قوات “الدعم السريع” لا يكتمل تعريفه إلا بـ”التابع للجيش السوداني”.
لكن في 30 تموز/ يوليو 2019، أصدر رئيس المجلس العسكري آنذاك البرهان مرسوما دستوريا عدّل بموجبه قانون قوات “الدعم السريع” وقضى بحذف المادة “5” التي تنص على “الخضوع لأحكام قانون القوات المسلحة بجميع فقراتها”.
وبإلغاء تلك المادة، بات واضحا أن تلك القوات صارت شبه مستقلة وتتبع لقائدها حميدتي.
ويقول قادة “الدعم السريع” إنها منذ تأسيسها ضمت كل أبناء دارفور، لمساعدة الجيش في حربه ضد الحركات المسلحة في الإقليم.
وفي أيار/ مايو 2014، دخلت في جدل مع بعثة الأمم المتحدة في دارفور (يوناميد)، حين اتهمت البعثة بأنها “تتربح من الحرب الدائرة بالإقليم وتسعى لتمديد أمدها”.
وجاء ذلك ردا على تقرير أممي اتهم “الدعم السريع” بارتكاب “جرائم فظيعة” في دارفور. وأعلنت تلك القوات حينها أنها “تتبع جهاز الأمن إداريا وأمنيا، وتتبع القوات المسلحة في التخطيط والعمليات القتالية”.
ما الذي قد يحدث الآن؟
استمرار القتال قد يؤدي إلى المزيد من الاضطرابات وإلى تفاقم الأزمة السياسية في البلاد.
وسيكون من الصعب على الدبلوماسيين الذين لعبوا دوراً حاسما في الحث على العودة إلى الحكم المدني، إيجاد طريقة لإقناع الجنرالين على بخوض محادثات.
وفي غضون ذلك، سيجد السودانيون أنفسهم أمام مرحلة أخرى من عدم اليقين في تنبؤ ما قظ تفرزه الأحداث.