الصدارة سكاي/متابعات
في الوقت الذي تدور فيه «حربًا باردة» بين الصين وروسيا من جانب والولايات المتحدة من جانب آخر، دعا الرئيس البرازيلي لويس لولا دا سيلفا، خلال زيارته الأولى للصين، بلدان العالم للتخلي عن الدولار الأميركي لصالح التداول بعملة مشتركة أو عملات وطنية موجودة، على غرار ما فعلته البرازيل في تجارتها الخاصة مع الصين قبل أسابيع فقط.
وتأتي دعوة، دا سيلفا، الذي اعتبر أن واشنطن تعدم العملات المحلية للبلدان لصالح تعضيد الدولار من داخل «بنك بريكس»، للتنمية الذي افتتح في شنجهاي ليعمل كمؤسسة مالية لدعم اقتصادات تحالف بريكس إذ تم تنصيب الرئيسة اليسارية السابقة للبرازيل ديلما روسيف (2011-2016) رئيسة لبنك بريكس.
تساءل أيقونة اليسار البرازيلي، عن السبب في كون بلدان العالم مجبورة على دعم تجارتها بالدولار، في وقت تتخلى فيه عن عملاتها الوطنية.
تنمية متعددة الأطراف لإنهاء هيمنة الدولار
وأنشأت مجموعة بريكس لأول مرة منذ حوالي 16 عاما، ويضم التكتل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، مع قائمة متزايدة من الدول التي تسعى إلى إقامة شراكات معها، وافتتحت المجموعة بنكا ناعدد الأطراف للتنمية كبديل عن البنك الدولي، عام 2015.
ويقوم البنك بتمويل مشروعات بنية تحتية ومشروعات تنموية في دول مجموعة بريكس للاقتصادات الناشئة، وجاء تدشين بريكس بعد فترة قصيرة من تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تقوده الصين.
ونقلت مجلة نيوزويك عن زونج يوان زوي ليو، من مجلس العلاقات الخارجية، قولها: إن بنك التنمية الوطني هو مثال رائع فيما يتعلق ببنوك التنمية المتعددة الأطراف غير الغربية التي تحاول تعزيز آلية تمويل التنمية البديلة التي لا يهيمن عليها الدولار أو المعيار الأميركي أو الغربي.
تفوقت دول مجموعة «بريكس» العام الجاري، لأول مرة على القوى السبع الأكثر تقدما في العالم بتوفير 31.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقابل 30.7% للقوى السبع الأكثر.
واعتبرت صحيفة «لو جورنال دو ديمانش»، في تقرير لها يوم التاسع من إبريل الجاري، إن هذا التفوق إلى جانب التفوق الديموغرافي لمجموعة «بريكس» يدحض الأساطير حول الدول النامية ويثبت بادرة ظهور قوى متقدمة على الولايات المتحدة.
ووفقا لشركة الاستشارات البريطانية Acorn Macro Consulting تحظى مجموعة الاقتصادات الناشئة «بريكس» – حاليًا – بوزن اقتصادي أكبر من الدول السبع الأكثر تطورا من الناحية الصناعية؛ إذ توفر 31.5 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقابل 30.7 % لمجموعة السبع.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاتجاه الصعودي لمجموعة «بريكس» (روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا) سيستمر.
ويرى محللون اقتصاديون، أن انفراد الدولار بالسيطرة على التجارة العالمية، أعدم العديد من العملات المحلية- لاسيما عملات البلدان النامية والمفقرة؛ إذ ستهلك الارتباط بالدولار الأميركي أموال الدول، فرسوم التحويل لها تأثير سلبي، خاصة عندما تتم التجارة بأحجام كبيرة، كما هو الحال بين أعضاء البريكس، ولهذا فإنه إذا كانت هناك طرق لخفض تكاليف المعاملات، لتقليل مخاطر العملة أو سعر الصرف، فستكون الدول على استعداد للقيام بذلك، وفق ما قالته ليو.
ويرى جادل ياروسلاف ليسوفوليك، مؤسس بريكس، وعضو مجلس الشؤون الدولية الروسي، أن استخدام العملات الوطنية وسيلة لخفض تكاليف المعاملات المرتبطة بالتحويلات إلى الدولار، فضلا عن تقليل العملة حالات عدم التطابق التي غالبا ما تصاحب المستويات المرتفعة من الدولرة.
ووفق ليسوفوليك، يمثل الدولار حوالي 58% من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، في حين يمثل اليورو 20% من تلك الاحتياطيات، والين 6% والجنيه الإسترليني بنحو 5%، وأخيرا يشكل الرنمينبي الصيني أقل بقليل من 3% من احتياطيات النقد العالمي.
وقال ليسوفوليك، إن أحد الأسباب الرئيسية للتحول نحو استخدام العملات الوطنية هو استخدام الدولار الأميركي في فرض عقوبات على دول أخرى، مضيفا أن استخدام الدولار في فرض قيود اقتصادية قد أحدث تأثيرا قويا لبلدان الجنوب العالمي، وأدى إلى بذل جهود من جانبهم لتنويع مجموعة العملات التي يمكن استخدامها في العالم.
استقطبت قمة بريكس التي عقدت في يوليو الماضي حوالي 19 من قادة العالم وشهدت طلبين جديدين من الأرجنتين وإيران للانضمام إلى الكتلة، كما ظهر الاهتمام بالمجموعة من قبل السعودية.
بناء احتياطيات من أصول لا يمكن استهدافها بعقوبات
ولمواجهة العقوبات الأمريكية، تسعى كل من موسكو وبكين لتعضيد عملتيهما المحلية، وقالت رئيسة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، إن روسيا تبني احتياطيات دولية بأصول لا يمكن استهدافها بعقوبات غربية، وفق ما نقلت وكالة «تاس» الروسية للأنباء.
وأوضح البنك المركزي الروسي في السابق، أنه يعتبر الذهب واليوان الصيني والعملات الأجنبية التي يحتفظ بها نقداً أصولاً آمنة من جولات أخرى محتملة من العقوبات الغربية.
حرب باردة جديدة
يدور بين الولايات المتحدة من جانب والصين وروسيا من جانب آخر صراعًا طويل الأمد، يسعى خلاله كل طرف لتحقيق مصالحه من دون الدخول في صراع مسلح مع الطرف الآخر.، الأأمر الذي وصفته مديرة صندوق النقد الدولي، كرستيالينا جورجيفا، بـ«الحرب الباردة الجديدة».
تعتبر الولايات المتحدة كل من بكين وموسكو عدوتين استراتيجيتين لها. في المقابل لا تخفي الحلفتين الاستراتيجيتين، أن الولايات المتحدة تقود حربًا عالمية هجينة عبر المنافسة الإستراتيجية، وذلك من أجل انفرادها بالهيمنة وبسط النفوذ على العالم بدءًا من المجال الجغرافي لـ«أوراسيا الكبرى» مروروا للشرق الأوسط الكبير وأفريقيا ثم وصولًا إلى أميركا اللاتينية.
ومنذ تفكك الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي ـ اتجه العالم نحو النظام «أحادي القطب»؛ وأساسه من الناحية الاقتصادية تحرير التجارة وتحرير سعر الصرف والخصخصة ما دعم واشنطن بالتفرد كقوة مهيمنة على العالم، وبالتالي عدم تكافؤ دول شمال العالم وجنوبه على الصعيدين الاقتصادي والسياسي- ومنذ ذلك الحين تجمع روسيا والصين كقوى ناشئة-علاقة وطيدة، في محاولة لإعادة التوازن للنظام الاقتصادي العالمي وجعله متعدد الأقطاب.
وفي العقود الثلاثة الماضية تنامت الروابط بين موسكو وبكين، وعملت الحليفتان الاستراتيجيتان على تدشين تكتل «بريكس» للاقتصادات الناشئة، الذي بدأ بـ4 بلدان عام 2006 هي الصين وروسيا والهند والبرازيل قبل أن تنضم جنوب أفريقيا في العام 2011.
المصدر: المصري اليوم