الصدارة سكاي/ BBC
عندما بدأت الأزمة السورية، قامت ياسمين وعائلتها في تنظيم احتجاجات سلمية في مسقط رأسهم دير الزور.
وتقول عن أسباب الخروج في هذه الاحتجاجات، “أنا البنت الوحيدة بين ستة شباب. خمسة منهم استشهدوا. ولم يبق لي سوى أخ موجود بالقرب من فرانكفورت”
في عام 2012، قُتل شقيق ياسمين، زهير أثناء مشاركته في مظاهرة ضد النظام. في نفس العام، اختفى شقيقها عُقبة عندما تم اعتقاله من قبل المخابرات الجوية السورية. ازدادت بعدها التهديدات والمداهمات على منزلهم، لكن الأسرة قررت البقاء في دير الزور بانتظار إطلاق سراح عُقبة آملين أن يكون على قيد الحياة. في ذلك الحين، فقدت ياسمين ثلاثة من أشقائها، وبقيت الأسرة في انتظار إطلاق سراح عقبة.
“يمكن لو عرفنا مصيره من البداية لكنا خرجنا. ولم نخسر كل هذه الخسائر ونحن ننتظر مصيره.”
على الرغم من عدم معرفة أي شيء عن عُقبة منذ لحظة اعتقاله، اعتقدت ياسمين وعائلتها أنه سيتم إطلاق سراحه في نهاية المطاف.
“لم نتصور حجم البشاعة في المعتقلات وأن الموضوع أصبح تصفية وقتلا ممنهجا وقتلا تحت التعذيب”
في عام 2014 دخل التنظيم المعروف باسم الدولة الإسلامية دير الزور وبدأ باستهداف ياسمين التي أصبحت الآن تعيش معاناة مضاعفة، الجهل بمصير شقيقها والخوف والقلق المزمن على سلامتها وسلامة أطفالها. وفي النهاية اضطرت لاتخاذ القرار الصعب بمغادرة سوريا إلى تركيا ومنها إلى ألمانيا، على أمل أن ينضم عقبة إليها يوما ما.
“في منتصف مارس/ آذار الفين وخمسة عشر، اكتشفت صورة عقبة بين صور قيصر وتأكدت بأنه قتل. كانت ملامحه واضحة لم يكن أبدا مجال للشك”
صور قيصر هي مجموعة من الصور، يقدر عددها حوالي 55 ألف صورة، لـ11 ألف شخص يُعتقد أنهم لقوا حتفهم في معتقلات النظام السوري. تم تسريب الصور من قبل مصور منشق عن النظام لُقب باسم “قيصر”
أنشأت ياسمين جمعية عائلات قيصر في ألمانيا لمساعدة العائلات التي فقدت أحباءها وتُطالب بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين في السجون السورية ومحاسبة المسؤولين عن مقتل أحبائهم.
وتقول عنها ياسمين: “يسألوني الناس ما هي العدالة بالنسبة لك؟ أكيد الذي دُمر لن يتصلح. لكن العدالة بالنسبة لي عندما أرى سوريا تعيش الحلم الذي حلمناه في البداية. سوريا دولة ديمقراطية، دولة حريات ودولة مساواة تتحقق.”
لم تتفاجأ ياسمين بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية والحكومة السورية. لكنها أيضا لا تعتقد أن الدول العربية أو الجامعة العربية يمكن أن تلعب دوراً في تحقيق العدالة للسوريين خاصة الذين يتهمون النظام السوري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. لكنها تعول على المحاكم الأوروبية والدولية.
“حتى لو صدر حكم رمزي بإدانة النظام، فنحن نثبت رسالة أن هذا النظام مجرم”
توجد حالياً قضايا جنائية ومدنية ضد الحكومة السورية أو أفراد مرتبطين بالنظام في محاكم في الولايات المتحدة والسويد وهولندا، وألمانيا وفرنسا والنمسا. لكن بالنسبة للعديد من السوريين مثل ياسمين، هذا لا يكفي، فهم يأملون بإنشاء محكمة دولية لمحاسبة كبار المسؤولين في النظام السوري.
ولكن رغم كل ما مرت به ياسمين فهي تأبى أن تفقد الأمل.
“أحيانا أعاني من انفصام شخصية تجاه سوريا. أحيانا هي سوريتي، هي بلدي، هي حبيبتي. وأحيانا لا أحبها، لأن سوريا البلد الذي خسرت فيه كل شيء. لكن إن تغيير النظام، تعود سوريا حلوة وغالية. أحيانا أسمع داليدا عندما تغني “كلمة حلوة وكلمتين، حلوة يا بلدي.” بلدي حلوة رغم كل شيء.
لدى ألمانيا أكبر عدد من القضايا ضد عناصر من نظام الأسد. وأشهرها محاكمة أنور رسلان الذي كان رئيس فرع أمن الخطيب. رسلان كان أول مسؤول رفيع في النظام السوري يُدان بجرائم ضد الإنسانية ويُحكم عليه بالسجن المؤبد عام 2022.
معاناة من لندن
تتأثر خلود وتبكي حين تتحدث عن شقيقها أحمد الذي اختفى منذ أكثر من عشرة أعوام. ففي ليلة هادئة في داريا اقتحمت قوات حكومية منزلهم في منتصف الليل واعتقلوه.
اقتحموا بيتنا بأعداد كبيرة وخطفوه من البيت. وإلى الآن نحن لا نعرف عنه أي خبر… إذا كان حيا أو ميتا”
كان أحمد حينها، طالب ماجستير في السنة الثانية، بالإضافة إلى عمله مع الهلال الأحمر، لمساعدة السوريين الفارين من القصف في حمص آنذاك.
“لا توجد أي قناة رسمية أستطيع الذهاب إليها لأسأل أين أخي. النظام ينفي كليا أنه قام بعمليات الاعتقال وينفي كليا أنه قام بتعذيب وقتل المعتقلين. هو لا يريد أن يوفر أي دليل أنه قام باعتقال أي أحد”
طرقت خلود وعائلتها كل باب ممكن ودفعوا كل رشوة طُلبت منهم، لكن كل جهودهم باءت بالفشل. حتى أنها اتصلت بمنظمات دولية مثل الصليب الأحمر، لكن قيل لها إنهم غير قادرين على مساعدتها بسبب القيود التي يفرضها النظام السوري عليهم.
“للأسف لا ثمن للمعتقل. المعتقل هو الوحيد الذي يدفع الثمن هو وأهله، لأنه هو ما له ثمن. ثمنه فقط الرصاصة التي تقتله أو الزنزانة المتعفنة التي يعيش فيها. ولكن أكثر من ذلك، ليس لده ثمن سياسيا.”
لم تتفاجأ خلود من قرار الجامعة العربية بتطبيع العلاقات مع سوريا، إلا أنها تشعر بالإحباط من عدم مسائلة سوريا عن الأسرى المفقودين أو الضغط عليها لإطلاق سراح السجناء السياسيين.
“برأيي الحكام العرب مجرمون جميعهم ومرتكبو انتهاكات ضد حقوق الإنسان في بلادهم. لذا لن يأتي أي منهم ليقول إن النظام السوري مجرم. برأيي أيضا أنه من مصلحتهم أن ينضم الأسد لجامعة الدول العربية وعندما أخرجوا سوريا من الجامعة العربية كان بسبب الضغط الدولي خلال الربيع العربي. للأسف العالم لم يعد مهتما.”
لا تعتقد خلود أنها سترى العدالة التي تسعى إليها أثناء حياتها وليست متفائلة بأن يراها الجيل القادم.
“العدالة التامة تعني أن يصبح هناك تغيير سياسي، ومحاكم محلية مع قضاة نزيهين، على أرض سورية. كنا نتوقع أنه من الممكن أن نصل للعدالة مثل ما حصل في البوسنة بعد عشرين عاما. لكن، ها نحن اليوم بعد
12 سنة ولا نستطيع رؤية الضوء. فقدنا الإيمان حتى بفكرة العدالة المُطولة.”
لكن خلود تعتقد أن المحاكمات والقضايا العديدة التي ترفع في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تمنح الكثير من السوريين دفعة أمل في أن قضيتهم لا تزال قائمة وأن هناك من يريد مساعدة المعتقلين في العالم.
“بالنسبة لي، هذه المحاكم تقوم بتوثيق ذاكرتي وذاكرة المعتقلين وذاكرة الضحايا. أنا شهدت في أكثر من محاكمة، لذا أعتقد أن حكايتي وُثِقت بطريقة قانونية ورسمية أمام شهود. فإذا مت أو ماتت ذاكرتي، تكون شهادتي قد وُثِقَت للتاريخ.”
انتقلت خلود إلى المملكة المتحدة عام 2017 حيث تعمل حالياً كصحفية وناشطة في مجال حقوق الإنسان وتقوم بحملات للإفراج عن السجناء السياسيين. تظل مشاعرها تُجاه وطنها معقدة ولا تعتقد أنها تستطيع العودة حتى يتغير نظام الحكم.
“أصبحت أكرهها. هي مثل شخص أحببته كثيرا وأعطيته أغلى ما عندي، لكن هي رمتني كأني قُمامة. أنا أعرف أن اللوم ليس عليها، وسوريا ليست بشار الأسد طبعا، لكنها أحزنتني ولا أستطيع العودة إليها الآن، هذا العتب يأتي من فرط المحبة لسوريا. لأنني لم أتوقع أن تعاملني هذه المعاملة”.
معظم القضايا المتعلقة بسوريا في المحاكم الأوروبية ضد أفراد مرتبطين بالنظام وتجري في محاكم جنائية. لكن في الولايات المتحدة، القانون هناك يسمح بالقضايا المدنية فقط والتي لا يمكن رفعها إلا ضد الحكومة السورية وليس ضد أفراد مرتبطين بها، عن الجرائم المرتكبة ضد مواطنين أمريكيين.