كشفت مكتبة قطر الوطنية عن كتابين من أهم الإصدارات الموجودة في مكتبتها التراثية، يتناول فيهما الرحالة الأجانب رحلة الحج وأجواءها في “طيبة” مكة المكرمة. وتحتوي المكتبة على كنوز من الكتب والمخطوطات التي كتبها الرحالة الأجانب، غير أنها تكون لها الأهمية بمكان عندما تصف مكة المكرمة وأجواء الحج ومناسكه، ذلك أن كتابات الأجانب تناولت الكثير من الحياة العربية وطبيعتها، وتبقى مناسك الحج بعيدة عنهم. فعلى مر التاريخ، لم يصف “أم القرى” والمدينة المنورة “يثرب” من الأوروبيين بالقرون الوسطى سوى عدد قليل للغاية، أما من شهد منهم شعائر الحج فقليل جدا، لأن دخول مكة محظور على غير المسلمين.
رحلة جوزيف بيتس
الكتاب الأول للبحار البريطاني جوزيف بيتس (1663-1735) والذي وقع أسيرا في يد بحار جزائري، وتم بيعه لأحد الضباط الجزائريين آنذاك. وانطلق بيتس بصحبة سيده في رحلة الحج من الجزائر إلى الإسكندرية بحرا ثم إلى القاهرة عبر نهر النيل، ومنها إلى السويس برا ثم أبحرا من السويس في رحلة طويلة مدتها شهر كامل إلى ميناء “رابغ” ومنه إلى جدة ثم مكة المكرمة، وكتب كثيرا عن تلك الرحلة ومشاهداته التي دونها. وهو يعتبر أول إنجليزي في التاريخ الحديث يزور مكة المكرمة عام 1091هـ/1680م، وأول من وصف طريق الحج الغربي، وتعتبر رحلة بيتس من أقدم الرحلات الأوروبية إلى البلاد العربية. وقد وثقها في كتابه “وصف صادق وأمين لدين وأخلاق المسلمين مع وصف تفصيلي لشعائر حجهم إلى مكة” حيث يصف مكة المكرمة بأنها أهم مدينة في العالم الإسلامي، كما يصف سكان المنطقة وعاداتهم وتقاليدهم أثناء تأدية مناسك الحج، وقد أصبح هذا الكتاب من أهم المراجع للرحالة والمستكشفين الأوروبيين الذين أتوا بعد بيتس إلى المنطقة العربية. ووصف الكاتب الحج بقوله “، أن ترى هذه الآلاف المؤلفة في لباس التواضع والتجرد من ملذات الدنيا، برؤوسهم الحاسرة، وقد بللت الدموع وجناتهم، وأن تسمع تضرعاتهم وبكاءهم طالبين الغفران والصفح لبدء حياة جديدة..”. وبعد عودة بيتس إلى الجزائر أعتقه سيده، وبقي سنوات هناك قبل أن يعود لبريطانيا، ونشر مذكراته عام 1704 وترجمها للعربية عبد الرحمن عبد الله الشيخ بعنوان “رحلة جوزيف بتس الحاج يوسف إلى مصر ومكة والمدينة”. وفي مقدمته لترجمة الرحلة، كتب الشيخ أن القارئ سيعرف الكثير عن رحلة الحج القادمة من المغرب، وسيكتشف مثلا أن الحجاج قديما مثلما عانوا من هجمات بدو الصحراء فإنهم أيضا كانوا يعانون من المهاجمين أثناء سير سفنهم في النيل من رشيد إلى بولاق، وأشار إلى أن بيتس في طريق العودة أصيب بالطاعون في الإسكندرية لكنه شفي في الجزائر. 32 سنة في رحاب الإسلام
أما الكتاب الثاني فهو للفرنسي ليون روش (1809-1901) بعنوان “اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الإسلام (1832-1864 )” وقد وصف فيه رحلته إلى مكة المكرمة. وقد تزامن الحج في زمن روش مع فصل الشتاء، حيث يقول عن ليلة الذهاب إلى عرفات “كان الليل باردا وحالكا.. سأمتنع عن وصف المشهد الذي تصوره تلك المخيمات العديدة المنارة بضوء النيران المشتعلة أمام خيام علية القوم والمسلمين الميسورين. كان الضوء المنبعث من تلك النيران يتيح رؤية آلاف الحجاج المتأخرين”. وكتب روش عن يوم عرفات قائلا “كان التاسع من ذي الحجة عام 1257 هجرية الموافق 22 يناير/كانون الثاني 1842 يوما لن أنساه ما حييت. أعلنت لنا طلقة مدفعية بدء صلاة الفجر، وارتفعت من كل حدب وصوب أصوات المؤذنين من عدة مخيمات صداحة رنانة تدعو إلى الصلاة”. كما وصف مشهد الحجاج الساعات الأخيرة من يوم عرفات، قائلا “أذن المؤذن وبدأ الخطيب خطبته.. تعذر علي فهم ما يقول لكنني كنت أسمع ابتهالاته إلى الله تعالى. كان مع كل دعاء يرفع ذراعيه على مهل نحو السماء ويحذو حذوه في هذه الحركة 60 ألفا من الحاضرين الذين كانوا يرددون مهللين على نحو رائع: لبيك اللهم لبيك.. هل يمكن وصف مشهد مماثل؟ لن أحاول ذلك، لأنني لو فعلت سأقلل من عظمته وأنتقص من روعته”. ويقدم بيتس وروش رؤية فريدة لمشهد الحجاج في صعيد عرفات القرنين 17 و19، من خلال معايشتهما المباشرة لوقوف المسلمين في عرفات، في وثيقة تاريخية لا تقدر بثمن وتسلط الضوء على وجهة نظر الأوروبيين غير المسلمين الذين تمكنوا من مشاهدة مناسك الحج ورصد وقائع هذه العبادة العظيمة، وتتيح مكتبة قطر الاطلاع عليهما في المكتبة التراثية بمكتبة قطر الوطنية.