عودة دولة الجنوب لتأخذ وضعها الطبيعي التاريخي والقانوني المستحق لن يكون فقط عاملا هاما من عوامل استقرار منطقتنا في الجنوب والشمال والخليج، هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية الحيوية للعالم، بل أن عودة هذه الدولة فيه تصحيح عملي وانصاف مستحق للتاريخ الذي تعرض للتدليس والتزوير والتشويه على أيدي كتاب يمنيين، ومنافقي نظام ٧/٧ بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ. القوميون العرب ومع احترامنا لطموحاتهم ،الذين فشلوا في تحقيق أي من أحلامهم في فلسطين ومصر وسورية ولبنان والعراق وليبيا…ومعاركهم وصراعاتهم مع الزعيم جمال عبدالناصر ومع البعث العراقي والبعث السوري…وجدوا ضالتهم في جنوب شبه الجزيرة العربية حين أسسوا حركة القوميين العرب في اليمن عام ١٩٥٩م وجعلوا لها فرعين في كل من الشمال والجنوب في بداية الامر، ثم دعموا الفرع الشمالي على حساب فرع الجنوب، ونظروا وطبقوا فكرة يمننة الجنوب التي استغلها كتاب من صنعاء كانوا قد اطلقوا نشاطهم في اربعينات القرن العشرين لزرع وتكريس مفاهيم “اليمن الواحد”، “الثورة الأم” و”العاصمة التاريخية” و”واحدية الثورة”. تعرض استقلال الجنوب في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م لمؤامرات دنيئة وافكار متطرفة افرغته من مضمونه الوطني وأهدافه العقلانية للمواءمة بين الثورة والدولة وبين الشرق والغرب، وعملت على عزله عن محيطه العربي وخسارة الرأسمال الوطني الجنوبي. جاءت مرحلة تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني عام ١٩٧٩م الذي رفع شعار تحقيق الوحدة اليمنية بعد إنهاء دور الجبهة القومية كقائدة لنضال شعب الجنوب وقتل أو تشريد أو تهميش أهم وأنضج وأخلص قادتها وكوادرها… وكانت الطامة الكبرى بتسليم الجنوب لنظام صنعاء في ٢٢ مايو ١٩٩٠م بناء على معلومات مغلوطة ووعود عرقوبية لفرع الحزب في اليمن الشمالي، بل كان هناك من دعم وشارك في تحقيق شعار الوحدة أو الموت أبان وبعد حرب ١٩٩٤م الكارثية. حينها قال الدكتور عبدالكريم الارياني قولته الشهيرة التي افصحت عن نوايا نظام صنعاء وهدفها ونظرتها للجنوب: “لقد ابتلعنا الجنوب ولم يبق لنا سوى هضمه”…مع إن الشخص نفسه كان يراوغ في مرحلة ما قبل اندلاع الحرب وربما من باب التغطية على التحضيرات الجارية لغزو الجنوب، حينما قال “إمساك بمعروف أو تسريح باحسان” في إشارة مخادعة إلى حل الخلافات بين الشريكين سلميا. أما “شيخ مشايخ اليمن” عبدالله الأحمر فقد كانت الوحدة بالنسبة له “عودة الفرع إلى الأصل” وأن علي سالم البيض لا يحق له أن يحكم أو يكون شريكا للرئيس، بل هو موظف ينفذ ما يكلفه به الرئيس …وهو ما تم تطبيقه عمليا على نائب الرئيس بعد الحرب عبدربه منصور هادي. سنوات عجاف مرت على شعب الجنوب وهو يدفع ثمن تغليب العواطف على المصالح ، وتغليب الحقائق على الأوهام. أما حرب ونتائج ٢٠١٥م وسنواتها التسع فقد قضت على بقايا بصيص أوهام واثبتت باليقين القاطع استحالة بقاء “الوحدة اليمنية” بأي شكل من الأشكال. كان الجنوبيون وما زالوا يدركون أن طريقهم إلى استعادة حقهم الشرعي والقانوني في دولة الجنوب، طريقا طويلا وشاقا ومعقدا، ولكن الوصول إلى الهدف والغاية ليس مستحيلا…وهاهو يتحقق خطوة بخطوة. وللموضوع بقية….