الصدارة سكاي : خاص / قسم التحقيقات
يعيش الرأي العام في اليمن بجنوبه وشماله على وقع الصدمة التي أثارتها فضيحة فساد جديد من العيار الثقيل مست هذه المرة بشكل مباشر مساعدات القمح المقدم من بولندا وأوكرانيا والمخصص للشعب اليمني .
ومع أن قضايا فساد الحكومة اليمنية قد أثارت وهيجت الرأي العام مرات عديدة، وليست هذه هي الأولى، إلا إن فضيحة صفقة استيراد القمح تُعد الأبرز والأكثر استفزازًا للشعب المطحون بحسب مراقبين.
وقد اعتبر ناشطون التفريط بالمنحة البولندية من القمح قبل أن تصل لأفواه الفقراء والمعدمين، من قبل رئيس الحكومة الذي كان على اطلاع بالصفقة المذكورة؛ انخراطًا واضحًا في تقاسم كعكعتها مع باقي الفاسدين المتورطين بهذه الفضيحة .
بداية القصة:
تبدأ القصة بعدما أعلنت بولندا استعدادها لتقديم شحنة قمح لليمن، حيث جاء ذلك على لسان رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في الخارجية البولندية باتريسا اوزجان، الذي أكد أن بلاده تنتوي تزويد اليمن بشحنة قمح مجانية.
لاحقًا قرر أن تكون الكمية أربعين ألف طن، لتتفتح بعدها شهية أركان الفساد في الحكومة اليمني كما يقول ناشطون، الأمر الذي دفعهم للسعي للاستيلاء على نصف الكمية بذريعة أجرة نقل الكمية إلى اليمن.
وثائق حصرية تكشف حجم الكارثة
حصلت الصدارة سكاي على وثائق حصرية شملت مراسلات بين سفارة اليمن في بولندا ووزارة الخارجية اليمنية من جهة وبين وزير الصناعة والتجارة ووزارة الخارجية اليمنية من جهة أخرى حول منحة القمح المقدمة من حكومة بولندا مجانًا للشعب اليمني بمقدار 40 ألف طن.
هذه الكمية المجانية لم تغطِ حكومة معين عبدالملك مصاريف نقلها لعدم توفر تكاليف نقلها لديها كما يقول مسؤولون في الحكومة! وهو الأمر الذي استغله لوبي الفساد الذي يجزم مراقبون بأنه على ارتباط برئيس الحكومة، حيث ورد في مذكرة وزير الصناعة والتجارة محمد محمد الأشول المؤرخة بـ 13/8/2023 مخاطبًا وزير الخارجية وشؤون المغتربين د. أحمد عوض بن مبارك حيث أبهرنا الأشول بمقترحاته الفاسدة وذلك بالتعاقد مع شركة خاصة لنقل القمح من موانئ بولندا إلى ميناء عدن.
لا تكمن المشكلة في التعاقد مع هذه الشركة أو تلك، بل الكارثة أن مقترح الوزير قضى بأن يتم منح التاجر نصف كمية القمح مقابل مصاريف النقل، أي بصورة أوضح 20 ألف طن من القمح للشعب اليمني من إجمالي 40 ألف طن بينما الـ 20 ألف طن الأخرى للشركة الناقلة!!!!!
هذا الأمر أكدته بنود العقد المبرم بين وزارة الصناعة والتجارة وشركة الماسي للتجارة، وهو ما مثل فضيحة وأكبر من هذا وقاحةّ وصفاقةً برأي ناشطين، الذين أثاروا أسئلة عن حلقة الفساد المتورطة وهل تقف عند هذا الوزير؟ أم أن هناك أطراف وشركاء مستفيدون من هذه الصفقة؟
تجاوز لصلاحيات وزارة التخطيط والتعاون الدولي
أكدت وزارة التخطيط والتعاون الدولي عبر مكتبها الإعلامي في بيانٍ صادرٍ عنها أمس الأحد 1 أكتوبر 2023 إن آخر يوم مسموح به لنقل الشحنة هو يوم 15 سبتمبر 2023، وأشار البيان إن الأمر هذا ظل في قنوات وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الخارجية.
وأضاف البيان إن رئيس الوزراء رفض العقد المبرم بين وزارة الصناعة والتجارة وشركة الماسي ووجه لوزارة التخطيط وقال البيان: ” تؤكد وزارة التخطيط والتعاون الدولي إنه تم إبلاغها والتوجيه لها من دولة رئيس الوزراء د.معين عبدالملك وذلك في يوم ١١ سبتمبر ٢٠٢٣م، بعد أن رفض دولة الرئيس اعتماد العقد المبرم بين وزارة الصناعة والتجارة وشركة خاصة تسمى (شركة الماسي) والتي كانت ستأخذ ما نسبته ٥٠٪ من إجمالي كمية الشحنة، حيث وقد فوضت وزارة التجارة والصناعة سفيرة اليمن لدى وارسو بتوقيع الاتفاق مع المستفيد وشحن الشحنة من صوامع غلال ميناء GDANSK البولندي. “
وأكد البيان إن وزارة التخطيط والتعاون الدولي هي المعنية بالمنح والمساعدات مضيفًا: “ولأن وزارة التخطيط والتعاون الدولي معنية بالمنح والمساعدات، وكان المفترض أن تمر هذه القضية وغيرها عبرها وبحيث ستجد القنوات المناسبة كما يصل يومياً الغذاء لملايين اليمنيين في كل المحافظات حيث قامت بمخاطبة برنامج الغذاء العالمي الذي اعتذر ووضح باعتذاره عدم قدرته على تحمل نفقات نقل وتغليف وتوزيع الشحنة إلى المستفيدين بكل محافظات اليمن وهو مبلغ كبير لم يستطع البرنامح توفيره نظراً لانخفاض التمويلات بشكل عام.”
واختتمت وزارة التخطيط بيانها بدعوة النائب العام، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وهيئة التشاور والمصالحة، ومجلس النواب بالوقوف على هذه القضية وأطرافها والوثائق والمستندات وصحتها وإعلان النتائج للرأي العام.
وقد حصلت الصدارة سكاي على مذكرة صادرة عن وزير التخطيط والتعاون الدولي د.واعد باذيب مخاطبًا فيها برنامج الغذاء العالمي في اليمن WFP، حيث طلب الوزير باذيب من برنامج الغذاء تحمل تكاليف نقل القمح من الموانئ البولندية وتوزيعها لمستحقيها وفقًا لآليات وخطط البرنامج في اليمن، كونه لا يتوفر لدى الحكومة التمويل اللازم لنقل المنحة.
وعوضًا عن مخاطبة وزارة التخطيط والتعاون الدولي لاستكمال إجراءات نقل المنحة باعتبار ذلك يقع ضمن اختصاصات الوزارة، آثرت أن تخاطب وزارة الصناعة والتجارة التي لاعلاقة لها بالموضوع برأي مختصين!!
الأمر الذي اثار كثيرًا من التساؤلات حول ما يجري، وكيف لمثل هكذا تعديات وأعمال مشبوهة يراد لها أن تمر مرور الكرام؟
ضياع المنحة بسبب لوبي الفساد
من الواضح أن المنحة ضاعت بسبب إصرار لوبي الفساد على القرصنة دون وجه حق والاستحواذ على نصف المنحة حيث ظلت المعاملة والمراسلات تدور في أروقة وزاتي الصناعة والتجارة والخارجية لحوالي خمسة أشهر وهو ماتثبته مذكرة سفارة اليمن في بولندا المرفوعة إلى وزير الخارجية بتاريخ 10 مايو 2023 التي حصلت “الصدارة سكاي” على نسخة منها مما أدى إلى انقضاء المدة المسموح بها لنقل شحنة القمح من بولندا إلى اليمن، ونستند هنا -حول انقضاء المهلة- إلى ما ورد في بيان وزارة التخطيط التي أكدت أن آخر يوم مسموح به لنقل الشنحة هو 15 سبتمبر 2023 .
الخلاصة:
يرى مراقبون بأن وزير التخطيط والتعاون الدولي قد رمى الكرة في ملعب النائب العام ومعه الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وهيئة التشاور والمصالحة، ومجلس النواب بعدما طالبهم بصريح العبارة بالوقوف على هذه القضية وأطرافها والوثائق والمستندات وصحتها وإعلان النتائج للرأي العام.
ويتساءل الشارع اليمني بعد هذه الفضيحة عن مصير الشحنة وهل سيتم محاسبة من تسببوا في ضياعها إن هي قد ضاعت، والتي كانت ستقدم لمحتاجيها من عامة هذا الشعب المطحون، والمُبتلى بحكومة غارقة في الفساد في ظل غياب تام لأجهزة الرقابة والمحاسبة؟.