بعد تهديدات استمرت لأسابيع، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بشن ضربات جوية على أهداف عسكرية للحوثيين، فجر يوم 12 يناير الماضي، وذلك في إطار التحالف الدولي “حارس الازدهار” الذي تشكّل في ديسمبر 2023، كـ”قوة بحرية” قيل انها متعددة الجنسيات تعمل على صد الهجمات والقرصنة الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن.
أعلنت الولايات المتحدة بأنها نفذت ضربات متعمدة على أكثر من 60 هدفاً في 16 موقعاً للحوثيين، باستخدام أكثر من 100 ذخيرة موجهة بدقة. وبعد ذلك بأيام، وتحديداً في 16 يناير ، نفّذت الولايات المتحدة ضربات استهدفت صواريخ بالستية مضادة للسفن، في مناطق شمالية عدة، وهي صواريخ كانت مُعدة للإطلاق، فيما بدى وكأنه مرحلة جديدة من الضربات الأمريكية ضد الحوثيين، تعنى أكثر بالضربات الاستباقية.
واستمر هذا النهج الأمريكي الضاغط، إذ نفذ الجيش الأمريكي، في 18 و20 يناير ، ضربات دفاعية، استهدفت قاذفات صواريخ جاهزة للإطلاق في البحر الأحمر.
كذلك قامت الإدارة الأمريكية، في 17 يناير ، بإعادة تصنيف الحوثيين على أنهم “كيان إرهابي دولي مصنف تصنيفاً خاصاً” (SDGT). وكانت إدارة الرئيس جو بايدن قد ألغت إدراج الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في فبراير 2021، بعد أن صنفتها إدارة دونالد ترامب السابقة في أسابيعها الأخيرة ذلك التصنيف.
وبعد ذلك تكررت الضربات الأمريكية وأحيانا البريطانية على مواقع حوثية في اليمن الشمالية.
لكن السؤال الذي ظل يطرح نفسه ما جدوى هذه الضربات على الحوثيين وقدراتهم؟
أعتقد أن أهداف الغارات الجوية الأمريكية ضد الحوثيين كانت بالمجمل تستهدف إثناء الحوثيين عن تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وإبطال ضرباتهم باتجاه السفن التجارية وإضعاف قدراتهم في هذا الاتجاه بالذات…
ولم يكن من بين تلك الأهداف القضاء على الحوثيين – كما فعلت الولايات المتحدة مع طالبان أو مع صدام حسين- ، ولا حتى ردع الحوثيين وإيقافهم عن حدهم.
إنطلاقا من ذلك أعتقد أن الضربات الأمريكية قد أصابت أهداف حوثية محددة ومحدودة والحقت في قدرات الحوثيين خسائر كبيرة، لكن هذه الضربات لم تثن الحوثيين عن استمرار تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن والتعرض لبعض السفن أو قصفها.
ومما ساعد الحوثيين في ذلك عدة عوامل منها:
أولا :أن الضربات الأمريكية والبريطانية لم تكن مركزة ومكثفة وحاسمة.
ثانيا: غياب عنصر المفاجأة والمباغتة للضربات الأمريكية…بل وابلاغ الحوثيين مسبقا بها وبوقت كافي لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليل الخسائر البشرية والمادية.
ثالثا: سرعة تعويض إيران لخسائر الحوثيين، واعتبارهم جزء لا يتجزء من منظومة الحرب الإيرانية في المنطقة.
رابعا: للحوثيين مصلحة سياسية ومعنوية واعلامية في استمرار استهداف الملاحة الدولية في رسائل واضحة لرفع معنويات انصارهم في الداخل وابتزاز الخارج.
الحوثيون رأوا في وقوع الضربات الأمريكية بينما حرب عزة مستمرة، تعظيماً لمكاسبهم، على العكس إذا ما تأجلت هذه الضربات إلى ما بعد انتهاء تلك الحرب.
لأن هذا التوقيت منح الحوثيين الفرصة لتسويق الضربات الأمريكية على أنها عقاب لهم على دعمهم للفلسطينيين.
كما أن تلك الضربات سوّقت لهم كفاعلين على المستوى الإقليمي وليس فقط في اليمن.
بالمجمل لم يتغير الوضع السياسي والعسكري في اليمن كثيرا إلا من زاوية ضراوة الحرب الاقتصادية وخاصة بعد إجراءات البنك المركزي في عدن التي يبدو انها أوجعت الحوثيين وجعلتهم يهددون بالتصعيد العسكري…