فيضان تكهنات المغردين ورواد وسائل التواصل الاجتماعي وتحليلاتهم وتنبؤاتهم، أو “التناحر السياسي” بالأحرى، يمنع وزن الموقف وإدراكه جيداً، لا سيما في شأن معقد كالشأن اليمني، وما يحف طريق السلام لليمن من مفاجآت.
بالأمس القريب انتشرت رسالة من المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد محمد العليمي “يحث الحكومة على تأجيل إجراءات نقل البنوك”، داعياً إلى “إجراء حوار اقتصادي”. اشتراطات محددة تخص هذا الحوار خلص إليها مجلس القيادة بعد استعراض الرسالة خلال “اجتماع طارئ” شاع بعده ما شاع، و”التزم الصمت… البليغ” من التزم.
صورة رسالة المبعوث دخلت نطاق “الترند” الذي لم يذهب إلى حال سبيله بعد، لذهاب محللي الوضع اليمني العجيب إلى التفتيش عمن يقف وراء هذا “الضغط” على الشرعية، مخمنين بعض دول التحالف التي لا تحتاج وسيطاً لدى اليمنيين.
سهولة التفسير الشرير والتحليل التآمري ومنح صكوك الوطنية على المنفعلين – كسهولة الحرب على المتفرجين – مع حسن نية المتفائلين بقرب السلام، يصطدمان بما ينجم عن اختلاط أوراق الملف اليمني؛ وفي الوقت عينه تتطلب المفاجآت مرونة الاستعداد لا التساهل، وتأني القرار ليعين على تلافي الصدمات، ناهيك بضرورة تفهم – لا توهم – طبيعة كل طرف من أطراف “اليمننة” وحدود قوته وأهداف الوسطاء ومهمتهم.
بلغ الانفعالُ حد تخوين مَن يستجيب لطلب أو “حث” المبعوث على “الحوار الاقتصادي”، متغافلين إشارة الرسالة نفسها إلى تواصل المبعوث مع “أنصار الله للحصول على التزامهم بهذا الحوار” (في انتظار صورة رسالة المبعوث إليهم والتزامهم ليسبحا في تيار الترند… كما يسبح رفضهم المسبق والدائم).
رسالة المبعوث أشارت إلى “تحمل الحكومة مظالم اقتصادية” خلقها “المُلتزِم المُنْتَظَر” (…) وتطرقت إلى “مصلحة اليمنيين”. بعض المنفعلين يتناسون هذا البعد، مستخدمين “شماعة” مصلحة الخارج وبعض الداخل لتبرير العجز عن معالجة الوضع المأسوي الناتج من “خنق” كل طرف للآخر بفعل الفوضى “الخناقة” لحياة الناس وفرص التفاهم، والرافضة تفهم الحاجة الماسة إلى السلام الذي يحول دون هذه المعاناة.
لم يُنظَر إلى الأمر من زاوية مختلفة، وهي أن هذا الضغط – باعتبار الرسالة وسيلة ضغط ناجعة – هو نتاج ضغط الجانب الشرعي، بقرارات البنك المركزي ووزارة النقل، على الجانب غير الشرعي، ما جعل الأخير يتخبط مهدداً مزايداً من ناحية إعلامية، ومتوسلاً مزايداً – أيضاً – لدى الناصية الأممية، وأن المبعوث من زاويته رأى في ما قرره جانب الشرعية اليمنية مصدر قوة وضغط ناجع يهيئ مناخ الدعوة إلى التفاوض من هذا المركز، مقابل ما علا من صوت تصعيد، وأن تقوية موقف كل طرف رهن قدرة ذاتية، مع بقاء كل طرف مداناً باستمرار الأزمة إلى حين ضبطه متلبساً بإنهائها.
وليس شرطاً أن يُعتَبر مسعى المبعوث – كل مبعوث أممي ينتهي “منعوثاً” لدى اليمنيين – إسناداً لطرف يمني ضد يمني آخر، لأنه يتوسل نجاح مهمته و”الحفاظ على خريطة الطريق”، مُدرِكاً أن بوابة السلام تنفتح بتلبية الأطراف جميعاً “الدعوة إلى الحوار والتفاوض الأفضل من عودة التفاوض بواسطة السلاح”.