الصدارة سكاي – خاص
وصل رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، أمس السبت، إلى حضرموت، في زيارة مفاجئة، وغير متوقعة، حملت الكثير من التأويلات، عن دوافعها، وتوقيتها، وهي أول زيارة للرجل إلى المحافظة، منذ توقيف تصدير النفط إثر استهداف الحوثيين لميناء الضبة، في أكتوبر / تشرين الأول من العام 2022.
واستقبل محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي، الرئيس العليمي في مطار الريان، في زيارة أثارت الكثير من الجدل، خاصة أنها أتت بعد يومين فقط من إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن توصل الحكومة الشرعية، إلى اتفاق مع جماعة الحوثيين، لخفض التصعيد الاقتصادي.
وكان العليمي وصل مساء السبت إلى مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، ومعه عضوا مجلس القيادة، عبدالله العليمي، وعثمان مجلي، في ثاني زيارة رئاسية للمحافظة، وسط رفض من مكونات قبلية ومجتمعية للزيارة، رافقه تشكيك بالنوايا المبيتة والأهداف من الزيارة.
واستغرب الكثيرون، غياب ابن حضرموت، وممثلها في مجلس القيادة، النائب فرج سالمين البحسني، عن الحضور ضمن الوفد الزائر، وأثار ذلك الكثير من الجدل وعلامات الاستفهام، كون الرجل يُعتبر من أهم الركائز والشخصيات المؤثرة في المشهد السياسي والاجتماعي الحضرمي.
وبدا لافتًا أيضًا، غياب رئيس مجلس الشورى، احمد عبيد بن دغر، عن وفد الزيارة، رغم حالة التوافق والتماهي السياسي، بينه وبين رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وعدم وجود تباين بينهما، فيما يتعلق بالتوجه السياسي، والمواقف السياسية لكل منهما، والمرتبطة بشكل مباشر بسياسة المملكة.
وفور وصوله، أكد العليمي إدراك مجلس القيادة والحكومة للأوضاع التمويلية في المحافظة، والدور المقدر للسلطة المحلية في التخفيف من وطأتها المعيشية والإنسانية والخدمية، ومشاركتها النجاحات والإخفاقات، وليس الهروب منها بحسب وكالة الأنباء اليمنية “سبأ”
ونقلت الوكالة أن العليمي جدد التزام المجلس والحكومة بتعزير دور السلطات المحلية في محافظة حضرموت وكافة المحافظات المحررة، ودعم جهودها لتحقيق الامن والاستقرار، وتحسين الخدمات، بما يليق بدور ومكانة محافظة حضرموت ورمزيتها كنموذج لدولة المؤسسات، وسيادة القانون.
وتوقع مراقبون أن تكون هذه الزيارة للعليمي، إلى حضرموت، قد جاءت بإيعاز سعودي، لإقناع الحضارم، بتنفيذ الشق الاقتصادي من المفاوضات الغامضة، التي تجري في مسقط، مع جماعة الحوثي، والتي يُتوقع أن تفضي إلى استئناف تصدير النفط، مقابل حصول الجماعة على حصة الأسد من عائداته.
وتوقف تصدير النفط في أكتوبر/تشرين الأول 2022، جراء هجمات شنها الحوثيون على موانئ نفطية، في الضبة ونشيمة، بمحافظتي شبوة وحضرموت، ويشترطون الاتفاق على آلية يتم فيها دفع رواتب كافة الموظفين العموميين، في جميع مناطق اليمن مقابل السماح باستئناف تصدير النفط،
خارطة الطريق وزيارة العليمي.. التوقيت والعلاقة
وأتت زيارة العليمي، بعد أسبوع صاخب بالأحداث، السياسية والعسكرية، أبرزها قرار الرئاسي اليمني إلغاء الإجراءات الاقتصادية الأخيرة ضد الحوثيين، والرضوخ لتهديدات السعودية، والتصعيد الأخير بين جماعة الحوثي وإسرائيل، وتوقيع اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي برعاية أممية.
وتأتي هذه الزيارة مع معلومات تفيد بمساعي سعودية، يقودها العليمي لاستئناف تصدير النفط، ومنح حصة الأسد للحوثيين، يُرجح أن تساوي نحو 80% من الإيرادات، بذريعة أن الكتلة السكانية الرئيسية تقع في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين في شمال اليمن.
وكانت المملكة العربية السعودية، قد تدخلت لإنقاذ الحوثيين، ووقف الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، التي اتخذها مركزي عدن، ضدهم، ووضعت الجماعة في مأزق اقتصادي حقيقي، لأول مرة، وجعلتهم يطلقون تهديدات رسمية باستهداف المملكة العربية السعودية، حال تنفيذ هذه الإجراءات.
ووفقًا لوكالة بلومبرج، فإن السعودية هددت “بتقليل الدعم الاقتصادي والعسكري” للحكومة اليمنية، إذا ما تم تنفيذ الإجراءات الاقتصادية ضد الحوثيين، مضيفة بأن السعوديين أكدوا للحوثيين أنهم يفعلون كل ما بوسعهم لوقف تنفيذ تلك الإجراءات المالية.
وتسعى المملكة العربية السعودية، التي تخوض مفاوضات معقدة، مع مليشيات الحوثي، في مسقط، إلى مراضاة الجماعة، ومنع اتخاذ أي إجراءات قد تدفع بالحوثيبن، إلى الانسحاب من هذه المفاوضات، بعدما أعلنت في وقت سابق من هذا الشهر، عن قرب التوقيع على خارطة الطريق لحل الأزمة اليمنية.
زيارة ناقصة ومستغربة
وكانت مصادر إعلامية مُطَّلعة قد أشارت، بأن نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء فرج سالمين البحسني قد اعتذر عن مرافقة العليمي خلال الزيارة بسبب عدم وجود تنسيق مسبق معه حول الزيارة وغياب التفاصيل الخاصة بأهدافها.
وكان الصحفي هشام كرامة الجابري، مدير مكتب اللواء فرج سالمين البحسني، قد عبر عن استغرابه، واستغراب الكثيرين في حضرموت، من عدم حضور اللواء البحسني، عضو مجلس القيادة الرئاسي، برفقة رئيس المجلس خلال زيارته للمحافظة.
واعتبر الجابري هذا الغياب إخفاقًا كبيرًا للرئيس في عدم إشراك شخصية مهمة مثل اللواء البحسني، الذي يعد أحد الركائز الأساسية في حضرموت، والذي كان يُفترض أن يكون في مقدمة مستقبلي العليمي، وأن يقوم بالإعداد والتجهيز لهذه الزيارة بالتنسيق المسبق
وأضاف الجابري أن هذه الزيارة تثير الكثير من الاستغراب بسبب غموض أهدافها، ولا يتوقع أن تحقق شيئًا يذكر لحضرموت، معتبراً أنها قد تكون مجرد زيارة أخرى كسابقاتها بدون تحقيق تقدم ملموس للمحافظة. وختم قائلاً: “للأسف، زيارتكم ناقصة، يا فخامة الرئيس!”
يُذكر أن العليمي، كان قد زار حضرموت نهاية يونيو / حزيران من العام الماضي، بعد أيام فقط على إشهار مجلس حضرموت الوطني، ورافقه في الزيارة تلك، عدد كبير من الشخصيات الحضرمية، يتقدمهم حيدر أبوبكر العطاس، وأحمد عبيد بن دغر، وفرج سالمين البحسني، فضلًا عن وفد سعودي رفيع المستوى.
رفض حضرمي واسع للزيارة
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو، أظهرت خروج تجمعات عفوية، لعدد من أبناء المحافظة، الرافضين للزيارة، وهم يهتفون بعبارة “برع يا عليمي” وهتافات أخرى مناوئة خلال مرور موكب رشاد العليمي في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت.
وتعليقًا على زيارة العليمي للمحافظة، أكد مؤتمر حضرموت الجامع، وهو أكبر مكون حضرمي، بأن حضرموت لم تلاقِ من الجهات المسؤولة في البلاد، ما تستحقه على مكانتها، مؤكدًا بأنها لاقت فقط تعمد في اقصائها وتهميشها، على الرغم من كل التضحيات و المواقف التي قدمتها المحافظة.
و قال في بلاغ صحفي مساء امس السبت، حصلت “الصدارة سكاي” على نسخة منه، بأن “زيارة الرئيس رشاد العليمي المقررة إلى حضرموت غير مرحب بها، بل ويرفضها حتى تنفيذ المطالب و نيل حضرموت كامل حقوقها.
بدوره لم يعلق المجلس الوطني الحضرمي، الذي أنشئ برعاية سعودية، ولم يبدِ اي موقف منها، على عكس الزيارة الأولى، التي حظيت ببيان ترحيب كبير من قبل المجلس، ما ينبئ بحالة من الاستياء الحضرمي الواسع الذي قد يمثل “عقبة مؤقتة” أمام تنفيذ اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي والبدء بمرحلة تصدير النفط.
تبعات اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي.. كيف تبدو
وينص اتفاق خفض التصعيد اليمني على أربع نقاط؛ الأولى هي إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين، والتوقف مستقبلاً عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة.
أما النقطة الثانية فتنص على استئناف طيران «الخطوط الجوية اليمنية» الرحلات بين صنعاء والأردن، وزيادة عدد رحلاتها من رحلة واحدة إلى ثلاث يومياً، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يومياً، أو حسب الحاجة.
وفي النقطة الثالثة اتفق الطرفان على عقد اجتماعات لمعالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجهها شركة «الخطوط الجوية اليمنية»، فيما تضمن البند الرابع الاتفاق على البدء في عقد اجتماعات لمناقشة القضايا الاقتصادية والإنسانية كافّة بناء على خريطة الطريق.
وتهرول المملكة العربية السعودية، بشكل سريع ورغبة جامحة، نحو عقد اتفاق سلام مع جماعة الحوثي، والخروج من المستنقع اليمني، للتفرغ لملفات داخلية، بعد التقارب الأخير مع إيران، وعودة العلاقات بينهما “دونما حسبان لتبعات تلك الهرولة على المدى البعيد” برأي مراقبين.
ويرى مراقبون بأن تراجع البنك المركزي عن قراراته -امتثالا لاتفاق خفض التصعيد- سيؤدي إلى إضعاف وضعه في القطاع المصرفي، وقطاع الصرافة، لصالح البنك المركزي في صنعاء، التابع للحوثيين”.
كما يرى مراقبون، بأن ذلك التراجع سيؤدي إلى فقدان البنك المركزي في عدن، لثقة المؤسسات الدولية، ومنها خدمة سويفت، حيث سبق أن أبلغها بسحب تراخيص البنوك الموجودة في صنعاء، ثم طلب تأجيل القرار لمدة أسبوعين وبعدها إلغاء القرار.
ومن المتوقع بعد هذا التراجع ألا تستجيب البنوك ومنشآت الصرافة للبنك المركزي في عدن، ولن تتم موافاته بالبيانات مستقبلا، وعليه لن يتمكن من ممارسة وظيفة الرقابة على البنوك ما سيتيح انكسار البنك المركزي، وتمكين الحوثيين من اتخاذ إجراءات إضافية في هذا القطاع، وكذا طباعة عملات ورقية.
ويعتقد الصحفي والخبير الاقتصادي، محمد خالد بأن التراجع سيؤدي “إلى تغول بنك صنعاء على القطاع المصرفي، والتحكم الكامل به”، وقال “سيتيح انكسار البنك المركزي اليمني للحوثيين اتخاذ إجراءات إضافية في هذا القطاع، وكذا طباعة عملات ورقية” معتبرًا أن الاتفاق “حد من قدرة البنك المركزي في عدن من اتخاذ أية إجراءات مماثلة مستقبلا”.
وفيما يتصل بموقف الحوثيين بعد إعلان وقف التصعيد يقول خالد في تصريح له : “لن يتراجع البنك في صنعاء عن أي خطوات قام بها في القطاع المصرفي، ومنها طباعة فئة 100 ريال التي تسببت في التصعيد”.
مأرب بديلة لعدن.. وبوادر خلاف في الرئاسي
وألقت المفاوضات الغامضة الجارية في مسقط، وخارطة الطريق المزمع التوقيع عليها بين الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا وبين الحوثيين، بضلالها على مجلس القيادة الرئاسي، حيث برزت في الآونة الأخيرة بوادر خلافات بين المجلس الانتقالي الجنوبي، الممثل بثلاثة من قادته في المجلس، وبين العليمي.
وكانت صحيفة العربية الإماراتية، قد قالت بأن محافظة مارب ستكون البديل عن العاصمة المؤقتة عدن لقيادة المجلس الرئاسي عقب تنامي الخلافات بين المجلس الانتقالي من جهة، وقيادة الحكومة والمجلس الرئاسي في اليمن من جهة أخرى،
وفي بيانه الأخير عقب اجتماع لهيئة رئاسته؛ دعا المجلس الانتقالي الجنوبي، لضرورة تفعيل إطار تفاوضي خاص لقضية الجنوب في جميع مراحل العملية السياسية الجارية التي ترعاها الأمم المتحدة في اليمن، مجددًا التأكيد على حق الشعب الجنوبي في تقرير المصير وتحقيق تطلعاته نحو الاستقلال.
وشدد المجلس في بيانه، على ضرورة تنفيذ الالتزامات المتفق عليها في مشاورات الرياض، وفي مقدمتها تفعيل الفريق التفاوضي المشترك للقيام بمهامه في مختلف ملفات وقضايا التفاوض السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ولم يتم تفعيل الوفد التفاوضي المشترك حتى الآن، ويتهم المجلس الانتقالي الجنوبي أطرافًا في المجلس الرئاسي بعرقلة تفعيله، والذي تم اختيار أعضائه منذ فترة طويلة، بحسب تقارير صحفية.
ويعيش المجلس الرئاسي، حالة من الجمود مع تزايد الخلافات فيه، على إثر المفاوضات الجارية في مسقط، وتفرد العليمي بدعم من السعودية، بالوفد التفاوضي، وإخفاء بنود خارطة الطريق المزمع التوقيع عليها، عن الكثير من مكونات المجلس وهو ما أثار حفيضة المجلس الانتقالي الجنوبي.