استيقظ الشارع الجنوبي، يوم الجمعة الماضية، على نبأ كارثي بسقوط عشرات الجنود من القوات الجنوبية، شهداء وجرحى في تفجير انتحاري بسيارة مفخخة استهدف موقعًا عسكريًا في محافظة أبين الجنوبية، بعد تراجع ملحوظ للعمليات الإرهابية التي يشنها ما يعرف بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، على مواقع وأفراد القوات الجنوبية.
وتبنى تنظيم «القاعدة» الهجوم، والذي كان قد تلقى ضربات موجعة خلال السنوات الماضية، على أيدي هذه القوات، توجت باقتحام وتحرير وادي عومران – آخر معاقل التنظيم الإرهابي في المحافظة – بعد هجوم كاسح للقوات المسلحة الجنوبية، في معركة أطلق عليها اسم “معركة سهام الشرق”
وفي حصيلة أولية ذكرت مصادر عسكرية وطبية أن 16 جندياً على الأقل استشهدوا وأصيب حوالي 16 آخرون، إثر الهجوم الذي استهدف قوات «اللواء الثالث دعم وإسناد» المتمركز في مديرية مودية التابعة لمحافظة أبين شرق العاصمة عدن، في هجوم هو الأعنف منذُ سنوات.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة الجنوبية، النقيب محمد النقيب، أن الهجوم تم بسيارة مفخخة يقودها انتحاري، وتحمل مئات الكيلوغرامات من المواد شديدة الانفجار، بعد خطاب سياسي تحريضي، وتعبئة مغلوطة، استهدفا القوات المسلحة الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي – حسب تعبيره –
وخلال السنوات الماضية، شنت القوات الجنوبية، حملات واسعة لمطاردة خلايا تنظيم «القاعدة»، لا سيما في محافظتي أبين وشبوة، وتمت السيطرة تباعًا على مواقع ومعاقل التنظيم الإرهابي، ما دفعه للقيام بعمليات انتقامية على طريقته المعتادة بتفجير سيارات انتحارية.
وسبق أن اتهم المجلس الانتقالي الجنوبي، حزب الإصلاح – ذراع الإخوان في اليمن – وجماعة الحوثي، بالتنسيق والتعاون مع تنظيمي «القاعدة» و«داعش» لشن هجمات ضد القوات الجنوبية، لا سيما في عدن وأبين وشبوة وحضرموت، في إطار السعي لزعزعة استقرار الجنوب وتنفيذ أجندات سياسية ضد المجلس الانتقالي.
وسابقًا أفادت تقارير أمنية عن إطلاق الجماعة الحوثية الكثير من عناصر «القاعدة» الذين كانوا متواجدين في سجونها عقب تفاهمات مع قادة التنظيم، فيما تحدثت الكثير من المصادر المحلية والخارجية، وجود علاقات قوية بين التنظيمات الإرهابية وحزب الإصلاح اليمني، الأمر الذي اكده عددًا من قيادات التنظيم بعد انشقاقهم عنه.
وتزامنت عملية استهداف اللواء الثالث دعم وإسناد، بالتزامن مع حملة إعلامية استهدفت القوات الجنوبية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، بالتزامن مع تطورات أخرى وأحداث انحصرت في مجملها على استهداف المجلس الانتقالي الجنوبي، في ضل حديث عن محاولات الضغط عليه للقبول بخارطة الطريق التي أنتجتها حوارات مسقط
تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.. تاريخ النشأة
عندما انهار الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي عاد معظم «المجاهدين» العرب إلى بلدانهم فاستقبلتهم حكوماتهم بأجهزة الأمن والمخابرات وتم إيداع الكثير منهم الزنازين والسجون، بينما في اليمن جرى استقطابهم لمواجهة الحزب الاشتراكي اليمني، ووزعت لهم الرتب والمزايا للمشاركة في اجتياح الجنوب عام 1994م.
وقبل إعلان أسامة بن لادن تأسيس تنظيم القاعدة تحت ما يعرف (الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين) في نوفمبر 1998، كان تنظيم القاعدة في اليمن قد أسس بالشراكة مع النظام القائم أول تواجد فعلي له، وانخرط التنظيم في مؤسسات الجيش اليمني تحت يافطة الجهاد في محاربة الاشتراكيين في الجنوب.
لاحقًا شهدت اليمن عمليًا تأسيس أول جماعة جهادية منظمة في منتصف عام 1997م بقيادة أبو حسن المحضار تحت مسمى (جيش عدن أبين الإسلامي) الذي أعلن فيما بعد اعترافه بقيادة القاعدة، ونفذ عملية اختطاف 16 سائحا غربيا في 28 ديسمبر 1998م قُتل أربعة منهم خلال تحريرهم من الأجهزة الأمنية، وبعد مقتل هذا القيادي تولى قيادة التنظيم خالد عبد النبي الذي كان له دور في حصول حوار وتفاهمات مع النظام في 2003.
من الملفت أن الجهاديين وبعد انتهاء حرب أفغانستان كانوا قد انخرطوا في أعمال عنف في اليمن مبكرًا، وقبل إسقاط الحزب الاشتراكي اليمني، واجتياح الجنوب، فقد شهدت مدينة عدن في 1992م هجمات ضد فنادق ومواقع سياحية يتواجد فيها عسكريون أمريكيون من العاملين في الصومال.
وشاركت التنظيمات الجهادية العائدة من أفغانستان تحت مسمى الأفغان العرب، في عمليات اغتيالات عديدة، طالت العديد من كوادر الحزب وقياداته، وجرى تصفية الكثير من القيادات العسكرية الجنوبية قبل اندلاع حرب صيف أربعة وتسعين، التي شارك فيها التنظيم فعليًا بالتزامن مع فتوى الجهاد الشهيرة لعبدالوهاب الديلمي.
لاحقًا نفذ التنظيم هجمات كان أبرزها عملية المدمرة الأمريكية «يو اس اس كول» في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2000م بميناء عدن وقتل وجرح خلالها 47 بحارا أمريكيا، وتكرر الأمر مرة أخرى في هجوم مماثل وقع في 6 أكتوبر 2002م على ناقلة النفط الفرنسية «ليمبورغ» في ميناء الضبة بمحافظة حضرموت.
بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي استهدفت برجي التجارة العالمي في نيويورك قتلت طائرة أمريكية بدون طيار عام 2002م الرجل الأول في تنظيم القاعدة في اليمن أبو علي الحارثي لتتوقف العمليات التي يتبناها التنظيم بعدها، وبدا أن التنظيم العالمي قد خسر أهم معاقله “اليمن”.
تنظيم القاعدة في الجنوب .. الابن المشوه لتيارات الشمال
في مختلف المراحل والتقلبات السياسية في اليمن، سعت الأطراف اليمنية في صنعاء لاستغلال تنظيم القاعدة، وإقامة علاقات معه بالشكل الذي يضمن إبقاء مناطق الجنوب في حالة اللاإستقرار، وضرب الخصوم فيه، ومنع تعافيه، حفاضًا على بقاء الوحدة اليمنية، وإلهاء الجنوبيين، لمنع أي خطوات تعزز من سيطرتهم على بلادهم.
وتختلف القوى السياسية والدينية في الشمال، لكنها مجمعة على إبقاء الجنوب تحت سيطرتهم، ومنع أي استقرار فيه، خوفًا من ذهابه نحو العودة إلى ما قبل 1990م، وهو الأمر الذي دفع هذه القوى للتحالف مع التنظيمات الإرهابية، التي تختلف معها أيدولوجيًا.
نظام صالح:
مع انطلاق الحراك السلمي الجنوبي، المطالب باستقلال الجنوب والعودة إلى ما قبل عام 1990م، عادت العمليات الإرهابية مجددًا، وعادت نشاطات الجماعات الإرهابية، في محافظات الجنوب للظهور من جديد، وبدا أن التنظيم العالمي للقاعدة بات يقف على أرضيةتواجدوزخم هو الأقوى في العالم.
وبرأي مراقبين فقد سعى النظام اليمني حينها، على تعزيز تواجد تنظيم القاعدة في المحافظات الجنوبية، لتخفيف العالم من سيطرة الجماعات الإرهابية على الجنوب، والإيحاء بأن أي انفصال له عن النظام في صنعاء يعني عدم الاستقرار وبأن الجنوب سيصبح بؤرة لتهديد استقرار المنطقة وطرق التجارة العالمية.
وكان نظام صالح يشن حملات ومداهمات ضد عناصر التنظيم، لكن سرعان ما يتم الإفراج عنهم أو يعلن عن فرارهم من السجون، وهو الأمر الذي استمر طوال العقد الأول من القرن الحالي، وتمثلت أبرز مراحلة في الإفراج عن 176 عنصرا مشتبها بهم بذريعة “حسن السلوك”.
في يناير/ كانون الثاني 2009 وفي ذروة الاحتجاجات المطالبة باستقلال الجنوب أعلن فرعا تنظيم القاعدة في اليمن والسعودية الاندماج تحت مسمى (تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب) واختيار اليمن مقرا لقيادته، وكانت أخطر عملياته في (أغسطس/آب 2009) هي محاولة استهداف الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مسؤول ملف الإرهاب في الداخلية السعودية وقتها (وولي العهد السابق).
بعد محاولة الشاب النيجيري عمر عبد المطلب نسف طائرة ركاب أميركية أثناء رحلة إلى ديترويت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2009م واتهام قاعدة جزيرة العرب بالوقوف وراءها، نفذت واشنطن في 25 ديسمبر/كانون الأول 2009م عملية عسكرية أودت بأكثر من 60 مدنيًا في منطقة المعجلة بأبين، ووصفتها منظمة العفو الدولية وقتها بمجزرة ( المعجلة).
أنور العولقي الذي خرج من سجن الأمن السياسي( المخابرات اليمنية) بعد رحلة طويلة من الملاحقات بدأت بطرده من أمريكا وتوقيفه في بريطانيا وصولا إلى اعتقاله في اليمن اتهم بأنه العقل المدبر لهذه العمليات ما دفع بواشنطن إلى قتله في سبتمبر/أيلول 2011م.
ولطالما كانت علاقة تنظيم القاعدة في اليمن وصالح محل شكوك، خصوصا بشأن وجود صفقات بينهما، وهو ما نفاه مسؤولون أميركيون بالقول إنه لا توجد أدلة دامغة على ذلك، غير أن الشكوك بشأن صفقة بين القاعدة وصالح أكدها تقرير للأمم المتحدة في أبريل 2015، حيث قامت لجنة خبراء بإعداد تقرير بناء على طلب من مجلس الأمن الدولي.
وكشف التقرير أن صالح وقع على اتفاق سري يمنح تنظيم القاعدة السيطرة على محافظات جنوبي اليمن.
ووفقا للتقرير، فقد قال وزير الدفاع اليمني آنذاك، محمد ناصر أحمد، إن صالح التقى مع المسؤول المحلي في التنظيم سامي ديان، بمكتبه في صنعاء عام 2011، وتعهد صالح بانسحاب الجيش من محافظة أبين، ما يعطي للقاعدة الفرصة للسيطرة عليها، وهو ما حدث لاحقا فسيطر تنظيم القاعدة على أبين.
حزب الإصلاح:
يرى مراقبون بأن العلاقة بين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وبين حزب الإصلاح، تتعدى علاقة المصالح، وما يجمعهما من العداء المشترك للقوى الأمنية والعسكرية في الجنوب، فضلًا عن الرغبة المشتركة بزعزعة الاستقرار فيه؛ لتصل تلك العلاقة إلى علاقة الأصل بالفرع.
يستند مراقبون في نظرتهم هذه إلى أن معظم قيادات تنظيم القاعدة، قد درست في جامعة الإيمان التابعة للحزب، فضلًا عن أن أعضاء من التنظيم كانوا قد تلقوا تعليمهم في ذات الجامعة، بالإضافة إلى ما يوفره الحزب من غطاء سياسي وديني لهذه الجماعات الإرهابية، على رأسها تنظيم القاعدة، ووضعت الخزانة الأمريكية على لائحة التنظيمات الإرهابية عبدالمجيد الزنداني زعيم جامعة الإيمان التابعة للحزب.
في محافظة شبوة، كان التنظيم قد عاش أياما ذهبية إبان سيطرة حزب الإصلاح عليها، ولم تشهد المحافظة حينها أية عملية للتنظيم، على اعتبار أن الجهة المسيطرة على المحافظة، ليست من أهدافه.
بمجرد إقالة المحافظ السابق، وعودة قوات دفاع شبوة، ووصول قوات العمالقة والمقاومة الجنوبية إلى بيحان وعسيلان وعين، لتحريرها من الحوثيين، بدأت عمليات التنظيم في التصاعد وبوتيرة عالية، واستهدفت قوات دفاع شبوة وقوات العمالقة الجنوبية لعدد من العمليات الإرهابية.
قبل ذلك، وفي حرب أبين 2020، كان التنظيم قد انخرط في صفوف قوات الحكومة آنذاك، التي كان ينتمي جانب من أفرادها إلى حزب الإصلاح، في شقرة وأحور والمحفد وغيرها بمحافظة أبين، بهدف مواجهة القوات الجنوبية، وهي الحرب التي وفر لها حزب الإصلاح غطاءً سياسيًا وإعلاميًا.
خلال العامين 2019 – 2020، كان التنظيم بمأمن من الملاحقة، بسبب تغلغله داخل القوات الحكومية المذكورة، وقد استغل هذا الوضع لإعادة ترتيب صفوفه، بعد الخسائر التي مني بها خلال الأعوام السابقة. لكن ومع سيطرة القوات الجنوبية على تلك المديريات، وملاحقة التنظيم إلى معاقله الرئيسية عاد وضعه ليتعقد مجددا، وبصورة أكثر سوء، وهو ما دفع زعيمه إلى الاعتراف بأنهم يمرون بأزمة مالية خانقة، وإلى دعوة القبائل لمساندتهم.
ليس من صالح حزب الإصلاح أن يصل تنظيم القاعدة في اليمن إلى هذا المستوى من الضعف والتراجع، ومن غير المستبعد أن يكون الحزب قد تحرك لتقديم الدعم، المادي أو البشري، برأي مراقبين.
وبعد فقدانه لأماكن سيطرته في محافظتي أبين وشبوة، فضلًا عن حضرموت، بفعل ضربات القوات الجنوبية، فقد صارت محافظة مأرب الواقعة تحت سيطرة حزب الإصلاح هي الملاذ الآمن لعناصر التنظيم، حيث تنطلق منها الهجمات الإرهابية على مواقع وتمركزات القوات المسلحة الجنوبية، في محافظات الجنوب.
جماعة الحوثي:
مثلت العلاقة بين جماعة الحوثي والتنظيمات الإرهابية، علاقة مصالح، وعلى قاعدة عدو عدوك صديقك، عملت جماعة الحوثيين على توفير الدعم للجماعات الإرهابية في جنوب اليمن، لاستهداف القيادات العسكرية ومواقع الجيش والأمن الجنوبيين، وزعزعة الاستقرار ٥ي محافظات الجنوب.
وعلى الرغم من أنّ تنظيم القاعدة تختلف أيديولوجيته الدينية عن جماعة الحوثي، ويعلن أكثر من مرة الجهاد ضدها، إلا أنّ ذلك “يأتي بدافع براجماتي بحت برأي مراقبين، إذ يسعى من خلال تركيزه على جماعة الحوثي استقطاب أبناء القبائل اليمنية إلى صفوف القاعدة وكسب ودهم، وكذلك تحييد القبائل المعادية للتنظيم عبر التلويح بإمكانية التعاون معهم للقتال ضد الحوثيين”.
وفي وقت سابق، أبرم تنظيم القاعدة عددا من صفقات تبادل الأسرى مع جماعة الحوثي، لكنَّ مصادر خاصة شككت بوجود صفقات، وأكدت أنّ الإفراج عن معتقلي التنظيم من سجون الجماعة يأتي ضمن الدعم الحوثي للتنظيم الذي تراجع كثيرا في الآونة الأخيرة.
وبالنسبة إلى جماعة الحوثيين في الشمال، فإن القوات الجنوبية تمثل أكبر تهديد لها، على اعتبار أنها القوات الوحيدة التي عُرفت بالحسم السريع لمعاركها ضد الجماعة، كما حدث في الساحل الغربي لليمن، وفي مديريات عسيلان وبيحان وعين بمحافظة شبوة خلال الأعوام القليلة الماضية، لذلك فقد مولت الجماعة عمليات إرهابية ضد هذه القوات.
ووفق تقارير دولية، لإن الجماعة قد تكون حريصة على تعزيز وجود تنظيم القاعدة جنوبًا، وخصوصًا في محافظة أبين الحدودية مع محافظة البيضاء، حيث تحتضن الجماعة الجماعات المتشددة هناك، وتنطلق القاعدة من هناك في هجماتها ضد القوات الجنوبية، بغرض إشغال تلك القوات وتشتيتها.
إنّ تصاعد نشاط تنظيم القاعدة مؤخرا، رغم الحملات القوية ضده، ورغم اعتراف قادته بوصوله إلى مرحلة إفلاس مالي غير مسبوقة، يشير إلى أن عوامل من خارجه تقف وراء هذا التصاعد. يحتاج الحوثيون إلى تنامي القاعدة ونشاطها في الجنوب، كمبرر لتنفيذ هجمات عليه أو ربما التفكير بإعلان حرب ضده، خصوصا في ظل أي اتفاق سلام مع الجانب السعودي يضمنون من خلاله بقاء الشمال تحت سيطرتهم.
ومن غير المستبعد ان تقدّم الجماعة دعما للتنظيم لتجاوز محنته المالية، وأيضا لإيجاد مأوى يصبح مع الوقت منطلقا لتنفيذ عمليات ضد القوات الجنوبية في أبين وشبوة وغيرهما. الأمر هنا لا يتعلق بجماعة الحوثي، وإنما بإيران التي تعرف كيف تدير الحوثيين وتنظيم القاعدة معا.
سهام الشرق .. المعركة التي أفقدت القاعدة توازنها
أدت عملية “سهام الشرق التي نفذتها القوات المسلحة الجنوبية، الحد من تنامي قوة ونفوذ التنظيم، بشكل كبير، وغير مسبوق، حيث ضيّقت الخناق عليه، وطردته من أهم معاقله التاريخية في اليمن وتمكنت تلك القوات من السيطرة على كل معاقله الرئيسية لأول مرة منذ تأسس التنظيم.
ويمكن القول أيضا إنّ الإرباك الذي عاشه التنظيم، وأوصله إلى وضع سيء دفعه إلى الاستنجاد بالقبائل، كان من نتائج تلك العملية العسكرية التي وصلت وللمرة الأولى إلى معاقله الحصينة، إذ كانت تكتفي العمليات السابقة بطرده من المدن الرئيسية لا أكثر.
ونتيجة لذلك، رّكز التنظيم في هجومه الإعلامي على القوات الجنوبية، وعلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يقول إنها الداعم الرئيسي لها، وسعى بعملياته لتحقيق أكبر قدر من الخسائر في صفوف تلك القوات، باستخدام أسلوب المواجهة الغير مباشرة عبر الانتحاريين والسيارات المفخخة، وكان آخر تلك العمليات ما حدث للواء الثالث دعم وإسناد قبل أيام وأدى لاستشهاد وجرح العشرات من جنوده.
ومع أنّ القوات الجنوبية حققت نجاحا كبيرا، وكانت في طريقها للقضاء كلية على التنظيم في آخر معاقله بالمحافظة، إلا أنّ هناك عوامل ساعدت ـ على ما يبدو ـ في استعادته انفاسه، كما تشير إلى ذلك العمليات الأخيرة التي نفذها التنظيم بأبين وشبوة، وتنبئ بأن القوى المعادية للجنوب قد سعت مجتمعة لانتشال التنظيم الإرهابي ومنع سقوطه.
استهداف القوات الجنوبية.. التوقيت !
وجاءت حادثة استهداف القوات الجنوبية، بالتزامن مع تصعيد مليشيا الحوثي عسكريًا في جبهات الضالع وكرش، حيث سقط عدد من الشهداء من جنود القوات المسلحة الجنوبية، قبل أيام بعد تصديهم لمحاولات اختراق حوثية في عدد من المواقع المتقدمة، على طول خط المواجهة.
وقبل أسابيع تمكنت الأجهزة الأمنية، في محافظات عدن والضالع وأبين، من اعتقال المئات من الأشخاص، كانوا قد انطووا في خلايا سرية نسقت مع المليشيات الحوثية، وتلقت أموالًا لتنفيذ أجندات سياسية ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، كان آخرها القبض على خلية تشمل عدد من الأفراد في حضرموت كانوا في طريقهم إلى مليشيات الحوثي للتدريب وتلقي الأوامر.
ولاحقًا كشفت مصادر أمنية مطلعة، عن أن التحقيقات التي أجرتها الجهات الأمنية مع المضبوطين، قد كشفت عن تلقي هذه الخلايا أموالًا كبيرة، وخططت لتنفيذ عدد من الاغتيالات، ضد شخصيات عسكرية، على طريقة اغتيال العميد جواس العام الماضي، ممن سبق وأصدرت المليشيات الحوثية بحقهم حكم الإعدام.
وأتت حادثة استهداف القوات الجنوبية، في وقت تشهد فيه بعض المحافظات الجنوبية، أحداثًا مهمة، مع تجدد للمعارك والثارات القبلية في محافظة شبوة المجاورة، وتحركات سياسية يقودها العليمي في حضرموت، فضلًا عن ما شعدته عدن من احتجاجات على إثر جريمة اختطاف وإخفاء المقدم علي عشال، والاستغلال الواضح للقضية من قبل أطراف يمنية عديدة.