صعقنا ليلة أمس الأحد الموافق 24 أغسطس 2024م، بخبر صادم كان قد هزّ أرجاء الوطن، بما مُني به من خسارة فادحة في رحيل الصحفي الجنوبي الكبير المناضل قائد دربان، والذي غادرنا بعد مسيرة كفاح حافلة بالنضال والعطاء والامجاد والمواقف الوطنية والاجتماعية والإنسانية، ونحن في أمس الحاجة لقلمه الساطع وكتاباته الثورية التي ألهبت حماس الجماهير وذادت عن حياض الثورة الجنوبية وقارعت آلة الإحتلال اليمني، لكن هذا قدر الله وماشاء فعل ولا نقول إلا كما قال المؤمنون: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
لقد تعرفت على الصحفي الجنوبي القدير قائد دربان، في عام 2019، حين كان رئيس تحرير صحيفة انتقالي الضالع، وكنت حينها إعلامي ضمن الإدارة الإعلامية بالمجلس بقيادة الصحفي الراحل عبدالكريم النعوي، رحمة الله تغشاهما .. واللذان تعلمت على أيديهما الكثير من الدروس الإعلامية والصحفية وكانوا بالنسبة إليَّ العون والسند في تنمية قدراتي الإعلامية.
وبعد وفاة الصحفي المناضل عبدالكريم النعوي، في شهر رمضان من العام 2022، أثر ذبحة صدرية، تم تعيين خلفه الفقيد قائد دربان، بعد أن نال ثقة القيادة المحلية بالمحافظة، وتعيينه مديرًا للإدارة الإعلامية بالمجلس، لكونه من أوائل الصحفيين الجنوبيين بمحافظة الضالع، ومن مؤسسي المجلس الانتقالي بالمحافظة ..
حيث عندما كان رئيس تحرير صحيفة انتقالي الضالع الشهرية، كان الفقيد “دربان” يتعب تعب شديد، في متابعة أخبار الانتقالي بالمحافظة والمديريات، وجمع المقالات من بعض الشخصيات السياسية والثقافية وغيرهم من الكتاب داخل المحافظة، ومن ثم يقوم بترتيب الأخبار والمقالات بالشكل التناسلي ووضع أمامها الصور المعبرة، وكان تارة يتصارع مع تصحيح الأخطاء الصحفية، وتارة أخرى يتصارع مع جاهزه الكمبيوتر المحمول ووضع التصميم المناسب لشكل الجريدة، وبعد أن يقوم بتجهيز المحتوى الإعلامي للصحيفة، يذهب إلى العاصمة عدن لطابعة الجريدة الشهرية، وكان كلما ذهب إلى مطبعة ما، وكلما قالوا له أصحاب المطابع مشغولين أو لا يشتغلون هذه المادة، فتجده يشوط من مكان إلى آخر بين تلك الشموس والظروف الشديدة، وكل ذلك لأجل إنجاز المهمة الصحفية الملقاة على عاتقه، ولو كان واحد غيره لكان ترك الشغلة من وقتها وتعذر بأي شيء يطيب له .. لكن دربان كان نعم المسؤولية والمهنة والمهمة .
وبعد أن تولى ” دربان ” مسؤولية إعلام انتقالي الضالع، كان يكلفني بكل أعمال الإدارة الإعلامية، ويثق فيني كل الثقة، ويقول لي: ي أبني أنت شاب طموح وأمامك مستقبل أما أنا قد أكلت قرصي، وأريدك تتعلم أكثر، وأنا شفني قدنا كبير وما أقدر أتحرك في بعض الزيارات الميدانية، لكن أنت شاب نشيط وعندك القدرة وإلخ … وعند أي غياب لي لتغطية أي خبر يحدث بالمحافظة، يتصل عليَّ مباشرةً اينك ي مهيب ليش ما قمت بتغطية خبر الفلاني، وأحاول اتعذر له بأمور أخرى، لكنه دائمًا كان يعرف بأني أكذب عليه، فيقول لي أنا عارف ي ولدي أنك ضبحان اليوم، لكن تعال لعندي أقسم لك نص ما بجيبي عشان تلحق السوق وتأخذ لك قات، وعندما يكون ما معه فلوس كان يقسم لي من حقه القات، وكان يعاملني أفضل من أبناءه ..
وأي خبر كنت أخطئ بصياغته، يتصل عليَّ مباشرةً، ي مهيب تعال لعندي سريعًا، ويقول لي: اقراء حقك الخبر حق اليوم ذي نشرته، وشوف أين الخطأ فيه، فأحاول اقراء له الخبر، وعندما أتوقف في جملة ما وأقول له هنا الغلط، فيقول لي ايوه نعم وأنا دائمًا أقولك تركز لكنك ما تريد تتعلم … المهم كان لي أب ومعلم ..
لقد كان الفقيد صاحب مبدأ وطني، دون أن تغيره الظروف والأوضاع المعيشية التي عاشها .. وقد فضل لنفسه الجوع والبقاء داخل بيته ولا المتاجرة بمهنيته الصحفية التي أصبحت عند الكثير مصدر دخل لتحقيق مآربهم الشخصية على حسابها …
وعلى الرغم من أن الفقيد كان من أوائل الصحفيين في دولة الجنوب، إلا أنه رفض كل الاغراءات المقدمة له من قبل سلطات الاحتلال اليمني، وبعض المنظمات والهيئات الحكومية في الجنوب، وكان صاحب موقف ثابت وصلب مع قضية شعبه ..
لهذا فإن الحديث عن سيرة الفقيد، يحتاج منا جهد كبير للوصول ولو بجزء بسيط من سرد محطاته النضالية التي اجترحها خلال مشوار حياته الصحفية …
وبهذا المصاب الجلل، فإننا نتقدم بخالص العزاء والمواساة، لأفراد أسرته الكريمة، وعبرهم إلى أبناء شعبنا الجنوبي، وفي مقدمتهم الوسط الإعلامي … لنؤكد أن الصحفي الجنوبي الكبير قائد دربان، وإن غادرنا، إلا أنه ترك لنا مسيرة من العطاء لنضاله وتاريخه الوطني المشرف، وصموداً إعلامياً بطولياً في معارك الصمود و المواجهة والدفاع عن الجنوب وقضيته الوطنية العادلة .
رحم الله الصحفي الوطني الكبير قائد دربان واسكنه فسيح جناته.