ثلاثة أعوامٍ مضت وأنا أهمُّ في الكتابة عنك وفيك وإليك يارائد الحرف ووهج الفكر وأناقة الحزن وعذوبة اللحن الشفيف!
ثلاثة أعوامٍ وحزني عليك يتزاحم في كياني ويقتاتني تماما، ثلاثة أعوام وأنا ألملم شتات مفرداتي لأكتب إليك يابلسم القلوب الأنيقة الشفيفة، وترجمان آلامها وآمالها!
ثلاثة أعوام وأنا أتوسل المفردات أن تطاوعني، وأهدر رجاءاتي ليراعي الذي أخرسه القدر صبيحة الأربعاء سبتمبر ٢٠٢١م، فمذ ذلك اليوم كم ترجيت يراعي أن ينطق و ينزف لأجلك وليكن نزفه الأخير لطالما سيكون لأجلك،وكنت أفشل في كل مرة ؛كانت المفردات تَجْبُنُ أمام رثائك وتهرب خجلى وتسكتُ مهابةً حين ننوي أن نكتتبها إليك! وللتو تذكرت أنني لم أنس أنك كنت تلهم أقلامنا الكتابة؛ فهرعت أفتش في (رماد بروقك) فآنست ناراً أضاءت أمام يراعي الطريق، وها أنا أخيرا أستله لأكتب إليك خشية أن ألقاك فأخجل من أن يسألني وميض عينيك : لِمَ يا ابن عم قطعت وصالك؟! لِمَ يارفيقي حجبت الحروف ؟!
حسنا أيها الرائد الجميل.. ها أنا أكتب إليك وأنت القصائدُ الخضرُ التي مانزال نهرب إليها كلما امتدت يدُ التصحّر المقيت لتقتال بشارةً كانت تنوي المجيء وتخطف منا حلما جميلا كنا نحاول أن نحلمه! أكتب إليك وأنت الوجع الذي يسكننا ويمتد امتداد المسافات التي تحول بيننا وبيننا ،و من يقص تلك المسافات؟! “من يقص المسافات بيني وبيني بين قلبي وقلبي بين آهي وحزني
كلنا في اغتراب”
ابتسم يانبوءة الشعر فمازلنا نرتل نبوءاتك ونهفو إليك.
رائد: ها أنت تنجو بذاتك للعام الثالث تواليا من جحيم الحياة التي أطفأتَ ربيع عمرك سعياً في صنع ربيع جميل ينعم في أفيائه البائسون ،والمشردون في أوطانهم والمشردون من أوطانهم ،ويلوذ به المبدعون الذين يحاكمون جزاء جريمة إبداعهم وإحراق أعمارهم واعتصار ذواتهم لأجل الحياة ولأجل الوطن؛فالإبداع خيانة كبرى للدين والثورة والوطن في نظر حاكمٍ؛ الوطنُ عنده مختزلٌ بين جنبي قريته الصغيرة..ربيع يأوي إليه العراة من الشتاءات المصفّحة التي حدّثتنا عنها ذات رمادٍ وذاتَ بروق : “هذا الشتاءُ مصفّحٌ والحاكمون مصفّحون”
الآن يسعدني جدا أن أخبرك أن رمادَك قد أضحى بروقا، وحقه في الأصل أن يكون بروقا لاتكف عن الرفرفة ضياءً في سماوات الحياة ولاتكف عن البشارات والإخصاب ،رمادك أضحى بروقاً تضيء دروب الكتابة للمرهفين وترشد الحالمين بعزة أوطانهم إلى مسلكٍ في (رماد البروق) يعلمهم كيف يبنى الوطن.
رائد.. ! أظنك الآن ترقد بسلام، هكذا يخبرني قلبي وتخبرني ألسن الناس(أعني الناس الذين يصح أن يكونوا في دائرة الإنسانية ) إذ تلهج مرارا باسمك وتثني عليك وهذا توفيق من الله ينعم به على الطيبين، وأرجو ألا تأسى وألا تكترث لأن ماكنت تخشى حدوثه وتنادي بضروة منعه من أن يحدث قد حدث ياصديقي وأصبح حقيقة للأسف الشديد إذ خذلوك حين بح صوتك وقبل انطفاء القصيدة في خافقيك إذ تقول:
*”سجلِّ الآنَ أن القبيلة عورة ولا بدّ من وأدها قبل نضجِ الذكورِ وبدء فصول التزاوج* *ولا بدّ من وأدها قبل أن تلدَ الحاكمين المعاقين فكرا وقبل فطام العبيد”*
يارفيق الحياة والذكريات منذ باكورة الصبا إلى أن أراد لك الله أن تستريح ،إنني أكتب إليك هذه الرسالة في الذكرى الثالثة لميلادك الثاني لا الذكرى الثالثة لرحيلك كما يقول الآخرون ،أقول الذكرى الثالثة لميلادك لأن الذين يتركون حضورهم ويخلدون أسماءهم بإبداعهم ونبلهم ومآثرهم الطيبة لايغيبون ولا يغيب وجودهم في اللحظة التي تفارق فيها أرواحهم أبدانهم؛ ففي تلك اللحظة يعلنون ميلادهم الحقيقي ميلاد خلودهم كما هو حالك تماما… ولأنك دأبت على خلق متسعا للابتسامة حتى في أصعب الظروف وأقساها دعني أهديك طرفة بلغة المجاز وأرجو ألا يسيء أرباب الفقه والفتاوى تأويلها : أنت الآن تحتفل في عيد ميلادك الثالث مذ نجوت بنفسك من عالمنا العبثي .
رائد الجميل! أعرف جيدا أنك لاتكترث الآن بما يقال عنك في عالمنا لكني أود إخبارك أن التلاميذ ينعون أستاذهم ، وأن القصيدة جوادٌ يفتش -عبثاً – عن فارسه ،وأنك ملء زماناتنا وطيفك عطر يملأ الأمكنة… نشتاقك نحن ويشتاقك كل من عرفوك ولامسوا فيك جمال الإنسان اللطيف المحب للسلام والخير ،يتذكرك كل من كنت لسانا يعبر عن آلامهم وآمالهم ،وحاملا لقضيتهم التي يمكن تلخيصها بجملة بسيطة *من حق الإنسان ألا تصادر حقوقه*
يتذكرك الذين قذفتهم الحياة خارج حدود أوطانهم ومازالوا وأولئك الذين أجبروا على الغربة و الاغتراب في أوطانهم ومازالو يفتشون عن نافذة ينفذون من خلالها للقاء الوطن.
أما الذين “تبددت أحلام كل الشعب حين تحقق أحلامهم” فلم يكترثوا لرحيل ألمعيٍّ مثلك، حتى ذلك الكيان المختطف الذي كنتَ بارقةَ مجده الأدبي وسفيره المنتظر إلى العالمية لم يكلف نفسه حتى بمجرد وقفة قصيرة أمام أثرك الأدبي الفذ في مناسبة واحدة من مناسبات رحيلك بل ميلادك، ستبتسم وأنت تقرأ هذا وتقول مثلما كنا نردد معا بمزحٍ ملؤه أسىً ورفض حين يُغيّبُ أربابُ البندقية البليدة أربابَ اليراع المتوهجة الصادقة(الحياة كثيرة على الطيبين)
محبات ودعوات لروحك الجميلة ياصديقي.. سنشتاقك إلى أن نلقاك بإذن الله في جنات النعيم.. ممتنون لك لأنك تركت لنا من نبيذ حروفك ما نحتفل به عند كل موجة فقدٍ واشتياقٍ لعزيزٍ غادر عنا ومازلنا نرقب إيابه: