سلطت دراسة صادرة عن مركز سوث24 للأخبار والدراسات، بعنوان “محفزات الخطاب السياسي الأمريكي في البحر الأحمر وجنوب اليمن”، الضوء على الدوافع الكامنة وراء السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم، والتي تعد نقطة تقاطع استراتيجية بين الشرق الأوسط وأفريقيا.
الدراسة، التي أعدها الباحث في المركز، مبارك عامر بن حاجب، ركزت أيضا على تأثير الحوثيين المدعومين من إيران على أمن الممرات البحرية الدولية، وأهمية البحر الأحمر بالنسبة للمصالح الأمريكية، وخاصة فيما يتعلق بأمن إسرائيل ومكافحة النفوذ الإيراني.
كما تناولت الدراسة مستقبل جنوب اليمن في ظل هذه التحديات، وموقعه في خارطة المصالح الأمريكية والإقليمية.
وأشارت الدراسة إلى تزايد أهمية البحر الأحمر وجنوب اليمن في السياسة الأمريكية بسبب الأزمات المستمرة في المنطقة، والتي تشمل تهديدات الحوثيين، والتنافس الدولي على السيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية.
وفي وسط ذلك، تبرز الولايات المتحدة كلاعب رئيسي في هذه الساحة، حيث تحاول تحقيق توازن بين مصالحها الأمنية والاستراتيجية، خاصة فيما يتعلق بحماية طرق الملاحة الدولية وضمان أمن حلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل.
وفي الوقت نفسه أظهرت الدراسة مجموعة شكوك حول جدية الولايات المتحدة في التعاطي مع الأزمة اليمنية وغياب أي استراتيجية لها للقضاء على تهديدات جماعة الحوثيين.
كما أظهرت الدراسة توجس الجنوبيين من بعض بنود عملية السلام التي تدعمها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومخاوفهم من تمكين الحوثيين من لعب دور رئيسي في اليمن بعد إقرار التسوية السلمية، تمكنّهم من مستقبل البلاد.
وفي هذا السياق، يأتي تحليل الخطاب السياسي الأمريكي كأداة لفهم أعمق لدوافع السياسات الأمريكية تجاه هذه المنطقة، والتي غالباً ما تتسم بالغموض والتعقيد.
نتائج الدراسة
إدارة الأزمات: توصلت الدراسة إلى أن الولايات المتحدة تعتمد على سياسة “إدارة الأزمات” في تعاملها مع اليمن، سواء في الشمال أو جنوب اليمن. هذه السياسة تتسم بردود الفعل السريعة على الأحداث دون وجود خطة استراتيجية واضحة لحل الأزمات المتعددة التي تعصف بالبلاد. وهذا النهج ينعكس على السياسة الأمريكية تجاه البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة، حيث تهدف واشنطن إلى احتواء الأزمات دون تقديم حلول جذرية.
أمن إسرائيل: أكدت الدراسة أن أمن إسرائيل يعتبر من أهم المحفزات التي تحرك الخطاب السياسي الأمريكي في البحر الأحمر واليمن. فالولايات المتحدة تسعى لضمان أن تبقى هذه المنطقة تحت السيطرة، وأن لا تؤثر التوترات الإقليمية على استقرار إسرائيل. هذا الهاجس ينعكس في دعم الولايات المتحدة لتحركات عسكرية ودبلوماسية تهدف إلى حماية مصالحها ومصالح إسرائيل، خاصة في ضوء التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وخليج عدن.
مكافحة النفوذ الإيراني: أظهرت الدراسة أن أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الأمريكية في البحر الأحمر هو كبح النفوذ الإيراني المتزايد. إذ أنّ إيران، من خلال دعمها للحوثيين في اليمن، تشكل تهديداً مباشراً للمصالح الأمريكية في المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بأمن الملاحة البحرية. لذلك، فإنّ تزايد التوتر بين إيران والولايات المتحدة في هذه المنطقة يعد محفزاً رئيسياً للخطاب الأمريكي الذي يهدف إلى تقويض محاولات إيران للسيطرة على البحر الأحمر والمناطق المحيطة به.
تفضيل الشيعية السياسية: من بين النتائج المثيرة التي توصلت إليها الدراسة هو أن الولايات المتحدة تفضل التعامل مع الجماعات الشيعية مثل الحوثيين في اليمن على الجماعات السنية. هذا التفضيل يعكس قناعة أمريكية بأن الشيعية السياسية توفر مرجعية موحدة يسهل التفاوض معها، على عكس السنة الذين تتعدد مرجعياتهم. هذه السياسة قد تُفسر بعض مظاهر التسامح الأمريكي مع الحوثيين، رغم تهديداتهم المتزايدة للمصالح الأمريكية والإقليمية.
قضية جنوب اليمن: أوضحت الدراسة أن قضية جنوب اليمن (قضية الجنوب) ليست ضمن المحفزات الجوهرية للسياسة الأمريكية. ورغم أهمية جنوب اليمن الجغرافية والاستراتيجية، خاصة مع إشرافه على مضيق باب المندب وخليج عدن، فإن الخطاب الأمريكي لم يعطِ أهمية كبيرة لهذه القضية مقارنة بمصالح أخرى مثل مكافحة الإرهاب وأمن إسرائيل. هذا التهميش أثار قلق الجنوبيين، الذين يرون أن دورهم في أي تسوية سلمية محتملة لا يحظى بالاهتمام الكافي من قبل واشنطن.
التهديدات الحوثية للملاحة الدولية: تعتبر الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر من بين القضايا التي دفعت الولايات المتحدة إلى تعزيز وجودها العسكري في المنطقة. وقد أطلقت الولايات المتحدة عملية “حارس الازدهار”، وهي عملية بحرية تهدف إلى تأمين الممرات المائية الدولية في وجه التهديدات الحوثية. ومع ذلك، تشير الدراسة إلى أن هذا الوجود الأمريكي لا يحل المشكلة من جذورها، حيث أن الحوثيين لا يزالون يشكلون تهديداً كبيراً للملاحة والأمن الإقليمي.
التوصيات
تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة: توصي الدراسة بأن تقوم السلطات في جنوب اليمن بتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وتوضيح أهمية الجنوب في أي تسوية سلمية مستقبلية.
تبني خطاب إعلامي يواكب التحديات: أوصت الدراسة الإعلام الجنوبي بتبني خطاباً يعزز الوعي المجتمعي بمحفزات السياسة الأمريكية في المنطقة. إذ رأته أنه من الضروري فهم دوافع هذه السياسة والعمل على مخاطبة الرأي العام الدولي بخصوص أهمية جنوب اليمن في حل الأزمات الإقليمية.
التعاون العسكري مع واشنطن: أوصت الدراسة بضرورة تعزيز التعاون العسكري بين جنوب اليمن والولايات المتحدة، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب وتأمين الممرات المائية. قد يؤدي ذلك إلى تحسين فرص الجنوب في الحصول على دعم أكبر في مواجهة التحديات الأمنية، بما في ذلك هجمات الحوثيين والجماعات الإرهابية.
مراجعة خارطة السلام العمانية: ينبغي على الجنوبيين دراسة خارطة الطريق العمانية بحذر، وتحديد المجالات التي قد تؤثر سلباً على مصالحهم. يجب أن يتواصل الجنوبيون مع الدول الراعية لخارطة الطريق، بما في ذلك الولايات المتحدة، للتأكد من أن حقوقهم وأصواتهم يتم تمثيلها بشكل عادل في أي تسوية سلمية مستقبلية.
إعادة تقييم السياسة الأمريكية تجاه الحوثيين: توصي الدراسة بأن تعيد الولايات المتحدة النظر في تعاملها مع الحوثيين، خاصة في ظل تزايد التهديدات التي يمثلونها للأمن الإقليمي. إن سياسة “إدارة الأزمات” الحالية قد تكون غير كافية لاحتواء التهديدات الحوثية.
وخلصت الدراسة إلى أن الخطاب السياسي الأمريكي في البحر الأحمر وجنوب اليمن تحركه عوامل متعددة، أبرزها الرغبة في حماية أمن إسرائيل والملاحة الدولية، وكبح النفوذ الإيراني. وعلى الرغم من أهمية جنوب اليمن من الناحية الاستراتيجية، إلا أن واشنطن لم تعطه الاهتمام الكافي مقارنة بالقضايا الأخرى. ومع تزايد التحديات الأمنية في المنطقة، يصبح من الضروري على الأطراف الجنوبية تعزيز تواصلها مع الولايات المتحدة والدول الكبرى لضمان تمثيل مصالحها في أي تسوية سياسية محتملة.
كما أنّ دعم المجتمع الدولي لجنوب اليمن في مكافحة الإرهاب وحماية الممرات البحرية يعد ضرورياً لتحقيق استقرار مستدام في المنطقة، وفقا للدراسة.