هل رأيتم الأم الفقيرة التي تخادع أبنائها من خلال قيامها بطبخ بقايا الطعام الذي استهلكوه في ما مضى، وإعادة تركيبه في خلطة جديدة، وتقديمه للأطفال على أنه وجبةٌ جديدة لم يعرفها أحد في العالم من قبل ذلك هو بالضبط ما جرى في عدن اليوم من خلال إعلان ما أسمي بــ “التكتل الوطني للأحزاب والقوى السياسية اليمنية”.
كل الأحزاب والمكونات التي شاركت في اللقاء ليس بينها حزبٌ أو مكونٌ جديد يمكن اعتباره ذا مشروع ورؤية جديدين، والأهم من هذا إن الأحزاب والمكونات المشاركة تأتي بقياداتها القديمة التي استهلكها الزمن، ولم يعد لديها ما يمكن أن تقدمه لإخراج البلاد من حافة الهاوية التي تقترب منها يوماً عن يوم، وأطرف ما في كل هذه الطرافة أن يختار التكتل رئيساً له، لم يدع حزباً ولا مكوناً سياسياً ولا اتجاهاً أيديولوجياً إلا وانتمى إليه، ولا فعلاً سياسياً من أفعال خذلان الشعب والمجتمع ولا كارثةً من الكوارث التي أصابت البلاد والعباد إلا وشارك في صنعها وتدويرها، وهو من أكثر الشخصيات في الجنوب والشمال على السواء تنقلاً بين المواقف والأحزاب والقوى السياسية، فمن قيادة الانتفاضات الفلاحية في وادي حضرموت، تحت قيادة الجبهة القومية، إلى رئاسة اتحاد الفلاحين تحت قيادة الحزب الاشتراكي اليمني، إلى تاج والرابطة بين القاهرة ودمشق وأبو ظبي، ثم العودة إلى الحزب الاشتراكي كجسر عبور إلى المؤتمر الشعبي العام، ثم إلى تأييد التحالف الانقلابي في العام ألفين وخمسة عشر، والتصفيق لتعبير “المنفذ الواحد”، وأخيراً رئاسة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي وما أنتجته من كوارث خلال فترة ترأسه لها وأهما وآخرها منجز رفع قيمة الدولار من 225 ريال إلى ألف ثم ألفي ريال، أي بمعدل ارتفاع 800% وما يزال انهيار سعر العملة يتواصل بفضل سياسات سيادته الحكيمة، التي لم يأبه لمعالجة نتائجها الكارثية من جاء بعده لأن التلاميذ يقتدون بأستاذهم في الفضيلة والرذيلة على السواء. وبعيداً عن الشخصنة، التي ليست دائماً معيبةً يمكن القول أن هذ التكتل قد جرى الإعلان عنه أكثر من ثلاث مرات، منها إعلان سيؤون حينما اجتمع مجلس النواب في حضرموت الوادي، وأنتج تحالف الأحزاب السياسية المؤيدة لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، وترأس التحالف حينها رشاد العليمي، لكن هذه الأحزاب لم تقل شيئاً عندما صار مطلوباً من الرئيس هادي الانصراف عن المشهد السياسي. وأتذكر أن حدثاً مشابهاً قد جرى في الفترة التي تلت انعقاد مشاورات الرياض التي أسقطت الرئيس المنتخب وأتت برئيس كل تاريخه يتصل بالعمل المخابراتي والتصفيات الجسدية للمعارضين وحتى للمواطنين اليمنيين العاديين، والجنوبيين منهم على وجه الخصوص، وكان هو الواجهة الناعمة لنظام علي عبد الله صالح وتحالف 1994م سيء الصيت.
لقد علمنا تراثنا الشعبي قصة ذلك الذي أراد أن يحلب القرد، فقال له صاحبه وبالعبارة الشعبية الريفية “قبل ما تحلب الربح خايل إلى وجهه” (أي تطلع في وجهه)، وهي عبارة شعبية موجزة تلخص تجارب آلاف السنين من حياة الحكماء الشعبيين الأكثر ذكاءً من كل المثقفين والساسة والقادة والرؤساء، فالقرد الذي لا يجيد سوى الأذى والسلب والعبث لا يمكن أن يمنحك قطرةً من الحليب، فدعك من التفكير بحلبه ولا تنتظر منه خيرا ووجهه يكفي للدلالة عليه.
أعرف أن هناك مكونات وأحزاب تستمد بقايا قوة وحضور من ثرواتها المالية التي استحصلتها من عائدات الوطن ولقمة المواطن، ومن مراكزها التنفيذية والعسكرية التي تةصلت إليها بما يشبه الاغتصاب والاختطاف، لكن عددها أقل من نصف أصابع اليد الواحدة ومعظمها لم تقدم لليمن بدولتيه وشعبيه إلا الخراب والدمار والحروب وتجارة الممنوعات وتخريب الأخلاق والسياسة والحياة المدنية وتغييب الدولة القانون، أما البقية فهي مجرد فرد واحد هو الأمين العام وأحيانا بمعية نائبه وإن زاد عدد المنتميين إليها فلن يتجاوز الأفراد العشرة. والسؤال المحوري هو: ماذا ستقدم هذه التجمعات والجماعات للوطن وأهله، مجتمعةً كانت أو متفرقةً؟ لست مع المطالبين بمنع التجمع ومقاطعته ومنع انعقاده، وإن كانت الناس لا تمتلك ترف الوقت الذي ستنفقه في متابعة اللهو الذي سيصرف في أحاديث وثرثرات المجتمعين، أقول لست ضد هذا التجمع كتجمع، لكنني أشعر بأن هذه التكتل لا يقول جديداً ولا يصنع جديداً، وأن حديث رئيس الوزراء عن كيانٍ جديد لا يعبر إلا عن فقر معلوماتي وشح في الثقافة اللغوية والسياسية معاً واستخفاف بمعلومات المواطنين وقدراتهم الذهنية، لأن بعض القائمين على هذه المكونات قد رافقوا كل الخيبات التي عاشتها اليمن، بل وكانوا سبباً رئيسياً في صناعتها وتوظيفها، مع كل التقدير والاحترام لبعض الشرفاء من الأحزاب والقادة المحترمين الذين لم يجدوا مصدراً لتمويل مكوناتهم فاختاروا السير في ركب الخيبة، هرباً من مقولة “من شذ شذ في النار” مع إن النار قد لا تختلف كثيراً عما صنعه هؤلاء الخائبون بهذا الشعب المنكوب. قال تعالى “ومن يتبع خطوات الشيطانِ فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر”. صدق الله العظيم