لسنوات طويلة لم أزر مستشفى عبود العسكري، كان آخر زيارة لي مع صديق قبل العام 2019 تقريبًا، بقايا مجد تحكي ماضي تليد وحاضر مؤلم، هكذا تراء لي المشهد، تذكرت حينها العم علي وهو يحكي لي ذات مرة عن هذا المستشفى العريق وعن الخدمات التي كان يقدمها لجنود وضباط القوات الجنوبية وأهلهم، كتأمين طبي حرصت عليه دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وأعطته أولوياتها، تألمت وانا أرى ذاك الصرح العظيم، لم يتبقى منه غير أطلال وبقايا مباني لم يستطع المحتل طيلة ثلاثة عقود من عبثه من طمسها..
الواقع يحكي عن نفسه، تدمير ممنهج وإهمال متعمد، فلا مباني بقيت كما هي ولا أجهزة ومعدات ولا حتى مرضى يرتادون المستشفى إلا قلة قليلة، وما تبقى خاوٍ على عروشه.
اليوم زرت مستشفى عبود العسكري، آخذًا أمي الحبيبة لمقابلة دكتور القلب محمد ناصر، وعلى طريق الغرض عرجت لزيارة أقسام ومكاتب دائرة الخدمات الطبية العسكرية للقوات المسلحة الجنوبية والأمن، ولا أخفيكم أنني تأثرت بالحملات التي شنت والكلام الذي قيل وكنت أضن أن الأمر توقف على حاله عندما زرته في العام 2019 أو زاد تخريبًا، لكن الواقع عكس ما قيل تمامًا وتجاوز حدود التفاؤل والاستحسان، إلى حدود الأمل والشعور بعظمة الإنجاز.
لم أستوعب المشهد مذ وطأت قدماي بوابة المشتشفى، كل شيء تغير، تستقبلك المناظر الرائعة التي تفتح النفس، وتحل جزء من مرضك، رسومات تعبيرية وجداريات تحاكي صمود أبطال القوات المسلحة الجنوبية، ومباني جديدة شيدت وأخرى في طريقها للإنجاز وأن ترى النور أخيرًا.
على مدخل البوابة وبعد أمتار منها عيادة الطب النفسي، بقيادة واحد من أشهر وأذكى الأطباء، الدكتور عبدالله سالم الشبيحي، وأمام عيادته وعيادات أخرى تنتشر الورود وأشجار الزينة بشكل يجعلك تعشق الجلوس هناك، ولا تبارح هذا المكان، وعلى الطرف المقابل مبنى جديد، سألت اصديق لي عنه فأخبرني أنه مبنى طوارئ واقتربنا منه فكان الطاقم المميز والعمل الرائع الذي يشعرك بالاطمئنان، ويلتصق به قسم العمليات والرقود.
وتقابلهم مدرسة الشهيد جندوح للعلوم الطبية العسكرية، مررنا أمامها وفي إحدى قاعاتها كانت تقام ندوة لا أدري ما هي لكن الحضور الكثيف من شخصيات وظيوف كبار، ومحاضرون ومختصون إضافة إلى قيادة الدائرة الصحية، ينبئك بأهمية الندوة، توجهنا صوب مبنى الغسيل الكلوي، والتقينا بالمرضى وهناك كان الانطباع جميلًا وأكثر تأثيرًا، فهذه الفئة الأكثر استحقاقًا والأجدر بأن يتم الاهتمام بها، نظرًا لحجم المعاناة التي يلاقيها مرضى الفشل الكلوي.
يقابل مدرسة الشهيد جندوح مبنى العيادات التي تكتظ رغم سعتها بالمراجعين والمرضى، يصطفون بشكل رائع لإنهاء معاملاتهم، والتمسنا الرضى من المرضى المراجعين هناك، عن جودة الخدمة وسرعة الاستجابة ويسر التعامل، وفي مقابل العيادات مختبر طبي متكامل، أجرينا بعض الفحوصات وكم كنت سعيدًا بأن أرى هذا الصرح العظيم يتعافى بهذه السرعة، ويحقق هذه القفزة النوعية، وكل هذا بفضل عزيمة إدارة الدائرة الصحية للقوات المسلحة الجنوبية والأمن ممثلة بالدكتور عارف الداعري، الرجل النشيط الملم والمتابع لكل تفاصيل العمل هناك، والمتطلع لتحقيق المزيد من الإنجازات.
في طريق عودتنا إلى مكتب الدائرة عرجنا على قسم جراحة العيون، في مبنى العيادات، وللأمانة كان انطباع الناس رائعًا ويبعث على الأمل وفوق هذا كله يأسرك الطاقم الطبي المتواجد هناك بصدق إخلاصه وتعامله، ما يجعلك تشعر أنك واحدًا منهم، وجزء من هذا الصرح العظيم الذي جرى لملمة شتاته، وإعادة الاعتبار له، وترميمه بالطريقة التي يؤدي فيها الدور العظيم الذي يليق به، كان طبيبًا سوريًا غاية في الأخلاق والبديهية يجري مقابلات مع المرضى ويعطي مواعيد تفصيلية لمن يحتاج إجراء عملية، وباقي العيادات كانت على ذات القدر من الجاهزية والمقدرة على استقبال الحالات وعمل اللازم لها.
لم يسعفني الوقت لزيارة باقي أقسام المستشفى، لكني وللأمانة خرجت بانطباع عظيم قل أن أخرج من مؤسسة به، أدركت أن ثمة أشياء في هذه البلاد تستحق أن يتم الإشادة بها وتبعث على الأمل وتحدثك بمستقبل رائع ينهي سنوات من العبث المتعمد.
هي شهادة لله وبعيدة عن أي مجاملة، أو مصلحة، فلا يوجد ما يربطني بقيادة دائرة الخدمات الطبية العسكرية غير مؤسسات مجلسنا الانتقالي الجنوبي، وللحق أقول أن مستشفى عبود العسكري قد شهد نقلة نوعية وقفزة كبيرة بفضل الله وعزيمة الدكتور عارف الداعري، الرجل الذي لا يكل ولا يمل في السعي لتحقيق الإنجازات والبحث عن الرقي، فله ولكل الطاقم الطبي والإداري لدائرة الخدمات الطبية أزكى التحية والسلام.