معادلة القوي والضعيف، الغني والفقير، السيد والعبد هي ثقافة تختزل الحياة و العلاقات الإنسانية بالعودة إلى الحياة المتوحشة، في هذا العالم الرديء حيث يتسابق الكل لأن يكون سيدًا تفتقد المعايير والقيم الأخلاقية, وتختفي وتضيع وتضمحل المشاعر، ولا غرابة أن يكون الظلم والفساد واللصوصية سمة لعصر بلا نوعية، فإذا ما وجدنا قلوب بلا مشاعر وأرواح بلا احساسيس ووجدنا قيم السطو والفهلوة والكذب والتحايل على الآخرين هي السائدة، فلا غرابة فهذا منبت هذا، أي أن هذا العالم المتوحش لا يلد إلا التوحش، فلا نبحث عن قيم الجمال والرأفة والتسامح في واقع ينتج الموت ويلد الحرمان، حيث تكون السياسة مصنع من مصانع الفقر، والمسؤولية عنوان للثراء، هناك من يؤمن بالقوة لصناعة الذات، وهناك من يؤمن بالبلطجة لتغيير معادلة الحياة، حتى أصبح تغيير المواقع والأدوار والأماكن الاجتماعية عند البعض يتصف ويتسم بالنهم المفرط والنوازع المنحرفة، البيئة التي لا ترعى حلم التطلع وتخلق العراقيل أمام الجيل الصاعد هي بيئة تزرع قيم الإنحراف حتى إننا نشاهد صور مفزعة من صور فقدان القيم ونشوء قيم متماهية مع الجو العام السائد أن أكبر صدمة تواجه حضارتنا وثقافتنا في اللحظة الحرجة التي نعيشها هي صدمة إنعدام الهوية وتعدد الهويات، الغناء اللاطبيعي والذي يقابله الفقر اللاطبيعي، كل شيء يدعو إلى التوحش، الصديق لم يعد صديقًا، والأخ كذلك، حين تسيد التوحش حياتنا فقدنا الاحساس وفقدنا الإنسانية فقدنا الرحمة وتجردنا من ذاتنا، هناك سباق محموم لإبراز ثقافة التذاكي والفهلوة، أصبح الشاب اليوم او الكثير من الشباب لا يؤمنون بالمنافسة الشريفة وحب العلم لأنهم يرون نمط من الصور ونموذج من الإرتفاع والإرتقاء اللاطبيعي كما قلنا وهذا يجسد في ذهنيتهم ثقافة حرق المراحل وهذا ما يجعل الغاية لديهم تبرر الوسيلة فلا ممنوع أمام الطموح ولا حواجز أمام ثورة النوازع، أنا لا ارسم صورة مفزعة عن واقع هو شاهد على نفسه، حيث أصبح الكذب ذكاء، واللص شاطر، والفقر وصمة عار وإنحسار النظام شيء عادي، نحن شعوب تتغنى بإسقاط كل شيء إسقاط النظام إسقاط الأخلاق، إسقاط الأمانة، ولا ندري هذه الثقافة السقوطية أو الساقطية تصلنا إلى أين، ؟؟ أن حالة التخلي والإستسلام والتسليم هي ثقافة تزرع حتى أصبح عالم الوحشية والتوحش سمة العصر، هل لنا بثورة الثقافة، ثورة ثقافية تقتلع حالة اليأس والقنوط وتطرد الخوف وإلاستسلام، وتنمي قيم التطلع والنجاح ، وتجعل الحلم لا يجعل الفقراء يقفون أمام الممنوع .. لا تحلموا أيها الفقراء، إننا أمام صورة عامة من اللاثبات واللاصمود، وأمام صورة قبيحة من زراعة الفقر واللصوصية والتوحش، كل هذا يدعونا للصحوة المرشدة وتقديم مشروع ثقافي مرشد، ثورة الثقافة لا ثورة البندق، ثورة الرحمة والإنسانية لا ثورة البلطجة وتهديم القيم، ثورة تحاكي المشاعر والأحاسيس وإقتسام الخبز وتعهد الآخر والجار بالمرقة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.