في أوقات الأزمات الكبرى، لا شيء يحدث دون غاية، ولا معاناة تُصنع بلا هدف،حين تتوالى الأزمات واحدة تلو الأخرى، ويُحاصر الناس في معيشتهم حتى يفقدوا القدرة على التقاط أنفاسهم، يبدو المشهد وكأنه مسرحية أُعدت مسبقًا، والجمهور الوحيد فيها هو شعب أُرهق حتى لم يعد يملك سوى الصبر، أو الانفجار.
ما يحدث اليوم ليس مجرد شح في الموارد أو تعثر في الخدمات، بل حالة مدروسة بعناية لإرهاق كل فرد،انقطاع المرتبات ليس عبثًا، وتوقف الكهرباء ليس مجرد خلل عابر، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في وقت واحد ليس مصادفة،إنها أدوات تُستخدم لتوجيه الشعب نحو حالة من الإنهاك التام، حيث يُصبح الهم اليومي هو البقاء على قيد الحياة فقط، دون النظر إلى ما يُحاك خلف الستار.
هذه المرحلة ليست إلا تمهيدًا لما يُراد فرضه لاحقًا،عندما يُنهك الإنسان حتى يُستنزف تمامًا، يصبح مستعدًا لتقبل أي حل يُعرض عليه، مهما كان مجحفًا،حينها، لا تعود التفاصيل مهمة، فالمهم فقط هو الخلاص من الألم المستمر.
لكن هذا النهج الذي يدفع الشعوب إلى حافة اليأس يحمل في طياته مخاطر لا تقل خطورة عن الأزمات ذاتها،الشعوب، مهما بدت منهكة وصامتة، تظل قادرة على الانفجار في لحظة لا يتوقعها أحد؛وهذه اللحظة، حين تأتي، لا يمكن السيطرة عليها أو احتواؤها بسهولة،إنها لحظة ينهار فيها كل شيء أمام قوة الغضب المكبوت.
ما يجري اليوم هو لعبة خطرة تُمارس بمهارة، لكنها تحمل مغامرة كبيرة،الظن بأن الشعوب ستقبل بالتسويات أو الحلول القسرية لمجرد إنهاكها هو رهان محفوف بالمخاطر، لأن المعاناة حين تتجاوز حدها لا تُنتج الخضوع، بل تخلق ثورة.
الفهم الحقيقي لما يحدث اليوم يتطلب وعيًا عميقًا بأن الأزمات ليست مجرد أقدار لا مفر منها، بل أحيانًا أدوات تُستخدم لإعادة تشكيل المشهد،لكن مهما بلغ عمق هذه اللعبة، فإن الشعوب تظل أقوى من كل المؤامرات،قد تصمت لفترة، وقد تتقبل ما لا يُقبل لوقت محدد، لكنها لا تُهزم أبدًا.
ما يحدث ليس النهاية، بل البداية لمعادلة جديدة تُرسم ملامحها بصمت، لكنها ستنطق يومًا بصوت لا يُكسر،الشعوب التي تُقهر قد تُجبر على الصبر، لكنها لا تنسى، وحين تستعيد قوتها، تُعيد كتابة التاريخ بطريقتها الخاصة، مهما حاول الآخرون تغييره.