يصاب الكثيرون بالدهشة والذهول حين يتحدث علماء أجانب عن منجزات الحضارة العربية الإسلامية الفريدة، بما في ذلك بين أحفاد أصحاب هذه الحضارة في الوقت الراهن.
من اختراع معجون الأسنان ومزيل العرق وأسس حتى فن “الإتيكيت”؟
الحضارة العربية الإسلامية في عصورها المشرقة المختلفة انطلاقا من بغداد ودمشق والقاهرة وصولا إلى الأندلس، ابدعت في جميع المجالات تقريبا وتركت للإنسانية ركيزة كبرى من المنجزات أسهمت في التطور اللاحق المتواصل حتى العصر الحديث.
هذه العبارات التي تصدر عادة من أفواه علماء من مختلف دول العالم، ترفدها سجلات طويلة بإنجازات فريدة وضعت أسسا متينة لمختلف العلوم، وبعض مخترعاتها وابتكاراتها موجودة قيد الاستعمال اليومي حتى الآن.
قد يتفاجأ البعض حين يعلم أن العرب المسلمين هم من اخترع عمليا معجون الأسنان. أول وصفة لمعجون أسنان شبيه بالذي نستخدمه حاليا، ظهرت في طليطلة بالأندلس في القرن الحادي عشر على يد طبيب وعالم نبات يدعى أبو المطرف عبد الرحمن، المعروف بابن وافد.
هذا العالم الأندلسي ترك في كتابه “الوساد في الطب”، وصفة تفصيلية لكيفية صنع معجون الأنسان. المكونات التي استخدمها هذا العالم لتحضير معجون الأسنان هي أوراق النعناع والريحان والسفرجل والخوخ وأوراق الورد وأوراق الليمون ومسحوق صابوني. تسحق هذه المكونات ثم تغربل قبل استخدامها في تنظيف الأسنان.
أحد المتخصصين الإسبان قام في برنامج وثائقي عن إنجازات العلماء المسلمين الكبرى في الأندلس، باستعراض تجربة عملية لتحضير معجون الأسنان بوصفة ابن رافد. النتيجة كانت منتجا بمظهر وتأثير لا يختلف من حيث الأساس عن معاجين الأسنان المستعملة حاليا.
زرياب، أبو الحسن الموصلي، المعروف بأنه كان موسيقيا مبدعا وصاحب صوت ساحر شجي، لم يبدع في هذا المجال فقط، بل اخترع هو الآخر معجونا للأسنان ومزيلا للعرق من مسحوق الورد والريحان والياسمين والعنبر والمسك. علاوة على ذلك كان هذا المزيل لا يترك أثرا على الثياب.
العرب المسلمون هم أيضا من قام بصنع أول صابون صلب في المنطقة، وكان ذلك خلال العصر الإسلامي الذهبي بين القرنين الثامن والثالث عشر. العالم الموسوعي المسلم أبو بكر الرازي، وضع وصفة مفصلة في القرن التاسع لصنع الصابون الصلب.
حتى قلم الحبر ظهر لأول مرة في العالم خلال القرن العاشر، حين طلب الخليفة الفاطمي في مصر تصميم قلم بخزان للحبر خصيصا له لا يترك بقعا على اليدين. القلم صمم وكان يعمل بتأثير الجاذبية.
“الشيكات” والإيصالات النقدية أيضا ظهرت في الحضارة العربية الإسلامية. حتى الاسم تحور من “الصكوك” التي كان يستعملها التجار المسلمون، وكانت عبارة عن وثيقة ضمان مكتوبة يدفع بها في عمليات الشراء ويتم سداد قيمتها نقدا بعد اكتمال الصفقة وايصال البضاعة إلى وجهتها. هذا الإجراء جنب التجار حمل أكياس ضخمة من العملات المعدنية أثناء مرورهم بمناطق خطرة تعج بقطاع الطرق خلال رحلاتهم التجارية البعيدة.
العلماء المسلمون أبدعوا كذلك في مجال الجراحات المختلفة، واخترع عدد منهم أدوات كثيرة متنوعة للعمليات الجراحية المختلفة. كما وضعوا أساس التخدير.
كان من أعظم الجراحين المسلمين في العصور الوسطى، أبو القاسم الزهراوي. عاش في الأندلس وترك بعد رحيله 30 مجلدا حول المعالجات الطبية. تلك الخبرة العملية ظلت تستخدم في أوروبا لمدة خمسة قرون.
الزهراوي استعمل نوعا من التخدير أثناء إجراء العمليات الجراحية. كان يغمس إسفنجة في مجموعة من الأدوية ثم يضعها على شفاه وأنوف المرضي لتهدئتهم وتقليل آلامهم.
هذا الطبيب الجراح الفذ كان اخترع أكثر من 200 أداة جراحية، بما في ذلك المشارط والملاقط والملاعق الجراحية، وكسارات حصى المثانة، وكان أول من أجرى عمليات ولادة قيصرية.
هذا ليس كل شيء. أول حقنة في العالم اخترعها طبيب جراح في القرن التاسع يدعى عمار بن علي الموصلي. هذا الطبيب العراقي قام بتكييف أنبوب زجاجي مجوف واستعمله كحقنة في عملية إزالة “الساد” أو ما يعرف بالعدسة الضبابية من العين.
كل ما ذكرناه عبارة عن رحلة قصيرة وسريعة توقفت عند أهم المنجزات العملية الملموسة لجهابذة الحضارة العربية الإسلامية، لاسيما تلك الاختراعات القريبة من كل شخص في الحياة اليومية المعاصرة. وهذا غيض من فيض.