في قلب الفوضى التي تعصف بالمنطقة العربية، يبدو المشهد أكثر وضوحاً،غياب استراتيجي مدوٍّ، وفراغ هائل تُرك ليملأه الطامعون،المشهد العربي اليوم، بكل تناقضاته وانقساماته الداخلية، ليس إلا انعكاساً لعجز مزمن عن صياغة رؤية قومية تُحصّن الأمة أمام الأزمات التي تتوالى بلا هوادة.
العالم يتحرك بخطط مرسومة بدقة، بينما تقف الدول العربية في حالة من الشلل، غارقة في خلافات وصراعات ذاتية صنعتها أيدٍ خفية وأخرى ظاهرة،هذه الانقسامات لم تكن عفوية؛ بل أدوات تُستخدم لتفتيت الصف العربي وتحويله إلى فسيفساء متناحرة يسهل العبث بها.
الغياب العربي عن أي دور فعّال يتجاوز حدود سsوريا إلى قضايا أخرى، لكنه يجد في سـ.وريا ذروته المأساوية،سـ،وريا ليست مجرد دولة تعاني أزمة داخلية، بل أصبحت نموذجاً مكشوفاً للتدخلات الدولية واستغلال الانقسام العربي لتحقيق مصالح القوى الخارجية.
منذ بداية الأزمة السـ.ورية، ظهرت الأطماع واضحة، واستُخدمت البلاد كساحة تجارب لاستراتيجيات القوى الكبرى،الولايات المتـ،حدة، بسياساتها المدروسة، وجدت في سـ،وريا فرصة لاستنزاف المنطقة، بينما إسـ،رائيل تمضي في تنفيذ مخططها القديم-الجديد: توسيع حدودها الاستراتيجية،احتلالها لأراضٍ سورية مثل جبل الشيخ، واستهدافها للبنية العسـ،كرية والدفاعـ،ية والبـ،حوث العلمية، يُذكّرنا بمخطط “من النيل إلى الفرات” الذي يُعاد تشكيله أمام أعيننا.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: كيف أتيح لهذه القوى أن تنفذ مخططاتها،أين العرب من هذه التحولات،ولماذا تُركت سوريا لقمة سائغة لكل هذه الأطماع.
الجواب المؤلم يكمن في الغياب التام لاستراتيجية عربية موحدة، وترك الساحة للقوى الغربـ،ية ترسم المشهد بما يخدم مصالحها،الأخطر من ذلك هو أن بعض الأطراف العربية اختارت أن تكون جزءاً من هذا السيناريو، بدل أن تكون حائط الصد الأول أمام المخاطر.
سـ،وريا اليوم ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من المشاهد المأساوية التي بدأت بفلسطين، مروراً بالعراق وليبيا واليـ،من، وربما لا تنتهي هنا،الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في ما يحدث الآن، بل في ما يُخطط للغد،إذا استمرت هذه السياسات، فإن الدول العربية ستجد نفسها في مواجهة مباشرة مع مصير مشابه.
إسـ،رائيل، بدعم من الولايات المتـ،حدة، تستغل كل فرصة لترسيخ سيطرتها على مفاصل المنطقة،المشروع الأمـ،ريكي الإسـ،رائيـ،لي يتقدم بخطى ثابتة، وكل خطوة يتم تنفيذها تُمهد للمزيد من الهيمنة والسيطرة،لكن اللوم لا يقع فقط على الأعداء،المسؤولية الأكبر تقع على عاتقنا كعرب،الانقسامات، الخلافات، وعدم القدرة على تجاوز الحسابات الضيقة، كلها عوامل جعلت الأمة عاجزة عن حماية نفسها،في وقت يجب أن يكون العرب فيه أكثر وحدة، نجدهم أكثر تشرذماً.
ما يحدث في سوريا ليس معزولاً عن المشهد العربي الأكبر،إنه تذكير مؤلم بما يمكن أن يحدث لأي دولة تُترك دون حماية أو دعم،إنه جرس إنذار ينبه الجميع بأن المصير المشترك بات مهدداً، وأن المشروع الذي يستهدف سوريا اليوم قد يطرق أبواب الجميع غداً.
المرحلة الحالية تستدعي يقظة حقيقية،الأمة العربية تمتلك من الموارد والموقع الجغرافي ما يجعلها قوة كبرى إذا توحدت،ولكن هذا لن يحدث دون إرادة سياسية صادقة، ودون إدراك أن المصالح المشتركة يجب أن تكون فوق كل الخلافات.
إننا كشعوب عربية نرى في كل يوم يمر دماراً جديداً، ونشعر بعجز مضاعف أمام ما يحدث،ما نحتاجه ليس مجرد كلمات أو بيانات شجب، بل خطوات عملية تعيد لهذه الأمة هيبتها،سوريا ليست نهاية المطاف، ولكنها البداية التي يجب أن تُنقذ قبل أن يفوت الأوان.
التاريخ لا يرحم من يخذل أمته، والأجيال القادمة ستسأل،كيف ضاعت الأمة أمام أعيننا،الإجابة يجب أن تبدأ الآن، بخطوات تُعيد رسم المشهد العربي من جديد، بخطوات تنقذ سوريا وما تبقى من هذا الوطن الكبير.