في واحدة من أعنف الضربات الأمريكية منذ بدء الحملة العسكرية ضد الحوثيين، استهدفت غارة جوية حديثة تجمعًا لعناصر تابعة لجماعة الحوثي وخبراء من الحرس الثوري الإيراني في محافظة الحديدة، مما أسفر عن مقتل نحو 70 شخصًا، بحسب ما أعلنه مسؤول في الحكومة اليمنية.
وقال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، يوم الجمعة، إن ضربة جوية أمريكية، تم تنفيذها يوم الثلاثاء (2 أبريل)، استهدفت تجمعًا لجماعة الحوثيين المدعومة من إيران في منطقة الفازة بمحافظة الحديدة، أسفرت عن مقتل نحو 70 شخصًا، بينهم قادة ميدانيون وخبراء إيرانيون.
وذكر الإرياني أن الغارة استهدفت موقعًا كان يُستخدم للتخطيط لهجمات ضد السفن التجارية وناقلات النفط في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، واصفًا العملية بأنها دقيقة وناجحة.
ولم تعلق جماعة الحوثي رسميًا على الضربة حتى الآن، في حين أشارت مصادر يمنية إلى أن الجماعة فرضت تعتيما إعلاميًا على الخسائر البشرية الناتجة عن الهجوم.
ونُشرت لاحقًا لقطات مصورة للغارة عبر منصة “تروث سوشيال” من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أظهرت تسجيلًا حراريًا يُعتقد أنه مأخوذ من كاميرا طائرة مسيّرة من طراز MQ-9 Reaper.
الفيديو أظهر تجمعًا كبيرًا في دائرة محكمة حول شخص في المركز، تلاه انفجار رأسي مباشر أدى إلى تصاعد كرة نارية وسحابة دخان كثيف.
وبحسب التحليل الحراري الظاهر في المقطع، عرض المشهد تجمعًا دائريًا لعشرات الأشخاص، تظهر أجسادهم كبقع بيضاء متوهجة وسط بيئة محيطة قاتمة، ما يشير إلى أن اللقاء تم في وقت متأخر من الليل أو عند الفجر.
ثوانٍ قبل الضربة، تبدأ الحرارة بالتكاثف في مركز التجمع، ما يرجح أنهم كانوا يستخدمون معدات كهربائية أو أجهزة اتصالات. تلي ذلك ضربة مباشرة من أعلى بزاوية رأسية، لتظهر حفرة مظلمة في نقطة الانفجار واختفاء معظم البقع الحرارية فورًا، ما يعكس سقوط ضحايا على الفور.
وقال ترامب في منشوره إن “هؤلاء الحوثيين تجمعوا لتلقي تعليمات بشأن هجوم، عذرًا، لن يكون هناك هجوم بعد الآن. لن يغرقوا سفننا مجددًا”.
وتقع منطقة الفازة التي شهدت الضربة الأمريكية ضمن نطاق جغرافي سبق أن أثار قلقًا لدى القوات اليمنية المتحالفة مع الحكومة المعترف بها دوليًا.
ففي تقرير نشره مركز سوث24 في 1 أغسطس 2024، كشفت صور أقمار صناعية عن قيام جماعة الحوثي بحفر قناتين بحريتين صناعيّتين تمتدان من البحر الأحمر إلى داخل منطقة التُحيْتَا بمحافظة الحديدة، في ما وصف بأنه جزء من “خطة إيرانية لتحويل البحر الأحمر إلى منطقة نفوذ عسكري”.
ووفقًا لبيان صادر عن “القوات المشتركة” العاملة ضمن محور الحديدة، فقد تم رصد استخدام القنوات البحرية لزوارق يُعتقد أنها مفخخة، إلى جانب تحويل مركز إنزال السمك الرئيسي في جنوب المحافظة إلى مقر لما يُعرف بالقوات البحرية الحوثية.
وقدر البيان طول إحدى القنوات بـ 210 أمتار، فيما أشار تحليل مركز سوث24 إلى أن إحدى القنوات الممتدة إلى طريق الفازة تبلغ أكثر من 1.3 كيلومتر، في تناقض واضح مع الأرقام المعلنة من القوات اليمنية.
ويُعتقد أن هذه البنية التحتية البحرية التي أنشأتها جماعة الحوثي على الساحل الغربي ساهمت في تعزيز قدراتها على تنفيذ هجمات بحرية ضد السفن في البحر الأحمر، ما قد يفسر جزئيًا اختيار الفازة كهدف لضربة جوية أمريكية دقيقة يوم 2 أبريل، وسط تصاعد الهجمات البحرية وتكثيف عمليات الاستطلاع الأمريكية في المنطقة.
وتأتي هذه الضربة في سياق حملة عسكرية أمريكية واسعة أطلقتها إدارة ترامب في 15 مارس ضد الحوثيين في اليمن، ردًا على استهداف متكرر للسفن في البحر الأحمر منذ أواخر 2023.
وبحسب تقرير لشبكة CNN، فإن العملية كلفت حتى الآن نحو مليار دولار، وتم خلالها استخدام ذخائر استراتيجية مثل صواريخ JASSM بعيدة المدى، وJSOW الموجهة GPS، وصواريخ Tomahawk، إلى جانب طلعات نفذتها قاذفات B-2 من قاعدة دييغو غارسيا.
وقالت ثلاثة مصادر مطلعة على الحملة إن البنتاغون يدرس طلب تمويل إضافي من الكونغرس، وسط قلق متزايد في وزارة الدفاع بشأن استنزاف الذخائر الاستراتيجية التي تُعد حاسمة في أي مواجهة محتملة مع الصين.
وبالرغم من تكثيف الغارات، نقلت الشبكة عن مصادر دفاعية أن الحوثيين احتفظوا بمواقع محصنة وقدرات على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، وأسقطوا طائرتين من طراز MQ-9 Reaper خلال الأسبوعين الأخيرين.
وقال أحد المسؤولين إن القيادات التي تم استهدافها تنتمي للصفوف الوسطى، باستثناء قائد وحدة الطائرات المسيرة الذي قتل في ضربة سابقة. وأضاف آخر أن “الضربات أضعفت تواصل الجماعة وأجبرتها على العمل في بيئة أكثر تعقيدًا، لكنها لم توقف الهجمات على الملاحة”.
وفي سياق موازٍ، ذكرت صحيفة The Telegraph البريطانية أن طهران أمرت بسحب كوادرها العسكرية من اليمن تجنبًا لمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وفقًا لمسؤول إيراني رفيع تحدث للصحيفة.
واعتبر المصدر الإيراني أن الحوثيين “يعيشون أيامهم الأخيرة” وأنه لا جدوى من مواصلة دعمهم بعد انهيار الحلقة التي ربطتهم بحزب الله في لبنان وبالأسد في سوريا.
وأضاف أن مكانة الحوثيين في المحور الإيراني تراجعت بعد أن أصبحوا الحلقة الوحيدة المتبقية من شبكة تفككت على وقع الهجمات الأمريكية والإسرائيلية، وسط تآكل رصيد الردع الإيراني إقليميًا.