بالصور : مدرسة الدهاة والمبدعين تقبع بلا نوافذ ولا أبواب، بجدران متهالكة، وأسقف على شفى السقوط؛ هنا عفة! حيث يعيش الناس جملةً تحت سكة الحرمان والمعاناة
في الجزء الغربي من محافظة الضالع، تقع مديرية جحاف، وفي أقاصي غرب مديرية جحاف تقع منطقة عفة، ذات الطبيعة القاهرة، المنسية من كل الحقوق، وكأنها خارج عصور الحداثة، حيث الكهرباء لم تصل بعد، ولم يشاهد الأطفال التلفاز أو يسمعون به إلا من أحاكي زملائهم في القرى المجاورة، هنا طريق جبلية موحشة، وبالكاد تصل السلع الضرورية للحياة إلى هذه المنطقة بعد مشقة وعناء.
أنت في عفة …
هنا في قرية عفة، كل شيء صادم، ويعيدك عقودًا إلى الوراء، حيث الخذلان جاثم بين أزقتها، وعلى أطراف المنطقة، في الطريق، وفي المدرسة، وفي حجرات المنازل، لا ماء تتيسر سبل الوصول إليه، ولا كهرباء، ولا طريق، ولا تعليم بأدنى متطلباته، إنها حقًا منطقة تقع تحت سكة التعذيب من الطبيعة، ومن الحرمان، وهي التي تنزوي بعيدًا خلف دائرة اهتمام المعنيين.
وفي عفة بإمكانك أن تلتمس في أهالي هذه المنطقة إصرارًا على البقاء وتحديًا على مواجهة كل الظروف، كأنما خلقوا للابتسامة في وجه هذه الحياة التعيسة وكأنما خلقوا ليقهروا الصعاب، فينتصر إصرارهم على الصعوبات، وتنتصر إرادتهم الفولاذية على كل خذلان يعانون منه.
مدرسة متهالكة ومهددة بالانهيار؛ يتخرج منها دهاة ومبدعين
ليست الطريق وحدها ما يعانيه أهل هذه المنطقة، فهنا مدرسة متهالكة، لا تصلح لأن تكون مأوى أو سكن للحيوانات، فضلًا عن البشر.
بمبنى متهالك، وجدران متصدعة، وأسقف تستأذن القدر أن تركع كل لحظة، وتُنبئكَ كلما شخصت ناظريك إليها، أنها حتمًا آيلة للسقوط المفاجئ في أي لحظة، ومن يدري ! ربما تسقط على رؤوس التلاميذ ومعلميهم، لتطوي مشهدًا تراجيدي، بين أحلام تعانق السماء، وواقع مر يدفن كل حلم، لا نوافذ للمدرسة، ولا أبواب، في صورة مأساوية تستحضر كل معاني الأسى والحرمان.
ورغم كل هذه الظروف القاهرة، فإن هذه المدرسة بالذات، وبين هذه الجدران المتصدعة، وتحت هذه الأسقف الآيلة للسقوط، في القرية المنسية، يوجد الكثير من الكوادر المبدعة، يتخرج هؤلاء من المرحلة الابتدائية، والإعدادية، ثم ينتقلون لإكمال الثانوية في مدرسة النصر – بني سعيد – وهناك تبرز كوادر عفة… متصدرةً أوائل الطلاب في المدرسة، أكثر من أي منطقة أخرى كما أخبرنا معلمون في هذه المدرسة.
في العام 2017 أجريت مسابقة علمية، بين طلاب المدارس في كل مديرية جحاف، فحصدت مدرسة عفة المركز الأول، متجاوزة كل المدارس الأخرى، ولم يكن الأمر غريبًا لمن يعرف أهل عفة وشبابها المبدعين، الذين قهروا الظروف ولم تقهرهم.
تسرب مبكر
في قرية عفة وكنتيجة للظروف القاهرة، وسوء المعيشة، وبرغم مؤهلاتهم العالية، يظطر طلاب عفة لترك مدارسهم، سعيًا لجلب الرزق، فهناك من لم يلتحقوا بالمدارس، وهناك من تسربوا منها في مراحل مبكرة، حتى أن غالبية الطلاب الذين يحصدون الدرجات العالية، لا يواصلون دراستهم في الجامعات، نتيجة للظروف المعيشية، وغياب من يتكفل بالإنفاق عليهم.
شكوى من الحرمان
يقول الأهالى في منطقة عفة، أنهم يعانون من الإهمال، متهمين المنظمات الإنسانية بتجاهل منطقتهم، وبالذات في مجال التعليم، وإقامة المشاريع التي تخفف من معاناتهم اليومية، بحجج وعورة الطريق، وصعوبة تقديم الخدمات لهم.
يقول أحد الأهالي بأن منطقة عفة تعاني الحرمان التام من الجميع، فضلًا عن عزوف المنظمات كلها عن الدخول الى مناطقهم وتقديم يد العون لهم، وإن دخلت فهي تكتفي بالمسح فقط، فهم مذكورون في صفحات المعاناة وغير مذكورون في صفحات التخفيف منها بحسب تعبيره.
المهندس فاروق أحد وجاهات المنطقة يقول أيضًا ” أن المنظمات لم تتدخل في جانب التعليم، رغم أهميته، ورغم محاولات طرق أبواب الكثير منها لإنقاذ المدرسة المتهالكة إلا أن الجهود لم تلقَ آذان صاغية”.
ويضيف فاروق: في هذه المدرسة يدرس مئات الطلاب، ولأن المنطقة بعيدة عن المدارس الأخرى، اضطررنا لأن نقسم معظم فصول المدرسة إلى فصلين، كي تستوعب المدرسة فصول أكثر، وبالتالي يخف على الطلاب معاناة قطع عشرات الكيلومترات، لكن حال المدرسة ووضعها المتهالك، يبدد كل آمال، ويهدد بمزيد من المعاناة.
السلطة المحلية تناشد
من جانبها السلطة المحلية في المديرية، قالت في تصريح خاص “للصدارة سكاي”، بأنها تولي موضوع المدرسة اهتمامًا، لكن إمكانياتها أقل من أن تستطيع حل مشكلة المدرسة المتهالكة، مناشدة المنظمات الإنسانية للمساهمة في ترميم المدرسة والتدخل السريع والعاجل، تفاديًا لوقوع الكارثة.