الصدارة سكاي / د. أمين العلياني
من قلب العاصمة عدن، حيث تتنفس الجغرافيا تاريخًا عريقًا وتئن تحت وطأة حاضر مُثقل، يعود سؤال الماضي ليُطرق بقوة: هل يُراد لشعب مثل شعب الجنوب أن يكون ذاكرةً تُحتَفى بها، أم سيفًا مُسلطًا على رقبة مستقبل أبنائه؟ بين استدعاء الماضي وتاريخه السياسي بإيجابياته وسلبياته يتحول معه شعب في الجنوب اليوم إلى ضحية بسبب احتلال شمالي وليس بسبب ذلك التاريخ الذي يغذيه المحتل ليجعل الشعب رهينة ذلك الماضي، حتى يجد هذا الشعب في جغرافيته الجنوبية نفسه أمام معادلةٍ سياسيةٍ معقدة: مَنْ يُصر على استدعاء شظايا الماضي، ولماذا؟ ومن المستفيد من ذبح إرادة شعب وتأجيل استحقاقات مستقبله ليس لشيء إلا أنه قال كلمة (لا) قولًا وفعلًا أمام قوى الشمال المحتل ومليشيات الحوثية الارهابية؟.
– الجنوب والماضي كأداةٍ سياسية بين محاكمة الهوية وتأجيل وإعاقة الاستحقاقات السياسية؟ ففي خضم الصراع، تبرز مكوناتٌ محليةٌ تسند حينًا إلى قوى الشمال المحتل ولائها تحت فكرة اليمن الكبير وبين تأييدات أقليمية تظهر بغلاف تحت يافطة استيعاب الكل حنيًا آخر تبرز كمحاولات لتفريخَ هوياتٍ ضيقةٍ ومكونات مؤطرة تُضعف المشروعَ الجنوبي الجامع في الوقت الذي يمدُّ المجلس الانتقالي الجنوبي – بقيادة الرئيس عيدروس الزبيدي – يدَ الحوار لكل الأطراف دون استثناء، ونرى بعضَ تلك النخب والمكونات المتخندقة بولائها للشمال حينًا وبالمال الخارجي حينًا آخر تُصر على تمزيق الوحدة الجنوبية تحت شعارات تاريخية بالية وهويات ضيقة وقوميات مزيفة.
– ومن المصلحة العليا للشعب ما نراه في مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي فتح قنوات الحوار مع كل الأطراف لتكون جسرًا وطنيًّا لإنصاف عدالة قضية شعب يستحق أن يعيش بحرية وكرامة، وحتى لا تبقى الاستحقاقات السياسية مؤجلة تضيق معها حياة الشعب وتصبح رهينةً لمصالح ضيقة تنشدها تلك المكونات التي تحاول المساس بالهوية وتمزيها والمشروع الجنوبي الفيدرالي برمته؟.
– ومن هنا تأتي الأسئلة لتترك القارئ أمام تأويلات تكون أجوبتها حسب السياق الذي تفهمه، منها لماذا تُستعاد صور قنابل بريطانيا وإثارتها اليوم كمثال من أمثلة؟ أهيَ ذاكرةٌ تُحفظ، أم ورقةٌ تُلوح بها جهاتٌ تريد إضعافَ المشروع الجنوبي الفيدرالي من الداخل؟ ومن المستفيد من تحويل الماضي إلى سلاحٍ ضد إرادة شعبٍ يئنُّ من الفقر وانهيار الخدمات وينتظر استحقاقات عادلة تتوافق وتضحياته أن تلوح بالأفق؟.
– 1967م بين المحاكمة والاجتياز: وبين محاكمة الماضي وإعاقة مسيرةَ المستقبل، لا يزال البعض يتخندق عند نقطة التحول التاريخية عام 1967م، وكأن الزمن توقف عندها، غير مستوعب التحولات التي رافقت الشعوب منذ ذلك العهد حتى اليوم ليجعل معها الجنوب مسجونًا في كتب التاريخ، وكأنه لا يفهم إرادة شعبه التي أصبحت معها اليوم أمام استحقاقات سياسية مختلفة لا تتشابه بالظروف والتعقيدات، ليأتي السؤال لماذا تُختزل قضيته العادلة وتصبح اليوم في محاكمة بين حقبةٍ مضت من تاريخه، لتصبح محاولات بائسة في إعاقة استحقاقاته السياسية تحت ذرائعَ لا تخدم سوى أعداء هويته الحقيقيين؟ ويصبح أحد أعداء الجنوب ليس المحتل الشمالي ومليشاته الحوثية والإخوانية الإرهابية فحسب، بل ذلك الذي يريد أن يجعل الجنوب في محاولة ومراجعة مستمرة مع الماضي وتحويله إلى سجنٍ يُقيِّد الحاضر، فالشعب الذي صبر على الحروب والانقسامات، يستحق أن يُسأل: مَنْ يخشى تحرره؟
– الجنوب والهويات المتجاوزة: بعض القوى تُحاول إحياء هوياتٍ قبليةٍ أو حزبيةٍ عفا عليها الزمن، وكأن الجنوب لم يتجاوز مرحلة التجريب والصراعات الإقليمية والدولية، وتأتي هذه المحاولات اليوم في سياقات ليست سوى أدواتٍ لخدمة العدو المشترك المحتل الشمالي والحوثي الارهابي الساعي إلى تقسيم وتمزيق الجنوب. فهل يعقل أن تظل الهوياتُ المحليةُ عائقًا أمام وحدةٍ جنوبية فيدرالية تُنهي معاناةَ سبعة مليونَ مواطنٍ جنوبي يريد أن يعيش بكرامة وحرية؟.
– ومن هنا جاءت الحاجة إلى تشكيل كيان فوض على مقتضاه الشعب المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الرئيس عيدروس الزبيدي ليقدم الجواب إن الجنوب اليوم بحاجة إلى هويةٍ جامعةٍ تُمثله في المحافل الدولية لنيل استحقاقات نضاله وإرادة شعبه، لا إلى شظايا تاريخيةٍ تُضعف موقفه التفاوضي.









