في خضم الأزمات المتفاقمة التي تعصف بشبكة الطرق، وتصاعد الحاجة الملحّة إلى إدارة حكيمة لمشاريع الصيانة، اندلعت فضيحة جديدة تُلقي بظلالها على مصداقية صندوق صيانة الطرق. فإعلانه الأخير عن *طرح خمس مناقصات لإزالة الرمال* لم يكن سوى شرارة أشعلت نيران الاستنكار، لا لانتهاكها القوانين فحسب، بل *لتمديدها المتكرر رغم توجيهات وزير الأشغال بإلغائها فورًا*. هكذا تحوّل الصندوق إلى نموذجٍ صارخٍ للتحدي العلني لسلطة الدولة، بدءًا من رئيس الوزراء وصولًا إلى كبار المسؤولين.
المراوغة القانونية: حيلٌ مكشوفة لتجاوز التوجيهات الحكومية لم تكن هذه المناقصات استجابةً لضرورة عملٍ طارئ، بل جاءت كـردٍّ ملتو على توجيهاتٍ حكوميةٍ واضحة من رئيس الوزراء ووزير المالية، التي حذّرت من *اعتماد أي مشاريع جديدة* إلا في الحالات الطارئة ، وفقًا للائحة الصندوق التي تُحدد الأعمال الطارئة بـاضرار السيول والانهيارات الأرضية والأمطار المدمرة والانزلاقات الصخرية. فكيف تحوّلت إزالة الرمال إلى عملٍ طارئ؟ الإجابة تكشف محاولةً ممنهجةً للتلاعب بالنصوص واختراق التعليمات الرسمية، في سيناريو يُعيد إنتاج أزمات الفساد المؤسسي.
فضيحة أبين: نزيف المليارات ومسرح النهب المنظّم ليست هذه الحلقة الأولى في مسلسل الهدر المالي؛ فمشاريع الطوارئ في *محافظة أبين* – التي خُصصت لمعالجة آثار السيول – تحوّلت إلى *مسرحٍ لسلب المال العام*. حيث تجاوزت تكاليف التنفيذ *2.5 مليار ريال خلال خمسة أشهر* (يناير-مايو 2024)، بسبب تحوّل مفاجئ في آلية التسعير من نظام إيجار المعدات (المُعتمد مع *المؤسسة العامة للطرق*) إلى *نظام سعر الوحدة مع مقاولي الباطن، ما أدى إلى *إهدارٍ ماليٍ فاضحٍ تجاوز 1.7 مليار ريال*، وكشف عن شبكة مصالح تُدار بخيوط الفساد.
إهمال مُتعمّد: لماذا تُهمل التشققات والحفر لصالح الرمال؟ رغم نص المادة *16* من اللائحة التنفيذية على *التزام الصندوق بتنفيذ الصيانة الشاملة وفق المعايير الفنية*، إلا أن إدارته آثرت التركيز على إزالة الرمال متجاهلةً *التشققات الخطيرة والحفر المميتة* التي تُهدد أرواح المواطنين. هذا الانحياز الانتقائي يطرح علامات استفهامٍ كبيرة: هل الهدف حماية البنية التحتية، أم فتح أبواب العقود الوهمية لتحقيق مكاسب شخصية؟
المؤسسة العامة للطرق: ضحيّة التهميش والانتقام في مشهدٍ يُجسّد الصراع الخفي بين المؤسسات، تواجه **المؤسسة العامة للطرق والجسور* – الجهة الرسمية المختصة بالصيانة – *حملة تعطيلٍ ممنهجة* فبعد رفض الصندوق تفعيل عقد الصيانة الروتينية والطارئة، *يستمر بحجب مستحقاتها المالية* بشكلٍ انتقامي، حتى بعد توجيهات رئيس الوزراء بإزالة الرمال مؤخرا وتكليف للمؤسسة بذلك، تم استثناء المؤسسة من الصرف للأعمال السابقة للمرة الرابعة على التوالي .، مما شلّ قدرتها على تسديد التزامتها للغير، في خطوةٍ تُعرّي ثقافة الانتقام داخل أروقة الصندوق.
وزير الأشغال في مواجهة الواقع المرير: قرارات تُداس بالأقدام*
كشفت *مذكرة رسمية* صادرة عن وزير الأشغال عن صدمة المسؤولين من استمرار التجاوزات، حيث أعرب عن *استغرابه من إعلان المناقصات دون التنسيق مع الجهات الرسمية*، مؤكدًا أن هذا الفعل يمثّل تحدياً سافراً لتعليمات وزير المالية. ورغم الحل الجاهز بتكليف *المؤسسة العامة للطرق بالمهمة، إلا أن رئيس الصندوق **معين الماس* فضّل الاستمرار في لعبة العقود المشبوهة، وكأن القوانين مجرد حبرٍ على ورق.
وقفة احتجاجية تُحرك المياه الراكدة: ردود فعل متصاعدة لم يَسكت العاملون في *المؤسسة العامة للطرق* على الإهانة، فاندلعت *وقفتهم الاحتجاجية الغاضبة في 20 أبريل*، استجاب لها رئيس الوزراء السابق باصدار توجيهاتٍ فوريةٍ لتفعيل عقد الصيانة الروتينية والطارئة والسلامة المرورية . لكن المفاجأة كانت في *تمديد المناقصات للمرة الثانية* من قبل معين الماس، في تصعيدٍ يُشبه الصفعة العلنية لرأس الحكومة، ويثبت أن الصندوق يعمل كدولةٍ داخل الدولة!
فضيحة المظاريف المزدوجة: مسرحية كشف الأسعار لا تكتمل الحلقات المأساوية دون مفاجأة جديدة، حيث تم تقسيم **فتح مظاريف العروض على يومين متتاليين*(الثلاثاء والأربعاء)، في خطوةٍ غير مسبوقةٍ تتيح *تسريب أسعار المنافسين*، وتعديل العروض بما يضمن الفوز للمقربين. هذه اللعبة المُحكمة تُجسّد انتهاكاً صارخاً لمبادئ الشفافية، وتُثبت أن الفساد هنا يُدار ببراعةٍ تشبه أفلام الجريمة المنظّمة!
الخاتمة: سُلطة الفساد… من يوقف القطار الجانح؟ في مشهدٍ يُلخّص أزمة غياب الرقابة، يبدو رئيس صندوق صيانة الطرق *كقبطانٍ يرفض الانصياع لإشارات القيادة*، متحدياً كل الصفارات التحذيرية. واليوم، مع اقتراب فتح المظاريف، يتساءل الجميع: هل ستتدخل القيادة السياسية لإنقاذ ما تبقى من هيبة الدولة، أم سيستمر “معين الماس” في نحت تمثال الفساد بعيداً عن مطرقة المحاسبة؟ المشهد الأخير لم يُكتب بعد، لكن المؤكّد أن المواطن يدفع الثمن من دمه وعرقه !