في مشهدٍ يُجسّد تراجع الدولة عن أداء أدوارها الحيوية وسط الصراعات السياسية وتضارب المصالح الضيقة، تحوّل صندوق صيانة الطرق في السنوات الماضية الى ثقب اسود يلتهم المليارات وكان العنوان الابرز للفشل الإداري والفساد المالي المهول، وبات نموذجًا لفقدان البوصلة المهنية والتخبط النرجسي الذي ارتبط بشكل مباشر بإدارته السابقة.
المهندس معين الماس، الرئيس السابق للصندوق، وضع بصمته الخاصة على هذا الانحدار عبر تأسيس ما يمكن وصفه بـ”الإدارة الموازية”، حيث تم تجاوز الجهات الإشرافية، وفرض سلطة شبه مستقلة تتنازع وتعرقل، بدلًا من أن تتعاون وتكمل الأدوار. فتح الأبواب على مصراعيها لصراعات عبثية مع وزارة الأشغال والجهات المعنية بشؤون الطرق، ما أدى إلى شلل شبه كامل في التكامل المؤسسي الذي يُفترض يشكل قاعدة للنجاح والنهوض وتحقيق الإهداف والمصالح العامة.
في ظل هذا النهج، تم تهميش المؤسسة العامة للطرق والجسور، وهي الحامل الفني والمنفذ المحترف للمشاريع الحيوية في مجال إنشاء وصيانة الطرق. لم تُؤخذ مبادراتها ونصائحها التحذيرية بعين الاعتبار، بل جوبهت بسياسة الإقصاء والعرقلة، وانحرفت الأولويات في اعتماد المشاريع لكسب الولائات والافلات من العقاب والتنقيذ لصالح شركات خاصة بعضها مشبوهة، ولها ارتباطات مباشرة مع رئيس الصندوق، ما جعل منظومة الصيانة تتحول إلى مسرح للمنافع لا لمقتضيات السلامة والمهنية.
هذا الخلل البنيوي قابلة انهيارات متزايدة في شبكة الطرق، ضعف في الاستجابة، ومبادرات شعبية بدأت بالظهور كمحاولة يائسة لتعويض غياب الدولة، بينما توقف الصندوق رسميًا عن أداء دوره الشكلي ،استمرت عملية صرف مئات الملايين كنفقات تشغيلية واكراميات وبدلات اشراف لصندوق متوقف عن العمل ..
الخسائر لا تقاس فقط بالأموال المنهوبة، بل تشمل تدهور شبكة الطرق ، وهدر الفرص، وتفاقم التكاليف المستقبلية التي تُقدر بمئات المليارات لإعادة إصلاح ما تم تجاهله عمدًا. وكان بالإمكان تلافي هذه الكارثة لو وُجدت قيادة تصغي، وعقول تخطط، وضمائر تتحمل المسؤولية.
اليوم وبعد اعوام من العبث الممنهج يسدل الستار عن حقبة حالكة السواد فهل يكفي التغيير دون اي حساب او العقاب؟!
نصيحة للقيادة الجديدة: لا تكرروا الكارثة
المرحلة المقبلة تتطلب أكثر من تغيير في الأسماء. إنها بحاجة إلى منهج مختلف، رؤية صادقة، وشراكة مؤسسية حقيقية. لتنجح القيادة الجديدة، عليها أن:
– تقرأ الماضي جيدًا وتستخلص الدروس والعبر.
– تُعيد الاعتبار للمؤسسة العامة للطرق والجسور وتمنحها دورها الطبيعي كشريك فني لا خصم إداري.
–
– تُطبّق منظومة شفافية ورقابة صارمة على إدارة الموارد، وتمنع التلاعب بها.
– تبني خطة صيانة وطنية شاملة قائمة على دراسات واقعية ومعايير فنية متكاملة.