إن المتغيرات العميقة التي يشهدها جنوبنا اليوم تفرض علينا جميعاً أن نعيد التفكير في أسلوب العمل، وفي أدوات الحراك، بل وفي غاياته العليا. فلم يعد الشارع الجنوبي اليوم هو ذات الشارع الذي تحركه الشعارات وحدها، ولا ذلك الوعي البسيط الذي يُعبّأ دون مساءلة أو طموح.
الجماهير الجنوبية اليوم وصلت إلى قناعة بأن زمن الشعارات قد مضى، وأنه لا جدوى من تكرار ذات الأساليب والخطابات. الناس تبحث اليوم عن مشروع حقيقي ينهض بواقعهم المعيشي، ويحمي كرامتهم، ويؤسس لدولة جنوبية عادلة تحتضن الجميع بكل تنوعهم.
ومن هنا، فإن أي حراك جديد، يسعى إلى إعادة ترتيب الصفوف، لا يمكن أن ينجح ما لم يفسح المجال للعقل المثقف والمفكر أن يتقدم الصفوف، ويصوغ فلسفة جديدة للحراك، تنبع من عمق المشروع الوطني الجنوبي، وتضع تحسين حياة الناس في صدارة الأولويات، وتبني تصوراً لدولة جنوبية عادلة تحفظ الحقوق، وتصون التنوع المجتمعي، وتطمئن الناس إلى أن المستقبل لن يكون تكراراً لفوضى الماضي ولا استنساخاً لمن اختطفوا صوت الشارع بالأمس.
إن الحراك الجنوبي اليوم لا يحتاج إلى من يقوده بوصاية أو تسلق، بل إلى من يتيح لإرادة الناس أن تفرز قياداتها الواعية من داخل الشارع، قيادات تستمد شرعيتها من ثقة الناس لا من ضجيج المنصات أو ضوء الكاميرات.
لذا، فإنني أدعوكم، وبدافع الحرص، أن تكونوا جزءاً من هذا التحول… لا بفرض قيادة جديدة، بل بفتح الطريق أمام بناء وعيٍ جديد، ومشروع وطني جامع… مشروع يرتكز على العقل لا على العاطفة، وعلى البناء لا على الهدم، وعلى الشراكة لا على الإقصاء.
جنوب اليوم يحتاج إلى خطابٍ يطمئن الناس، لا يخيفهم… إلى رؤيةٍ توحدهم، لا تفرقهم… إلى ثورة فكر، قبل أن تكون حراك شارع.
هذه مسؤوليتنا جميعاً، ولكنها اليوم مسؤوليتكم أن تتركوا المجال واسعاً أمام العقل الجنوبي الحر أن يكتب ملامح المستقبل، دون وصاية أو احتكار، فالشعب الجنوبي تعب من مصادرة صوته، وهو يستحق أن يسمع صوته الحقيقي هذه المرة.