لم تكن السياسة اليمنية – مع تحفظي على استخدام مصطلح السياسة كمصطلح علمي في الحالة اليمنية – وليدة مرحلة قريبة ولم تكن تنتمي إلى جغرافيا جامعة حتى نستطيع القول عليها بالسياسة الوطنية ، لقد امتد فعلها اجيالاً كثيرة حتى اصبحت ذات نسق محدد ومنضبط لا يقبل النزق ومن هنا تشكل اتجاهها وفلسفتها.
وحتى نعرف عمق هذه السياسة وان اختلفت كياناتها لكننا نستطيع ملاحظة تناسق المواقف تجاه القضايا الأخرى بينها ، بل أننا نرى هيمنة العقل الفاعل – أي العقل الذي ينتمي لها وليس الفاعل المؤثر – على العقول الفاعلة ذات الأثر الاجتماعي حتى انها انتجت عقل جمعي يؤمن بقداسة حكم هذه السياسة حتى أصبح مستعمراً ذهنياً يُجر كقطيع لا يفكر إلا في الإطار الذي يُراد له ان يفكر فيه.
ولو اخذنا احداثاً تاريخية فلم تكن خطوة الإمام أحمد بنقل مركز الحكم إلى تعز حباً بها ، ولم يكن اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي إلا انهما – اي تعز والحمدي – كانا قد بدأء الخروج عن الاتجاه والسياسة العميقة ورغم أنها حدثا في مرحلتين مختلفتين تفصلهما ثورة ٢٦ سبتمبر إلا أن القضاء عليهما هو لهدف واحد.
مؤخراً لم يكن تجاهل انتفاضة قبائل حجور وتصفية عدنان الحمادي ووقف قوات العمالقة من اجتياح الحديدة وتسليم محور الساحل الغربي لطارق عفاش – بدلاً من قيادات من الحديدة وتعز – وهيمنة الأحمر على جبهة مأرب إلا خطوات رُسمت وقوبلت بترحاب شعبي – كما اسلفنا ان العقل البسيط أصبح مهيئ لمثل هذا – لكي تحافظ على عمق السياسة العتيقة.
وكما لاحظنا اتساق الاتجاه نحو اتجاه واحد وان اختلفت الشخوص والمكونات إلا ان عمق العقل الفاعل المتسلط على سلطة القرار يؤثر بشكل جلي ويعيد ترتيب نفسه على النحو ذاته لتستمر هيمنة الزمان والمكان على سلطة القرار ، حتى انه جعل من الحلفاء الاقليميين ينظروا إلى القضية اليمنية بعين يمنية تتحكم بأدائهم وتؤثر على القوى الرافضة الانطواء ضمن عمقها واتجاهها وهذا ما تعاني منه اليوم القوى الجنوبية التي انطوت ضمن عباءة التحالف العربي وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي فقد أصبحت السياسة اليمنية تُسيّرها عبر بوابة وسوط التحالف الذي لا يرى إلا بعينها.
كانت هناك فرصة سانحة مع ما شهدتها اليمن في العقد الأخير من أحداث ان يتم تفكيك هذا العمق وإعادة ترتيب منظومة جديدة بعيداً عن زمان ومكان قوى التسلط إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن ، بل ان هذا العمق استطاع الانتصار على الجميع وأعاد ترتيب نفسه بقبول إقليمي – دخل حرب اليمن ولم يمتلك إستراتيجية – وها هو اليوم يصيغ الحلول وفق رغبته بل أنه سيكون اكثر متانة مما كان عليه سابقاً وسيكون اكثر حرصاً على المصالح الإقليمية والدولية حتى يحشد مزيداً من الدعم لإستمرار هيمنته خاصة مع التحولات الدولية الحاصلة اليوم المتمثل بتعدد أقطاب الاستقطاب العالمي ، ولن تكون للقضايا الأخرى نصيب من الحلول القادمة إلا بما يرضيها وفي مقدمتها القضية الجنوبية أو أننا سندخل صراع جديد معها ستخلى عنا كل العالم وفي مقدمتها الدول الإقليمية.