الصدارة سكاي/متابعات
يمثل انهيار بنك كبير جرى تأسيسه قبل 167انهيار بنك كبير جرى تأسيسه قبل 167 عاماً حالة طوارئ مالية بالنسبة لأي بلد عادي، لكن المخاطر كادت أن تصبح وجوديةً بالنسبة لسويسرا؛ إذ بنت سويسرا نموذجها الاقتصادي وهويتها الوطنية على فكرة حماية ثروات العالم، وقد صقلت تلك الهوية على مر قرون. ولهذا لم يكن مصرف “كريدي سويس” بمفرده الذي يحتاج لإنقاذ، بل كانت سويسرا نفسها بحاجةٍ للإنقاذ أيضاً، كما يقول تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
أزمة بنك “كريدي سويس” هزّت سمعة سويسرا
في يوم الخميس، 16 مارس/آذار، كانت الأزمة المصرفية المتصاعدة قد بدأت قبل 24 ساعةً فقط، بينما بدأت الودائع تنزف من خزائن مصرف كريدي سويس السويسري. وبدت المؤسسة المالية الوطنية، التي يبلغ عمرها 167 عاماً، على بُعد أيام قليلة من الإفلاس.
ولإبقاء المؤسسة على قيد الحياة حتى عطلة نهاية الأسبوع، كان المصرف المركزي السويسري على وشك زيادة حجم خط الائتمان المفتوح بـ50 مليار دولار، ومضاعفته بأكثر من 4 أضعاف. بينما اتصلت الجهات التنظيمية الأمريكية والبريطانية بالسويسريين، حتى يحرصوا على عدم سماحهم لكريدي سويس بأن يتسبب في انهيار الأسواق العالمية.
لهذا أجرت وزيرة المالية، كارين كيلر-سوتر، ورئيس البنك المركزي، توماس جوردن، ورئيسة جهة التنظيم السويسرية، مارلين أمستاد، اتصالاً هاتفياً مع رئيس مجموعة UBS المصرفية. وكان الغرض من المكالمة هو تقديم خيارين، لكنهما كانا عبارةً عن خيار واحد في الواقع: فإما أن تشتري UBS مصرف “كريدي سويس” دون الإلمام الكامل بميزانيته العمومية الضخمة والمعقدة، أو تسمح لكريدي سويس بالانهيار التدريجي.
وقد خشي مسؤولو UBS أن يؤدي انهيار كريدي سويس إلى تقويض مصداقية سويسرا كمركز مصرفي عالمي، كما تقول صحيفة وول ستريت جورنال.
وبعد سلسلة من المكالمات الهاتفية المحمومة والمقابلات التي رعتها الحكومة، وافقت مجموعة UBS على “ابتلاع” كريدي سويس مقابل 3.2 مليار دولار.
وقال تييري بوركارت، رئيس الحزب الليبرالي الراديكالي، الذي يُعد ثالث أكبر أحزاب البلاد: “ليس مصرف كريدي سويس مجرد شركة سويسرية. لأن إفلاس مصرف سويسري عالمي كان سيؤثر على جميع أنحاء العالم بشكلٍ فوري. بينما ستتعرض سمعة سويسرا لأضرار صعبة وطويلة الأمد”.
“سويسرا تواجه أخطر أزماتها منذ الحرب العالمية الثانية”
تقول الصحيفة الأمريكية، لم يتضح بعد ما إذا كان السويسريون قد نجحوا في احتواء الأضرار بالكامل أم لا؛ إذ كان امتلاك مصرفين على مستوى عالمي يُعتبر بمثابة ملاذ آمن، للحفاظ على مكانة سويسرا في الأسواق العالمية. لكن “الزواج الجبري” الأخير ترك سويسرا بمصرفٍ عالمي واحد، وزعزع ثقة المواطن السويسري العادي وإيمانه بالنموذج الاقتصادي والسياسي في البلاد.
بينما قال مارك بيث، الرئيس السابق لقسم الرشوة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: “إذا أصبح تعريف المصرفية السويسرية يقتصر على مصرف ضخم واحد، فماذا سيحدث لو أصابه خطأ ما؟ ستصبح حينها البلاد بأكملها -واستقرارها المالي- عرضةً للخطر. وهذا أمر غير سويسري على الإطلاق”.
واعتادت هذه الدولة، الواقعة في جبال الألب، أن تنظر لنفسها باعتبارها حالةً خاصة داخل أوروبا. إذ تُعَدُّ بمثابة الوسيط المحايد والديمقراطية رصينة الحوكمة، التي توفر مصارفها الملاذ الآمن السري للمستثمرين وأثرياء العالم من أبعد الدول. ويصل حجم نظامها المصرفي إلى 5 أضعاف ناتجها المحلي الإجمالي، وهو حجم أكبر مما هو عليه في غالبية اقتصادات العالم. فضلاً عن أن حجم الميزانية العمومية لمجموعة UBS ومصرف كريدي سويس معاً يساوي ضعف حجم الاقتصاد السويسري.
كما كانت سويسرا في وقتٍ من الأوقات أرض الاجتماعات التي لا بديل لها، حيث يمكن للقوى العظمى أن تزورها لتتفاوض على إنهاء الصراعات. لكنها تعرضت للتهميش اليوم في ظل الصراع الروسي الأوكراني، وصعدت دول أخرى لتحل محلها.
لهذا قالت الرئيسة السويسرية السابقة، ميشلين كالمي راي: “أصبحت لدينا الآن معضلة، وتحدٍّ كبير بالنسبة لسويسرا حتى يتم الاعتراف بها كشريك استراتيجي. إذ لم تعد كذلك في الوقت الراهن، ونحن في حالةٍ من الصدمة”.
بينما قال السفير الأمريكي في الأسبوع الماضي إن سويسرا تواجه أخطر أزماتها منذ الحرب العالمية الثانية. حيث بدأ المستثمرون الأجانب، الذين تضرروا من زوال كريدي سويس، يعيدون التفكير في استعدادهم للاستثمار في البلاد.
لكن بنك UBS ليس في مأمن من الأزمة أيضاً
يُذكر أن مجموعة UBS مدينةٌ للحكومة السويسرية بالكثير؛ إذ سبق لها أن كانت مصدر المشكلات لسويسرا من قبل؛ حيث احتاجت إلى خطة إنقاذ من الحكومة السويسرية إبان الأزمة المالية عام 2008، وذلك لتعويض خسائرها في الأوراق المالية السامة.
من ناحيته، كان رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لكريدي سويس يخشى تلقيه مكالمةً من السلطات السويسرية؛ حيث دخلت أسعار أسهم المصرف في حالةٍ من السقوط الحر بعد تصريحات رئيس البنك الأهلي السعودي، أكبر المستثمرين في المصرف، عندما قال خلال مقابلة تلفزيونية على هامش مؤتمر مالي في الرياض إنهم لن يستثمروا مزيداً من المال في كريدي سويس.
فهرع السيد ليمان عائداً من ذلك المؤتمر إلى زيوريخ، وطلب كريدي سويس من البنك الوطني السويسري، ومن هيئة الرقابة على السوق المالية السويسرية، تهدئة الأسواق بنشر رسالة دعم.
وفي مساء الأربعاء، 15 مارس/آذار، تلقى كريدي سويس خط سيولة بأكثر من 50 مليار من البنك المركزي، ثم خرجت الجهات التنظيمية لتقول إن المصرف يستوفي اشتراطات رأس المال والسيولة السويسرية.
لكن عملاء كريدي سويس استمروا في سحب ودائعهم يوم الخميس. لهذا وفّرت السلطات سيولة إضافية بأكثر من 150 مليار دولار للمصرف، وفقاً لتصريحات وزيرة المالية كارين. ولم تفصح الحكومة عن تلك الخطوة آنذاك، أملاً في إبقاء كريدي سويس على قيد الحياة حتى عطلة نهاية الأسبوع، مع احتمالية العثور على حل نهائي في تلك الفترة.
وتلقى رئيس مجلس إدارة UBS، كولم كيلير، مكالمة من المسؤولين السويسريين في يوم الخميس. حيث اتصل به ثلاثي يمثل هيئة الرقابة على السوق المالية السويسرية، والبنك الوطني السويسري، ووزارة المالية. وكانت رسالة الثلاثي واضحة: ستستحوذ UBS على كريدي سويس أو سيفلس المصرف الأخير، وقد تؤدي التداعيات عندها إلى انهيار UBS وغيرها من المصارف بالتبعية.
يُذكر أن الأيرلندي كيلير قد انضم إلى UBS كرئيس مجلس إدارة في أبريل/نيسان الماضي، بعد مسيرة مهنية طويلة مع مورغان ستانلي. وتحرك فريقه سريعاً بفضل الورقة الزرقاء التي صدرت في عهد رئيس مجلس الإدارة السابق، أكسل ويبر، والتي تُحدِّد الشكل المحتمل لاندماج UBS وكريدي سويس تحت مظلة واحدة.
وعقد رئيسا مجلس الإدارة وكبار المديرين التنفيذيين لـUBS وكريدي سويس اجتماعاً سريعاً مع وزيرة المالية، وذلك داخل مقر UBS في يوم الجمعة، 17 مارس/آذار، حيث جرى إخطارهم بأنهم سيوقعون الصفقة بحلول يوم الأحد، 19 مارس/آذار.
ولإبقاء المؤسسة على قيد الحياة حتى عطلة نهاية الأسبوع، كان المصرف المركزي السويسري على وشك زيادة حجم خط الائتمان المفتوح بـ50 مليار دولار، ومضاعفته بأكثر من 4 أضعاف. بينما اتصلت الجهات التنظيمية الأمريكية والبريطانية بالسويسريين، حتى يحرصوا على عدم سماحهم لكريدي سويس بأن يتسبب في انهيار الأسواق العالمية.
لهذا أجرت وزيرة المالية، كارين كيلر-سوتر، ورئيس البنك المركزي، توماس جوردن، ورئيسة جهة التنظيم السويسرية، مارلين أمستاد، اتصالاً هاتفياً مع رئيس مجموعة UBS المصرفية. وكان الغرض من المكالمة هو تقديم خيارين، لكنهما كانا عبارةً عن خيار واحد في الواقع: فإما أن تشتري UBS مصرف “كريدي سويس” دون الإلمام الكامل بميزانيته العمومية الضخمة والمعقدة، أو تسمح لكريدي سويس بالانهيار التدريجي.
وقد خشي مسؤولو UBS أن يؤدي انهيار كريدي سويس إلى تقويض مصداقية سويسرا كمركز مصرفي عالمي، كما تقول صحيفة وول ستريت جورنال.
وبعد سلسلة من المكالمات الهاتفية المحمومة والمقابلات التي رعتها الحكومة، وافقت مجموعة UBS على “ابتلاع” كريدي سويس مقابل 3.2 مليار دولار.
وقال تييري بوركارت، رئيس الحزب الليبرالي الراديكالي، الذي يُعد ثالث أكبر أحزاب البلاد: “ليس مصرف كريدي سويس مجرد شركة سويسرية. لأن إفلاس مصرف سويسري عالمي كان سيؤثر على جميع أنحاء العالم بشكلٍ فوري. بينما ستتعرض سمعة سويسرا لأضرار صعبة وطويلة الأمد”.
كيف وصلت أزمة بنك كريدي سويس لهذا الحد؟
كان مصرف كريدي سويس يؤوي أموال العملاء المشبوهين منذ حقبة “الذهب النازي”. ووضع المصرف تلك الودائع إلى جانب أموال قائمة طويلة من أبرز أصحاب المليارات، وصناديق الثروات السيادية، والعائلات الثرية.
لكن كريدي سويس خسر أكثر من 5 مليارات دولار مؤخراً في 2021، إثر انهيار شركة إدارة الأصول العائلية Archegos Capital Management، مما مهّد لتعثر المصرف وابتلاعه بواسطة UBS.
ورغم الفضائح المتلاحقة، تمكنت المصارف السويسرية -وحتى كريدي سويس- من الحفاظ على صورتها كقلاع حصينة لثروات العالم، كما تقول صحيفة وول ستريت جورنال.
وتتألّف أحدث فرق إدارة كريدي سويس من عدة مسؤولين قادمين من UBS، وبينهم رئيس مجلس الإدارة أكسل ليمان والرئيس التنفيذي أولريتش كورنر. وتعهد الفريق الجديد بتحسين الصورة، واعتبروا استرداد كريدي سويس لعافيته بمثابة خدمة وطنية، وفقاً للمصادر المطلعة على تفكيرهم.
وجمعت الإدارة 4 مليارات دولار من رؤوس الأموال المخصصة لإعادة الهيكلة في العام الماضي، لكن أسهم كريدي سويس أصبحت متداولة بـ20% فقط من قيمتها الدفترية. بينما سحب العملاء 120 مليار دولار من المصرف في الخريف الماضي، أثناء فورة الجنون التي ضربت الإنترنت في ما يتعلق بصحة المصرف.
وقد وضع المسؤولون التنفيذيون ومستشارو الإدارة في UBS خططاً لمختلف السيناريوهات، من موقعهم القريب إلى كريدي سويس في وسط زيوريخ، وحددوا ما ستحتاجه المجموعة من الحكومة كإجراء احترازي.
المصدر: arabicpost + وكالات