لم تكن الأكاذيب التي استعملها كولن بأول وزير الخارجية في إدارة جورج بوش الابن أمام مجلس الأمن، لاستغفال العالم وتدمير العراق ونهبه الأولى ولا الأخيرة في التاريخ الأمريكي. إقرأ المزيد حاملة الطائرات الأمريكية USS Nimitz حرب الولايات المتحدة الأخيرة! في تلك المناسبة جلس بأول وبين إصبعيه أنبوبة صغيرة قائلا: “ما نقدمه لكم هي حقائق واستنتاجات مبنية على استخبارات قوية تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل”.
بعد مقتل مئات الآلاف من العراقيين وتدمير البلد وتفتيته، لم يجد الأمريكيون ما يحفظ ماء وجههم على كذبهم السافر.
ولم يجد باول الذي يمثل بكونه جنرالا وبحكم منصبه، التاريخين الأمريكيين العسكري والدبلوماسي ما يعزي به نفسه على تلك السقطة الأخلاقية الكبرى في التزوير المتعمد، إلا القول إنها كانت هفوة وخطأ فظيعا!
التاريخ الأمريكي في الكذب ليس وقفا على دبلوماسيتها، فقد تلاعب العديد من الرؤساء الامريكيون بشكل منتظم بالحقائق، وكذبوا جهارا نهارا في سبيل تحقيق مآربهم الخاصة والعامة!
أكاذيب رئاسية أمريكية من جميع الأنواع:
الرئيس الأمريكي ويليام هاريسون يمكن وصفه بأنه أول من استخدم الأكاذيب الصريحة خلال حملته الانتخابية. في اجتماعات مع الناخبين، أفاد بأنه ولد في عائلة رجل فقير، والأمر ليس كذلك، فقد ولد هاريسون في عائلة ثرية تنتمي إلى النخبة الأمريكية.
أما الرئيس جورج بوش الأب، فقد نطق أمام كاميرات التلفزيون بعبارة دخلت المعجم السياسي الأمريكي، حين قال “اقرأوا شفتي: لن تكون هناك زيادة ضريبية!”، وسرعان ما رفع بوش الضرائب، و”على عينك يا تاجر”، كما يقول المثل الشعبي.
رؤساء الولايات المتحدة استغلوا في البداية الحق في الإغفال والتجاهل، حيث رفض على سبيل المثال، جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة في عام 1795 إبلاغ الكونغرس بتفاصيل المفاوضات السرية مع الإمبراطورية البريطانية.
كما رفض مسؤولو الرئيس جيمس مونرو، واضع أسس “عقيدة مونرو” الشهيرة، أن يقدم إلى الكونغرس النصوص الكاملة للاتفاقيات التي أبرمتها الولايات المتحدة مع دويلات أمريكا الوسطى.
قام بذلك جون كوينسي آدامز، وزير الخارجية الأمريكي، والمؤلف المشارك لـ” مبدأ مونرو”، الذي أصبح فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة.
في منصب وزير الخارجية الأمريكية، قاد آدامز حملة تضليل للمجتمع الأمريكي، ونشر تحت اسم مستعار مقالات تحتوي على معلومات خاطئة عن عمد.
أكاذيب الرؤساء الأمريكيين كانت توجه أحيانا بشكل خاص من أجل الحرب. في عام 1848، حاول الرئيس جيمس بولك التفاوض مع المكسيك من أجل شراء شراء أراضي ولايتي كاليفورنيا ونيو مكسيكو الأمريكيتين حاليا.
وقف رجال الدولة في المكسيك ضد هذه الصفقة، فأرسل بولك للضغط عليهم و”إقناعهم”، مجموعة صغيرة من القوات إلى تلك المناطق. القوات المكسيكية اعتبرت ظهور الجنود الأمريكيين في ذلك المكان والتوقيت عملا عدوانيا وهاجمتهم.
إثر ذلك، صرّح الرئيس الأمريكي أن الجيش المكسيكي غزا أراضي الولايات المتحدة غدرا وأعلن الحرب، وبالمحصلة فقدت المكسيك حوالي نصف أراضيها.
الرئيس ويليام ماكينلي واصل نفس النهج. في عام 1898، رست البارجة الأمريكية “مين” في ميناء هافانا لحماية أرواح وممتلكات المواطنين الأمريكيين وبعد 20 يوما انفجرت بشكل مفاجئ.
لجنة أمريكية خلصت إلى أن السفينة تم تفجيرها من قبل الإسبان، في حين أن السبب في الانفجار كان للتعامل غير السليم مع الفحم.
ماكينلي ببساطة قرر انتهاز الفرصة، وألقى باللوم على الإسبان في الهجوم، فشن الحرب، واستولت الولايات المتحدة على كوبا والفلبين وبورتوريكو.
الرئيس هاري ترومان بدوره أعلن في عام 1945، عن أول قصف نووي في التاريخ، زاعما أن القوات الجوية الأمريكية أسقطت قنبلة خارقة على القاعدة العسكرية اليابانية في هيروشيما.
في واقع الأمر، كانت توجد بالمنطقة وحدة عسكرية صغيرة للغاية في هيروشيما، في حين أن الغالبية الساحقة من القتلى في الضربة النووية الأولى كانوا من المدنيين اليابانيين.
كان الرئيس دوايت أيزنهاور مستغرقا في الإدلاء بحديث في عام 1960، حين أسقطت طائرة التجسس الأمريكية من طراز “يو -2 ” فوق “سفيردلوفسك” بالاتحاد السوفيتي.
بعد تصريح الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف بهذا الشأن، نفى أيزنهاور الأمر، لكنه ادعى لاحقا أن الصواريخ السوفيتية أسقطت “طائرة بحثية” خرجت عن مسارها أثناء إجراء مسوحات إرصاد جوية.
حين انكشف أن قائد طائرة التجسس “يو – 2 ” لا يزال على قيد الحياة، وأنه سقط في أيدي السوفييت وأدلى بشهادته، استخدمت الإدارة الأمريكية تكتيكا مختلفا، أعلنت أن الرئيس لا علم له بالأمر!
الرئيس ليندون جونسون واصل نهج الكذب واتهم في عام 1964، فيتنام الشمالية بمهاجمة السفن الأمريكية في خليج تونكين، ونتيجة الكذب كان التورط في حرب فيتنام الدموية الطويلة.
لم يكن تصريح جونسون مبنيا على أي أساس، فلا وجود لهجوم من قبل الفيتناميين الشماليين، بل إن كل المشكلة كانت منحصرة في رادار تالف.
ليندون جونسون خلال حرب فيتنام أخفى عمدا المعلومات السلبية حول مسار الحرب من أجل الحفاظ على زخم القتال! وجرى حذف كل ما يتعارض مع هذه الصورة، وأجبر القادة العسكريين إلى الإبلاغ فقط عن الأنباء السارة.
فضيحة ووترغيت التي جرت قبيل إعادة انتخاب الرئيس ريتشارد نيكسون لولاية ثانية، جرت حين تم القبض على خمسة رجال أثناء اقتحامهم مقر اللجنة الوطنية للديمقراطيين، وكانت متمركزة في فندق ووترغيت.
التفاصيل التي ظهرت في العام التالي، أكدت أن مسؤولين مقربين من نيكسون أعطوا الأوامر للمتسللين، لزرع أجهزة تنصت على الهواتف هناك.
نفى نيكسون أي علاقة له بالأمر، وأعلن أمام الملأ براءته قائلا: ” أنا لست محتالا”. وكان يكذب!
جرى الكشف عن تسجيل محادثات خاصة بالبيت الأبيض حول الأمر، وطلبت لجنة التحقيق تسليمها الأشرطة. رفض نيكسون على أساس “الامتياز التنفيذي” تنفيذ الأمر.. نقلت القضية إلى المحكمة العليا الأمريكية، التي الزمته بالتخلي عن تلك التسجيلات.
عند بدء إجراءات المساءلة، أذعن نيكسون واستقال من منصبه، وتركت تلك الفضيحة ندبة غائرة وأبدية على المشهد السياسي الأمريكي.
عن آثار تلك الفضيحة المدوية، كتب في عام 2017 المعلقان السياسيان أنتوني ديفيز وجيمس هاريجان يقولان: “في أعقاب ووترغيت، أصبح الشعب الأمريكي يعتقد ببساطة بعدم وجود شيء اسمه سياسي نزيه… لقد أصبح الناخبون ملتزمين بأكاذيب السياسيين إلى درجة أنهم يتجاهلون بشكل روتيني الفضائح التي من شأنها أن تجعل نيكسون يخجل”.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وزادت “شهية” الكذب لدى الرؤساء الأمريكيين حتى أن الأمر أصبح تقليديا خاصة في الشؤون الدولية وتحت حماية جبروت القوة ومصائد النفوذ، وألة إعلامية جبارة تغسل الأدمغة وتحيل السواد إلى بياض ناصع.