كما كنت قد وعدت بالوقوف عند نصيب القضية الجنوبية من التسوية المنتظرة أو ما أسميته بــ”مآلات عاصفة الحزم”، ها أنذا اليوم أتوقف عند هذه القضية، لكن قبلها لا بد من التنويه إلى أن لقاءات صنعاء بين الحوثيين ووفدي المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان الشقيقتين، لم تسفر بعد عن نتيجة وكل ما رشح عنها هو تلك الحملة الشعواء التي يشنها الإعلام الحوثي والقادة الحوثيون على السفير السعودي والدولة السعودية كـ”دولة عدون” وهم ما يعني أن الطريق المسدود سيكون أحد احتمالات مآلات هذه المفاوضات الجارية.
وعلى عجالة أشير إلى أن الحوثيين يستغلون الرغبة السعودية في إنهاء الحرب وعقد تسوية سياسية في اليمن وحاجة الشقيقة السعودية إلى السلام والتفرغ للتنمية والنهوض الاقتصادي، يستغلون كل هذا ليصوروه على إنه انتصارٌ لهم وهزيمة للسعودية وبالتالي تحويل كل هذا إلى وسيلة لابتزاز المملكة أولاً وبقية الأطراف ثانيا بغرض تحسين شروط التفاوض في المرحلة القادمة.
ولن أتحدث كثيرا عن وضع الشرعية وحكومتها فهؤلاء “على الأرائكِ متكئون” ينتظرون ما سيأتيهم به المفاوض السعودي الشقيق، ليس فقط لأن الحوثي يرفض التفاوض معهم ولا يعترف بشرعيتهم، ولكن لأنهم اعتادوا على أن ينوب عنهم الأشقاء في كل شيء من طلقة الرصاص وقصف مستودعات ذخيرة الحوثي وتدمير بنيته العسكرية التحتية إلى التسويق الدبلوماسي لشرعيتهم في المحافل الدولية، فلماذا يرهقون أدمغتهم وأجسادهم طالما وهناك من يفكر ويفعل نيابةً عنهم؟
ولنعد إلى موضوع القضية الجنوبية وماذا ينتظر الجنوبيون؟؟
يكتسح الشارع الجنوبي موجتان متناقضتان من الشعور:
* يرى أصحاب الموجة الأولى أن القضية الجنوبية في طريقها إلى الاضمحلال والتغيُّب أو التغييب بسبب الكثير من العوامل ،منها (كما يقولون)، عدم رغبة المجتمع الدولي والإقليمي بإعادة قيام دولة في الجنوب، ويرى البعض أن دول الخليج تنتقم من الجنوبيين على خلفية ثأرات قديمة، أو بسبب عدم فرض أمر واقع في الجنوب بعيد حرب 2015م وسيطرة الجنوبيين على أرضهم وإعلان دولتهم، أو بسبب افتقاد المحاور الجنوبي للمهارة السياسية (كما يقولون) واكتفائه بقبول ما يقدمه الوسطاء وعدم استعانة المفاوضين بالخبراء في القانون الدولي والدستوري والعلاقات الدولية، بل لقد وصل التشاؤم بالبعض إلى اتهام الممثل الجنوبي (المجلس الانتقالي الجنوبي) ببيع القضية وقبوله بأي صدقات يقدمها له الشريك الإقليمي والدولي، ومعظم (إن لم أقل كل) هذه التقولات لا تصمد أمام منطق المحاججة والحقائق القائمة على الأرض.
* بينما يرى أصحاب الموجة الثانية بمستوى عالي من التفاؤل والثقة أن القضية الجنوبية قد دخلت طور الحل بدليل الاعتراف الإقليمي والدولي بممثلي الجنوب وإشراكهم في سلطة الشرعية من خلال عضوية مجلس الرئاسة وفي حكومة المناصفة، وإدراج القضية الجنوبية في مفاوضات الحل النهائي.
لن أخوض في محاججة أفكار وحجج أصحاب الموجتين أو الانطباعين، لكنني سأتوقف عند السؤال الأساسي لهذا المنشور وهو: ماذا سينال الجنوبيون من كل ما أفرزته عاصفة الحزم سواء في بداياتها الأولى حينما قدم الجنوبيون خيرة أبنائهم دعماً وإسناداً للعاصفة حتى تمكنوا من دحر القوات الانقلابية إلى ما وراء حدود 1990م، بل ومشاركة المقاومة التهامية في تحرير مناطق الساحل الغربي وصولاً حتى بوابة مطار الحديدة وكذلك تحرير مديري جرير في إطار تحرير مديريات بيحان الثلاث، أو في المراحل اللاحقة وما قدمه ويقدمه الجنوبيون في مكافحة الجماعات الإرهابية في محافظات عدن وأبين ولحج وشبوة وساحل حضرموت، أو في اللحظة الراهنة التي تتجه الأمور فيها نحو التعامل المباشر مع الجماعة الحوثية الانقلابية؟
إن منحنى التسوية يشير إلى أن الأشهر وربما في الأسابيع والأيام القادمة تحمل من المفاجآت ما لا يتوقعه الكثيرون خصوصاً وقد صارت دول التحالف العربي تتعامل مباشرة مع الجماعة الحوثية الانقلابية، ما يعني أن حظوظ ممثلي الشمال في الشرعية تتراجع وفي أحسن الأحوال سيكونون شريكا ثانوياً في حكومة ائتلافية بناء على تسوية ما، حكومة يتحكم الحوثيون في سياساتها ومواقفها ، ومن يومها لن يتحدث العالم إلا مع حكومة يمنية واحدة يقودها الحوثيون، ويبقى على الجنوب والجنوبيين أن يعدوا أنفسهم لتحديات جديدة قد تتشابه مع تحديات العام 2014/2015م، حينما وجد الجنوبيون أنفسهم طرفاً في حرب لم يكن لهم فيها من الأسباب سوى إنهم رفعوا أصواتهم وقدموا أبناءهم قربانا لثورة سلمية استهدفت إنهاء سياسات الاحتلال والسلب والنهب والاستباحة والقمع والتنكيل والتمييز والتهميش.
الذين يعتقدون أن السلام والاستقرار ممكنان سواءٌ مع الجماعة الحوثية وحدها أو بمشاركة الشرعيين الشماليين، بتجاهل القضية الجنوبية أو التحايل عليها، سيصدمون عدة مرات، مرةً عندما ينكث شركاء التسوية بكل ما وقعوا عليه من مواثيق وتعهدات كعادتهم الأصيلة، بعد أن يكونوا قد رتبوا أوراقهم وأعادوا تموضع قواتهم وأعدوا العدة لما بعد (التسوية) الهشة، ومرةً عندما يكتشفون أن سياسات تجاهل القضية الجنوبية والتحايل والخداع في التعامل مع مطالب المواطنين الجنوبيين هي سياسات مرفوضة من قبل الغالبية الجنوبية، بجملتها وتفاصيلها، سواءٌ قبل أن تولد التسوية المفترضة أو بعد ولادتها إذا لم تتعسر الولادة ويخرج المولود ميتاً.
أيهاالجنوبيون!
كل هذا لا يعفيكم من إعداد أنفسكم لأسوأ الافتراضات، فالذي يجوع شعبكم ويحرمكم من أبسط الخدمات الضرورية للحياة ويستولي على مرتبات موظفيكم ومتقاعديكم وينهب مقدراتكم ومواردكم ويتحكم في التصرف بثرواتكم وهو مقيم في أرضكم ويمارس سياساته منطلقاً من دياركم وتحت حمايتكم، لن يكون أكثر رفقاً بكم عند ما يلتحق بشريكه الجديد، الذي كنتم ذات يوم قد هزمتموه شر هزيمة ومرغتم أنفه بالوحل، فكونوا عند مستوى معركتكم القادمة.