رصد العلماء موجات زلزالية تتحرك عبر قلب المريخ لأول مرة، ما يقدم أدلة جديدة حول تكوين نواة الكوكب الرابع من الشمس.
واستخدم فريق دولي – شمل علماء الزلازل في جامعة ماريلاند – البيانات الزلزالية التي حصل عليها مسبار إنسايت (InSight) التابع لناسا لقياس خصائص نواة المريخ مباشرة، ووجدوا نواة من سبائك الحديد السائل تماما مع نسب عالية من الكبريت والأكسجين.
ونشرت هذه النتائج في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences في 24 أبريل 2023، وتكشف عن رؤى جديدة حول كيفية تشكل المريخ والاختلافات الجيولوجية بين الأرض والكوكب الأحمر والتي قد تلعب في النهاية دورا في الحفاظ على قابلية الحياة على الكوكب.
وقال الأستاذ المساعد في الجيولوجيا بجامعة ماريلاند (UMD)، فيدران ليكيتش، المؤلف المشارك للورقة البحثية: “في عام 1906، اكتشف العلماء لأول مرة نواة الأرض من خلال مراقبة كيفية تأثر الموجات الزلزالية من الزلازل بالسفر عبرها. وبعد أكثر من مائة عام، نطبق معرفتنا بالموجات الزلزالية على المريخ. مع إنسايت، نكتشف أخيرا ما هو في مركز المريخ وما الذي يجعل الكوكب متشابها جدا ولكنه متميز عن الأرض”.
ولتحديد هذه الاختلافات، تتبع الفريق تطور حدثين زلزاليين بعيدين على سطح المريخ، أحدهما ناجم عن زلزال مريخي والآخر بسبب تأثير نيزكي كبير على الجانب الآخر من المريخ، واكتشف موجات مرت عبر نواة الكوكب.
ومن خلال مقارنة الوقت الذي استغرقته هذه الموجات في السفر عبر المريخ مقارنة بالموجات التي بقيت في الوشاح، ودمج هذه المعلومات مع القياسات الزلزالية والجيوفيزيائية الأخرى، قدر الفريق كثافة وانضغاط المواد التي مرت بها الأمواج.
وأشارت نتائج العلماء إلى أن المريخ يحتوي على الأرجح على نواة سائلة للغاية، على عكس تركيبة الأرض المكونة من نواة خارجية سائلة ونواة داخلية صلبة.
بالإضافة إلى ذلك، استنتج الفريق تفاصيل حول التركيب الكيميائي للنواة، مثل الكمية الكبيرة المدهشة من العناصر الضوئية (العناصر ذات الأعداد الذرية المنخفضة) – أي الكبريت والأكسجين – الموجودة في الطبقة الداخلية للمريخ.
وتشير نتائج الفريق إلى أن خُمس كتلة النواة يتكون من تلك العناصر الخفيفة. وتختلف هذه النسبة المرتفعة بشكل حاد عن نسبة الكتلة الأقل نسبيا للعناصر الخفيفة في نواة الأرض، ما يشير إلى أن نواة المريخ أقل كثافة بكثير وأكثر انضغاطا من نواة الأرض، وهو اختلاف يشير إلى ظروف تكوين مختلفة لكوكبين، ما يوفر بعض التلميح عن سبب كون الأرض مفعمة بالحيوية بينما يبدو أن المريخ يخلو من الحياة.
وأوضح نيكولاس شمير، عالم الجيولوجيا بجامعة ماريلاند وأحد مؤلفي الورقة البحثية: “يمكن أن تكون خصائص نواة الكوكب بمثابة ملخص حول كيفية تشكل الكوكب وكيفية تطوره ديناميكيا بمرور الوقت. ويمكن أن تكون النتيجة النهائية لعمليات التكوين والتطور إما توليد أو غياب ظروف تحافظ على الحياة. إن تفرد نواة الأرض يسمح لها بتوليد مجال مغناطيسي يحمينا من الرياح الشمسية، ما يسمح لنا بالحفاظ على المياه. ولا تولد نواة المريخ هذا الدرع الواقي، وبالتالي فإن ظروف سطح الكوكب معادية للحياة”.
على الرغم من أن المريخ لا يحتوي حاليا على مجال مغناطيسي، إلا أن العلماء يفترضون أنه كان هناك ذات مرة درع مغناطيسي مشابه للمجال المتولد من نواة الأرض بسبب آثار المغناطيسية العالقة في قشرة المريخ.
وأشار ليكيتش وشمير إلى أن هذا قد يعني أن المريخ تطور تدريجيا إلى ظروفه الحالية، متحولا من كوكب يحتمل أن يكون بيئة صالحة للسكن إلى كوكب معادي للحياة بشكل لا يصدق.
ووفقا للعلماء، تلعب الظروف في الداخل دورا رئيسيا في هذا التطور، وكذلك التأثيرات العنيفة.
وأكدت النتائج في النهاية دقة تقديرات النمذجة الحالية التي تهدف إلى كشف الطبقات المخبأة تحت سطح الكوكب.
وبالنسبة لعلماء الجيوفيزياء مثل ليكيك وشمير، فإن مثل هذا البحث يمهد الطريق أيضا لبعثات جيوفيزيائية مستقبلية إلى الأجرام السماوية الأخرى، بما في ذلك كواكب مثل الزهرة وعطارد.
وقال ليكيتش: “على الرغم من انتهاء مهمة إنسايت في ديسمبر 2022 بعد أربع سنوات من المراقبة الزلزالية، ما زلنا نحلل البيانات التي تم جمعها. وسيستمر إنسايت في التأثير على كيفية فهمنا لتشكيل وتطور المريخ والكواكب الأخرى لسنوات قادمة”.