الصدارة سكاي: القسم السياسي
تكتسب حضرموت أهمية سياسية منذ القدم، نظرًا لما تتمتع به من مساحة شاسعة وموقع استراتيجي، وإطلالتها على البحر العربي، وما تتمتع به من ثروات طبيعية هائلة، فضلًا عن ما تكتنزه المحافظة من إرث تاريخي وحضاري كبير، ومجتمع أكثر تحضرًا ومدنية، وأكثر تجانسًا وسلمية، كل هذه العوامل أكسبت حضرموت أهمية أكثر من كونها محافظة.
منذ انتهاء حرب صيف 94 واجتياح القوات الشمالية للجنوب، لم تغب حضرموت عن مسرح الأحداث السياسية في الجنوب التي أعقبت الغزو، بل أن هذه المحافظة – ذات المساحة الجغرافية الشاسعة التي تمثل أكثر من ثلث مساحة اليمن- تصدرت أحيانًا كثيرة، مسرح الأحداث السياسية في الجنوب، عبر الاحتجاجات والثورة ضد الوضع القائم ما بعد الاجتياح، ولعل أبرز هذه الفعاليات السياسية وأقدمها تلك التي خرجت من عاصمة المحافظة للمطالبة بتصحيح مسار الثورة الجنوبية في تسعينيات القرن الماضي، والتي ككل مرة قوبلت بالقمع الكبير، ثم تلتها حركات احتجاجية أخرى جوبهت بذات الأسلوب وصولًا إلى انطلاق الحراك السلمي الجنوبي في العام 2007 والذي ووجه بالقمع ذاته، وكانت حضرموت وحاضرتها المكلا إحدى أبرز معاقل الحراك الجنوبي بفصائله المتعددة.
وما إن قامت الحرب الأخيرة التي شنتها مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، على المحافظات الجنوبية في مسعىً للسيطرة عليها قبل انطلاق عاصفة الحزم التي خلطت أولويات الحوثيين، ورغم أن المحافظة كانت الوحيدة التي لم تشهد معارك معهم، إلا أن حضرموت طالتها حرب أخرى لا تقل عبثًا وفاجعة عن نظيراتها من محافظات الجنوب، حيث سلَّمت قوات الجيش الشمالية الموالية لحزب الإصلاح – جناح الإخوان في اليمن – ضمن قوات المنطقة العسكرية الثانية، كل معسكراتهم بما فيها من عتاد عسكري ضخم لتنظيم القاعدة، ومن دون سابق إنذار ودون معارك تذكر وبشكل مفاجئ صارت مدينة المكلا عاصمة المحافظة تكتسي شوارعها وأزقتها بشعارات التنظيم الإرهابي الذي شرع في فرض أعرافه في حكم المدينة.
كان ذلك في صبيحة الـ 2 من أبريل 2015، حيث حاصرت مجاميع مسلحة من تنظيم القاعدة، مدينة المكلا، انتشرت في المباني الرئيسية بعد مهاجمة السجن المركزي وإطلاق سرح قرابة 300 سجينًا بينهم الزعيم الحالي للقاعدة في جزيرة العرب خالد باطرفي. أسقط التنظيم المُتشدد المكلا ومناطق ساحل حضرموت تباعًا خلال ساعات معدودة فقط.
استمر الوضع قرابة العام قبل أن تتشكل قوات النخبة الحضرمية بدعم إماراتي وتتجه لتحرير المحافظة من سلطة الجماعات المتشددة، بينما بقيت قوات المنطقة العسكرية الأولى المسيطرة على منابع النفط والموالية لحزب الإصلاح بعيدة عن كل ما يجري في حضرموت وخارجها، الأمر الذي جعل مراقبون يضعون علامات استفهام كثيرة حول مهمة هذه القوات.
دور مشبوه لقوات المنطقة العسكرية الأولى ومخاوف من تكرار سيناريو المنطقة العسكرية الثانية
لا تمر مناسبة ولا حدث إلا وكرر المجلس الانتقالي الجنوبي مطالبته بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من حضرموت الوادي، وتسليم أمر الأمن فيها لأبناء المحافظة، وتحظى هذه الدعوات بدعم شعبي كبير في المحافظة، تترجمها المهرجانات والفعاليات والاعتصامات الشعبية المستمرة منذ سنوات، للمطالبة برحيل هذه القوات، وتنفيذ اتفاق الرياض الذي قضى بخروج القوات العسكرية لمواجهة الحوثيين، وكونه من البديهي أن يكون مكانها الطبيعي في الجبهات لمواجهة مليشيات الحوثي، بحسب ما يطرحه الكثيرون وكونها القوات الوحيدة التي لم تنخرط في الصراع، وبقيت جاثمة على منابع النفط هناك، وزاد الأمر إلحاحًا بضرورة مغادرتها مع ورود تقارير استخباراتية عن تورط قوات المنطقة العسكرية الأولى، بعلاقات مشبوهة داعمة للجماعات والتنظيمات الإرهابية، وتسهيل عملية تهريب الأسلحة برًا إلى الحوثيين في صنعاء، وهي اتهامات تعززها صور قادمة من معاقل هذه القوات، حيث يتفاجأ الناس – بحسب ناشطون- بظهور ملصقات وشعارات الجماعة الحوثية، على جدران المباني وفي أزقة المناطق القريبة من الثكنات العسكرية، وبحسب الناشط الحضرمي أسامه محمد فإنه يُخشى أن يستيقظ الناس ذات يوم على صرخات الحوثيين أو تكبيرات القاعدة كما حصل في المكلا، وهو أمر غير مستبعد في مسعىً “لعرقلة أي جهود لتوحيد الجبهة الجنوبية وتحقيق الاعتراف بحق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره.
انعقاد اجتماع الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي في حضرموت دلالات الزمان والمكان
اختار المجلس الانتقالي الجنوبي، يوم 21 مايو موعدًا لانعقاد الاجتماع الدوري للجمعية الوطنية للمجلس، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى فك الارتباط الذي أعلنه الرئيس الجنوبي علي سالم البيض في العام 1994 من داخل مدينة المكلا نفسها، بعد أربعة أعوام من الوحدة التي توجت بإعلان الحرب على الجنوب، وهو توقيت له دلالاته السياسية كتعبير عن تجديد هذا الإعلان والتمسك به بعد فشل مشروع الوحدة.
كما أن انعقاد اجتماع الجمعية الوطنية للمجلس في حضرموت يأتي بعدما أحدث المجلس الانتقالي الجنوبي تغيير كبير في بنيته التنظيمية، حيث جرت هيكلة المجلس، وتصدرت حضرموت قائمة التعيينات الجديدة، حيث اختير نائبين حضرميين لرئيس المجلس من أصل ثلاثة نواب، بالإضافة إلى عضوية عمرو البيض نجل الرئيس الجنوبي علي البيض وفادي باعوم نجل الزعيم الجنوبي حسن أحمد باعوم.
ويأتي هذا الانعقاد حاملًا الكثير من الدلالات والمؤشرات التي لا يمكن إغفالها، خاصةً وأن الذي يرتب لانعقاد اجتماعات الجمعية العمومية هذه المرة هو عضو مجلس القيادة الرئاسي، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء ركن فرج البَحسني، محافظ حضرموت السابق، والقائد السابق للمنطقة العسكرية الثانية في ساحل حضرموت، الأمر الذي يمكن أن يبوح بالكثير من المعطيات.
أولى تلك المعطيات أن المجلس الانتقالي الجنوبي أضاف وزنًا آخر إلى وزنه الكبير في المحافظة، بإضافة شخص بحجم البحسني، مع صفته القيادية في المجلس الرئاسي اليمني، والاستفادة من قدرات البحسني الذي يحظى بشعبية وتجربة عسكرية وسياسية كبيرة في الوصول إلى وادي حضرموت، وترتيب عملية التواجد الحقيقي ميدانيًا وعسكريًا للمجلس في الوادي.
أبرز ما سيتم نقاشه في اجتماع الجمعية الوطنية الجنوبية
تحدثت مصادر إعلامية مقربة من المجلس الانتقالي الجنوبي، بأن هذه الدورة المنعقدة يوم 21 مايو في مدينة المكلا ستقف أمام عدة ملفات أهمها :- تشريع الميثاق الوطني الجنوبي والنجاحات التي تحققت، كما ستقف أمام هيكلة المجلس ومنها هيكلة الجمعية.
وتحدثت ذات المصادر بأنه سيتم نقاش مفاوضات السلام الشامل القادمة وأسس وضع إطار خاص لقضية شعب الجنوب، بالإضافة إلى مناقشة وجود قوات المنطقة العسكرية في وادي حضرموت ووضع حد لتماطل بعض الأطراف من تطبيق اتفاق الرياض .
كما من المتوقع أن يناقش المجتمعون الوضع الاقتصادي المتردي في الجنوب مع استمرار سياسة التعذيب الممنهج للشعب في الخدمات.
توقعات بقرارات ستصدر بالتوازي مع انعقاد الاجتماع
يتوقع البعض بأن انعقاد الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي لن يكون كغيره من الاجتماعات، كما يتوقع أن تصدر قرارات هيكلة للجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، ومنها توسعة عضوية الجمعية، بإضافة أشخاص إلى قوام الجمعية من البرلمانيين الجنوبيين (أعضاء مجلس النواب اليمني المنتهية ولايته) وشخصيات أخرى فاعلة في المشهد السياسي.
لكن القيادي في الحراك الجنوبي علي المصعبي، أمين عام حزب جبهة التحرير – الذي انخرط في مشاورات مؤتمر الحوار الوطني الجنوبي الذي رعاه المجلس الانتقالي قبل أيام- كشف عن مفاجآت ستُعلن يوم 21 مايو الجاري تغريدة له على حسابه في تويتر رصدها محرر “الصدارة سكاي” حيث قال: شخصيات جنوبية من الإصلاح من العيار الثقيل ستنضم للانتقالي و تفك ارتباطها عن حزب الإصلاح مضيفًا بأن قيادات نسائية كبيرة ستنضم للانتقالي في 21 مايو”.
خلاصة الأمر:
يعتقد الكثير من المراقبين على أن المجلس الانتقالي الجنوبي، ألقى بجل ثقله شرقًا وركز كافة جهوده لفرض تواجده عسكريًا وسياسيًا مسنودًا بزخمه الشعبي الكبير هناك، وسيزيد من ضغطه على المجلس الرئاسي لاستصدار قرارًا بسحب قوات المنطقة العسكرية الأولى الجاثمة على منابع النفط في وداي حضرموت، وتسليم مهام الأمن لأبناء المحافظة نفسها.