اطلعت بي بي سي نيوز عربي على وثائق تكشف أن طرفي النزاع في السودان، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قد تُوجَّه إليهما اتهامات بارتكاب جرائم حرب تتعلق بالمنشآت الطبية والعاملين فيها.
وتعرضت المستشفيات للغارات الجوية ونيران المدفعية، بينما كان المرضى لا يزالون في المبنى، واستُهدف الأطباء بالهجوم، وكلها جرائم حرب محتملة.
وبحسب نقابة الأطباء السودانية، فإن عددا محدودا من مستشفيات العاصمة الخرطوم، البالغ عددها 88، لا تزال أبوابها مفتوحة لاستقبال المرضى، بعد أسابيع من القتال.
استخدم فريق بي بي سي بيانات الأقمار الاصطناعية وأدوات رسم الخرائط، وقام بتحليل المحتوى الذي ينشره المستخدمون على نطاق واسع، وتحدث إلى عشرات الأطباء، لتكوين صورة شاملة عن كيفية تأثر المستشفيات والعيادات الطبية بالاشتباكات الدائرة بين جانبي الصراع في السودان.
ووصفت منظمة الصحة العالمية الهجمات بأنها “انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني” مضيفة “ينبغي أن تتوقف الآن”.
بدأ القتال في السودان في 15 أبريل/ نيسان الماضي، واندلع بسبب صراع على السلطة بين الحليفين السابقيْن، قادة الجيش النظامي وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
مستشفى ابن سينا بالخرطوم هو أحد المستشفيات التي رصدت بي بي سي استهدافها في غارة جوية أو بنيران المدفعية عندما كان المسعفون يعالجون المرضى المدنيين.
الدكتور علاء، جراح في المستشفى، وكان وموجودا وقت وقوع الهجوم في 19 أبريل/نيسان.
يقول: “لم نتلقّ أي تحذير. استُهدف مستشفى ابن سينا الذي كنت أعمل فيه بثلاث قنابل، بينما أصابت قنبلة رابعة سكن الممرضات الذي اشتعلت فيه النيران بالكامل”.
ويقول كريستيان دي فوس، خبير القانون الجنائي الدولي في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان غير الحكومية، إن هذا قد يصنَّف على أنه جريمة حرب.
وأضاف: “ينبغي التحذير من أي غارة جوية وشيكة؛ كي يتمكن جميع المدنيين من إخلاء المستشفى قبل الضربة الجوية، وهذا واضح للغاية بموجب قوانين الحرب”.
بالنظر إلى صور الهجوم، قال خبير الأدلة الجنائية كريس كوب سميث، إنه قد يكون ناجما عن نيران المدفعية.
وعدم اليقين بشأن نوع السلاح المستخدم، يعني صعوبة التأكد من حقيقة الجانب المسؤول، ومن مدى قصده ارتكاب ذلك.
مستشفى شرق النيل منشأة طبية أخرى تعرضت للقصف، وهي من أواخر المستشفيات التي تعمل في ذلك الجزء من العاصمة.
واطلعت بي بي سي على أدلة على قيام مقاتلي قوات الدعم السريع بمحاصرته بمركباتهم وأسلحتهم المضادة للطائرات.
وهناك تقارير عن إجلاء المرضى قسرا من المبنى، لكننا تحدثنا أيضا إلى شهود قالوا إن المدنيين مستمرون في تلقي العلاج إلى جانب جنود قوات الدعم السريع.
في 1 مايو/أيار، تعرضت منطقة عامة بجوار مستشفى شرق النيل لغارة جوية للجيش السوداني، ولم يصدر تحذير، بحسب مصادر تحدثت إليها بي بي سي.
وقتل خمسة مدنيين في ذلك الهجوم.
وبعد أسبوعين، وقعت غارة جوية أخرى، لكن لا يوجد تأكيد مستقل لعدد الجرحى.
وذكرت منظمة الصحة العالمية أن تسعة مستشفيات استولى عليها مقاتلون من طرفي النزاع.
وقال دي فوس: “إن المعاملة التفضيلية للجنود على حساب المدنيين، ليست استخداما على النحو المناسب لمنشأة طبية، وقد تشكل انتهاكا لقوانين الحرب”.
من جانبه، نفى مصطفى محمد إبراهيم، المستشار السياسي لقوات الدعم السريع، حرمان المدنيين من تلقي العلاج، وقال لبي بي سي: “قواتنا تنتشر فقط. جنودنا لا يحتلون المبنى ولا يمنعون المدنيين من تلقي العلاج في هذه المستشفيات”.
ولم يقدم الجيش السوداني ردا على نتائج هذا التحقيق.
هناك أيضا أدلة على جريمة حرب محتملة أخرى، وهي استهداف الأطباء.
وأطلعت بي بي سي على رسائل منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي تهدد الأطباء بالاسم، بل وتنشر أرقام هوياتهم الشخصية، وتتهمهم بدعم قوات الدعم السريع وتلقي أموال من الخارج.
وفي مقطع مصوّر انتشر على نطاق واسع، قال اللواء طارق الهادي كجاب، الضابط بالجيش السوداني: “ما تُسمى لجنة الأطباء المركزية، ينبغي أن يُطلق عليها لجنة المتمردين!”
وتراقب منظمات الأطباء السودانيين، التهديدات التي يقولون إنهم يتلقونها من كلا الجانبين، وتحدثت بي بي سي إلى الأطباء الذين لجأوا للاختباء.
وقال الدكتور محمد عيسى، عضو جمعية الأطباء السودانيين الأمريكيين: “نعلم أن هذا تكتيك يستخدم في الحروب للضغط، وهذا غير قانوني وفق جميع القوانين الدولية. ولسوء الحظ، فقد تم الدفع بهذا الكادر الطبي إلى حرب دعائية بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني”.
ودعا الأطباء في جميع أنحاء العالم إلى وضع حد لاستهداف زملائهم.
وفي مؤتمر عقد في لندن الأسبوع الماضي، أفادت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في السودان، بمقتل طاقم طبي واستهداف سيارات الإسعاف، وإجبار المستشفيات على إغلاق أبوابها.
وقال الدكتور أحمد عباس: “نجمع كل الأدلة على هذه التجاوزات، وهي جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ويمكن عرضها على السلطات القضائية الدولية، أو السلطات المحلية في السودان”.