هكذا ستطال الكارثة بحرين وتسع دول، بينما ستنتهي ملايين الأصناف البحرية، وعدة موانئ ستتوقف، وترتفع أسعار الوقود 800%.. (خزان صافر النفطي) حينما يُفيق العالم على أكبر كارثة بيئية (تقرير)
بينما تضع الدول الفاعلة في الملف اليمني كل ثقلها لإيجاد تسوية شاملة لأزمة تجاوز عمرها ثمان سنوات؛ يغمض العالم عينيه عن أكبر كارثة محدقة، تهدد حاضر ومستقبل هذه البلاد المنكوبة ومن جاورها، وبات احتمال وقوعها جديًا أكثر من أي وقت مضى.
بحرين وتسع دول ستطالها الكارثة،ملايين الأصناف البحرية ستنتهي، وعدة موانئ ستتوقف، بينما سترتفع أسعار الوقود 800%.. خزان صافر النفطي.. حينما يُفيق العالم على أكبر كارثة بيئية
الصدارة سكاي: قسم الرصد والتحليل
لا يُذكر خزان صافر النفطي العام إلا وذكرت معه مصطلحات الكارثة الوشيكة، أو القنبلة الموقوتة، أو القاتل الرابض فوق مياه البحر الأحمر، وهي أقل مصطلحات يمكنها أن تختصر المجهول الذي يحمل معه تنبؤات بحجم الخطر المحدق على اليمن والدول الواقعة على ساحل البحر الأحمر، بمجرد حدوث التسرب من الناقلة كسيناريو هو الأرحم بين كل السيناريوهات المحتملة لمآلات كارثة صافر إذا لم يتم تفاديها، ولعل أسوأ السيناريوهات المتوقعة، هو انفجار الخزان العائم مخلفًا كارثة مدمرة ستطال كل الدول المطلة على البحر الأحمر وربما سينفذ نحو البحر العربي مرورًا بباب المندب وخليج عدن.
من عدن إذًا إلى الحديدة، إلى جدة السعودية، إلى الصومال وجيبوتي في الضفة الأخرى وحتى السودان وإريتريا، وصولًا إلى الأردن وفلسطين وانتهاءًا بقناة السويس في أقاصي مصر، الجميع سيلقى نصيبه من كارثة قنبلة صافر، وإن بنسب متفاوتة بحسب تقارير أممية.
هنا بدأت القصة:
ترسو الكارثة العائمة، أو ما اصطلح على تسميتها بخزان النفط العائم “صافر” على بعد 8 كيلومترات قبالة ميناء رأس عيسى، ويبعد 60 كيلومترًا شمال مدينة الحديدة.
شيدت اليابان الناقلة “صافر” عام 1976 واستخدمتها لمدة 10 سنوات كناقلة عملاقة للنفط الخام، وفي عام 1986، تحولت الناقلة التي تبلغ سعتها 3.1 مليون برميل إلى وحدة تخزين وتفريغ عائمة تحمل اسم “صافر”.
قبل حرب العام 2015 كان خزان صافر يستقبل ما يربو من 100 ألف برميل من النفط الخام يوميًا من حقول النفط قبل أن يتم تحميلها إلى ناقلات التصدير. وتقع هذه الناقلة بالقرب من أحد أهم الموانئ البحرية في اليمن -ميناء الحديدة- وأكثرها حساسية من الناحية البيئية. اندلعت الحرب اليمنية عام 2015 بعد سيطرة المليشيات الحوثية على العاصمة صنعاء قبل أن تتجه جنوبًا في مسعاها للسيطرة على المحافظات الجنوبية بعدما أحكمت قبضتها على معظم مناطق الشمال، في هذا التوقيت كان الخزان العائم “صافر” يحوي حوالي 1.1 مليون برميل من النفط الخام .
تتحدث تقارير أممية عن أن آخر صيانة شاملة أجريت للخزان العائم كان في العام 2013، ومن يومها لم تقم “شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج ” المالكة للخزان بأية عملية صيانة، حيث كانت الشركة قد شرعت في بناء خزانات أرضية بديلة، وكان يفترض الاستغناء عن الكارثة العائمة “صافر” مع حلول العام 2015 لولا أن الحرب عرقلت كل شيء، وتفيد الأمم المتحدة بأن الخزان العائم قد بدأت تظهر عليه علامات خطيرة من الصدأ والتآكل، والتي تتعاظم كل يوم مهددة بانفجار الكارثة لتصبح أكبر أزمة بيئية يشهدها البحر الأحمر وخليج عدن.
مؤخرًا جمعت الأمم المتحدة تبرعات لإنقاذ الناقلة، وعلى إثر ذلك تحركت الناقلة “تشوشان” البديلة لصافر من الصين، وكان يفترض أن تصل إلى موقع الخزان العائم لبدء إجراءات التفريغ، بداية شهر مايو، ثم أُعلن بتاريخ 11 مايو وصول الناقلة البديلة، لكن إجراءات التفريغ لم تبدأ حتى الآن، بسبب عرقلة الحوثيين لجهود الإنقاذ كما كشف مصدر مسؤول في وزارة النقل “للصدارة سكاي” .
غير آبهة بحجم الكارثة وما سيتسبب به صلفها، وتعنتها بخصوص خزان صافر، يستمر الحوثيون في عرقلة أي محاولات لاستدراك الكارثة التي باتت حتمية، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل فوات الأوان.
في أكثر من مناسبة طالبت الأمم المتحدة دول العالم بتحمل مسؤولياتها تجاه الكارثة المحتملة، وطالبت غير مرة بالضغط على مليشيات الحوثي لمنع عرقلة عمليات الصيانة والإنقاذ، كذلك طالبت الدول الأعضاء في مجلس الأمن قبل سنتين من جماعة الحوثي “منح خبراء فنيين تابعين لمنظمة الأمم المتحدة تصريحًا فوريًا وغير مشروط بالصعود على متن الناقلة لتقييم حالتها، وإجراء أي إصلاحات ضرورية ممكنة، إلى جانب تقديم توصيات بشأن استخراج آمن للنفط من على متنها” لكن هذه المناشدات لا تلقى آذانًا صاغية ولا يعيرها الحوثيون أي اهتمام.
مؤخرًا جمعت الأمم المتحدة تبرعات لإنقاذ الناقلة، وعلى إثر ذلك تحركت الناقلة “تشوشان” البديلة لصافر، وكان يفترض أن تصل إلى موقع الخزان العائم لبدء إجراءات التفريغ، بداية شهر مايو، ثم أُعلن بتاريخ 11 مايو وصول الناقلة البديلة، لكن إجراءات التفريغ لم تبدأ حتى الآن، بسبب عرقلة الحوثيين لجهود الإنقاذ كما كشف مصدر مسؤول في وزارة النقل “للصدارة سكاي”
يقول الصحفي المعروف صلاح السقلدي في تصريح خاص “بالصدارة سكاي” بأننا حين نتحدث اليوم عن الخزان (السفينة العائمة ) والتي يبلغ عمرها اكثر من اربعة عقود متهالكة، فاننا نتحدث بالضرورة عن كارثة بيئية وشيكة تقترب حثيثًا بذات درجة تأخر الجهود .
يؤكد السقلدي في تصريحه” للصدارة سكاي” بأن كارثة بحرية ليس لها مثيل خلال العقود الزمنية الاخيرة إن وقعت الواقعة.
ويضيف: “أكثر من مليون برميل نفط الذي تحويه هذه السفينة (الخزان )كفيل وزيادة بتلويث البحرين الاحمر والعربي وربما الى الى ابعد من ذلك. فكل التقارير ومنها تقارير الامم المتحدة تتحدث عن هكذا كارثة منتظرة إن لم يتم نجاح جمع المبلغ المالي المتبقي لافراغ الخزان، وهو قرابة ١٢٠ مليون دولار تم جمع منها قرابة١٠٥ مليون ومع ذلك تظل المشكلة قائمة والخطر موجود فعلًا.
وبرأي السقلدي فهناك مشكلة اخرى تتمثل بتلكؤ الحوثيون في تسهيل المهمة امام المجتمع الدولي بغية حصولهم على مكاسب إما مالية او الظفر بكمية النفط الموجود بالخزان او لانتزاع مكاسب اخرى”.
سواحل الجنوب ونصيبها من الكارثة
وحول تطورات جهود البدء بإفراغ الخزان أكد مصدر مسؤول في الهيئة العليا للشؤون البحرية التابعة لوزارة النقل اليمنية في حكومة الشرعية، بإن جهود إفراغ الخزان قد تعرقلت مرة أخرى، وأنه لا توجد أية آمال حالية لبدء تفريغ الخزان بسبب العراقيل التي يضعها الحوثيون.
يضيف – المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه- في تصريح “للصدارة سكاي “بأن الحوثيون يقايظون العالم ودول الإقليم بمكاسب سياسية واقتصادية، في حين يصب العالم جهوده في إيجاد حل شامل للأزمة اليمنية، لتستغل المليشيات الحوثية، كل هذه الرغبة والزخم في مسعًى للحصول على مكاسب وتحقيق أهداف.
يتحدث المصدر “للصدارة سكاي” بأن الكارثة لن تقف عند حدود البحر الأحمر، بل إن خليج عدن مرورًا بسواحل أبين وشبوة وحتى سواحل حضرموت والمهرة ستنال نصيبها من الكارثة الناجمة عن التسرب أو الانفجار، وربما بفعل المد والجزر واتجاه التيار، عوامل بارزة في تحديد حجم الكارثة الناجمة عن هذا التلوث.
بيئيًا هكذا سيكون حجم الكارثة:
منذ العام 2016 ومنظمات البيئة ومعها المجتمع الدولي يطلقون صيحات تحذير من كارثة قادمة ستدمر الأخضر، واليابس، بحرًا وحتى برًا فبحسب تقارير أممية فإن كارثة خزان صافر إن وقعت فإن كائنات عديدة في قاع البحر ستتأثر، إما بسبب امتصاصها للمعادن النفطية السامة الموجودة في المياه أو لأنها ستصبح مغمورة كلياً بالنفط.
تضيف تلك التقارير بأن ما يقارب ثلاثة آلاف وخمسمائة نوع تقريبًا (ملايين الأصناف البحرية) من الكائنات الحية الساحلية في اليمن وحدها ستكون معرضة لخطر الفناء، بسبب التلوث النفطي المتوقع، ناهيك عن العدد الهائل من الأنواع الموجودة في المناطق الساحلية للبلدان المجاورة. يتضمن ذلك حوالي 283 نوعاً من العوالق النباتية، و139 نوعاً من العوالق الحيوانية، و300 نوع من الشعاب المرجانية، و485 نوعاً من الطحالب، و283 نوعاً من الطحالب الكبيرة، و9 أنواع من الأعشاب البحرية، و21 نوعاً من النباتات الملحية، و168 نوعاً من شوكيات الجلد (من بينها 20 نوعاً من خيار البحر)، و625 نوعاً من الرخويات، و53 نوعاً من القشريات، و4 أنواع من السلاحف البحرية المهددة بالانقراض، و969 نوعاً من الأسماك، و102 نوع من الطيور البحرية، كل هذه الأنواع باتت حياتها مهددة بسبب التسرب النفطي الذي قد ينتشر على طول ساحل البحر الأحمر وخليج عدن في اليمن.
بيئيًا أيضًا لن يقف الأمر عند حد التلوث البيئي الذي سيقضي على مظاهر الحياة البحرية، بل ستكون له تبعاته البيئية على الناس والمناطق البرية أيضًا. تتحدث الحكومة اليمنية، في تصريحات رسمية لها عن أن الكارثة البيئية، ستمتد برًا وجوًا، حيث ستتبخر غازات سامة نحو الجو، وحينما تختلط تلك الغازات بمياه الأمطار، فإنه سينتهي به المطاف في طبقات المياه الجوفية مما يؤدي للتسمم البطيء والمشاكل الصحية طويلة المدى لملايين الأشخاص.
كما أن 4% من الأراضي الزراعية ستغطى بالغيوم السوداء، ما سيؤدي إلى القضاء على الحبوب والفواكه والخضراوات في المزارع، وكما ستتضرر الدول المشاطئة للبحر الأحمر، ويلحق بها تلوثا بمصانع تحلية مياه البحر الأحمر، ويدمر المنظومة البيولوجية بالمنطقة.
اقتصاديًا هذا ما ستخسره اليمن إذا ما انفجر الخزان
بحسب تقديرات أممية سيمنع على الأرجح التسرُّب النفطي الصيد في 50٪ من مصائد الأسماك، وستتكبد صناعة صيد الأسماك خسائر بقيمة 150 مليون دولار – أي 30 مليون دولار سنويًا على مدى خمس سنوات.
قد تتعرض سبل عيش 31,500 من صيّادي الأسماك للخطر، في حين تُقدَّر الخسائر في الإنتاج الزراعي بـ4 ملايين دولار.
تشير أحدث الأرقام إلى تضرر 31,500 صياد و235,000 عامل في صناعة صيد الأسماك، فضلًا عن تضرر 3.25 مليون مزارع جرّاء فقدان المحاصيل.
إغلاق ميناء الحديدة وميناء الصليف لعدة أشهر والتسبب في نقص في استيراد المواد الغذائية والمحروقات وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات.
حيوانات البحر الأحمر المهددة
يُعد البحر الأحمر أحد أبرز مواقع التنوّع البيولوجي في العالم ويضمّ أنواعًا متوطّنة وموائل حسّاسة مثل مروج النجيل البحري وأشجار المانغروف والشعاب المرجانية، وهو معرّض للخطر بشكل خاصّ.
يُضاف إلى ذلك أنّ البحر الأحمر شبه مغلق، ما يجعل استخراج النفط عملية معقّدة ومكلفة وتستغرق وقتًا طويلًا، وستتضرر الشعاب المرجانية محليًا بالقرب من المراكز الحضرية والصناعية، جرّاء عمليّات الطمر.
أما الحكومة الشرعية اليمنية فتشير تقديراتها إلى أن اليمن ستخسر 1.5 مليار دولار من عائدات الأسماك على مدى 25 عاماً، وستخسر اليمن المصائد السمكية التي توفر معيشة أكثر من 1.7 مليون مواطن، كما سترتفع أسعار الوقود 800٪، بينما ستدمر 4٪ من الأراضي الزراعية المنتجة التي ستغطى بالغيوم السوداء، ما سيؤدي إلى القضاء على الحبوب والفواكه والخضراوات التي قدرت الحكومة قيمتها بـ 70 مليون دولار، كما أن التلوث سينتهي عنه توقف عمل ميناءي الحديدة والصليف مما سيمنع دخول 68٪ من المساعدات الإغاثية ويفاقم الأزمة الإنسانية ويؤثر على 8.4 مليون يمني.
الإجراءات الواجب اتّخاذها لمنع الكارثة
يرى خبراء أن جهود إنقاذ صافر لمنع الكارثة الوشيكة، ستبقى متعثرة مالم تكن هناك جدية دولية للضغط على الحوثيون للسماح بالبدء بإجراءات إفراغها دونما شروط، كما يرى آخرون أن التفاهمات الإقليمية الأخيرة يمكنها أن تساهم في منع وقوع الكارثة، إذا ما تصدر موضوع إنقاذ الخزان العائم “صافر” سلم أولويات أي تفاهمات، كونها لا تحتمل التأجيل،كما يجب أن تتتضاعف جهود استكمال جمع التبرعات المتبقية واللازمة لتنفيذ المهمة..
ان كل يوم تتعرقل فيه جهود الإنقاذ، هو يوم يقرع جرس الإنذار بقرب وقوع الكارثة، ويضعنا على موعد أقرب مع احتمال تفكك السفينة أو انفجارها.
التعليقات 1