الصدارة سكاي /متابعات
تمرّ صناعة الرياح الأوروبية بمنعطف خطير في الوقت الراهن، في ظل الانهيار الحادّ الذي يشهده الطلب على توربينات الرياح المُصنّعة أوروبيًا؛ ما يفتح الباب على مصراعيه أمام الاعتماد الكلي على استيراد تلك التوربينات من الصين.
وتعاني صناعة توربينات الرياح في أوروبا من ضعف الاستثمار، وارتفاع التكاليف الناجم عن معدلات التضخم الصاروخية، إلى جانب عدم اليقين الذي يغلّف العائدات المتحققة من تلك الصناعة في المستقبل.
وفي إطار مساعيه الرامية لمواجهة الخطر الصيني الداهم، يرغب الاتحاد الأوروبي في توسيع مصادر الطاقة المتجددة وتعزيز سلاسل إمدادات الكهرباء النظيفة في أوروبا، وفق ما ذكرته هيئة صناعة طاقة الرياح الأوروبية “ويند يوروب”.
لكن قانون الصناعة حيادية الكربون “إن زاد آي إيه” ما يزال يعاني من أوجه قصور، ومن ثم يحتاج إلى تنقيح، على نحو يخدم صناعة الرياح الأوروبية، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
الخطر الصيني
إذا ما طبّقت أوروبا قانون “إن زاد آي إيه” بشكله الحالي المعيب، فسينتهي بها المطاف إلى بناء مزارع الرياح بتوربينات مصنّعة خارج حدود القارة العجوز، مع استحواذ الصين على نسبة عالية من تلك التوربينات.
وتعدّ طاقة الرياح أساسية لأمن الطاقة وأهداف المناخ في أوروبا، إذ ترغب دول الاتحاد الأوروبي في أن تستحوذ طاقة الرياح على ما نسبته 43% من معدل استهلاك الكهرباء في القارة العجوز بحلول نهاية العقد الجاري (2030)، بزيادة من 17% -الآن.
ويعني هذا بناء مزارع رياح جديدة سعة 30 غيغاواط سنويًا.
وتستعمل جميع مزارع الرياح التي بنتها أوروبا حتى الآن توربينات أوروبية المنشأ، علمًا بأن هناك ما يربو على 250 مصنعًا في أوروبا مُتخصصًا في إنتاج التوربينات، ومكوناتها. لكن سلسلة إمدادات الرياح في أوروبا تعاني اختناقات فعلية.
وحُجزت المنتجات في شركات تصنيع الأساسات البحرية، وسفن التركيب بالكامل لسنوات عدّة مقبلة، ومن ثم يتعين على صناعة الرياح الأوروبية شراء خطوط الكهرباء، وصندوق التروس، بل وحتى الأبراج الحديدية من الصين.
السعة لا تكفي
رغم أن أوروبا تشهد بناء عدد من المصانع، فهي ليست كافية لمواكبة النمو الضخم في طاقة الرياح التي تحتاجها أوروبا في الوقت الراهن.
وبناءً عليه تبرز حاجة فعلية –الآن- لضخ استثمارات ضخمة في المصانع والمواني والشبكات والسفن المتخصصة والرافعات، والعمال المهرة.
تطوير قانون الصناعة حيادية الكربون
يتطلب التوسع السريع الذي تحتاجه سلاسل إمدادات طاقة الرياح ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى في أوروبا تحديث السياسة العامة، ودعم المالية العامة؛ ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى استحداث الخطة الصناعية للاتفاقية الخضراء.
لكن قانون الصناعة حيادية الكربون، الذي يعدّ محور تلك الخطة، لا يفي بمتطلبات الأخيرة؛ ما يجعل مسألة تطويره ضرورة حتمية.
ويعكف البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالوقت الراهن على تعديل نَص قانون الصناعة حيادية الكربون.
مزايا تنافسية للتوربينات الصينية
تعني القيود المفروضة على سلسلة إمدادات طاقة الرياح في أوروبا أنّ مصنّعي توربينات الرياح الصينية يشرعون -حاليًا- في الحصول على طلبات من أوروبا؛ بفضل انخفاض أسعار تلك التوربينات، ومعاييرها المرنة، إلى جانب البنود المالية غير التقليدية التي تتيح للعملاء دفع الأموال المستحقة عليهم لمنتجي توربينات الرياح الصينيين عند اكتمال بناء مزارع الرياح، أو حتى في وقت لاحق.
وهذا يمثّل خطورة حقيقية وتهديدًا وجوديًا على طاقة الرياح في أوروبا، التي ستُصَنَّع في الصين، وليس داخل حدود القارة العجوز، بخلاف ما سيترتب على ذلك من خسائر اقتصادية فادحة، وتهديد لأمن الطاقة في أوروبا.
ووفقًا لأحدث التقديرات، أسهمت صناعة الرياح الأوروبية، التي توظّف نحو 300 ألف عامل، بقيمة 42 مليار يورو في الناتج المحلي الإجمالي لبلدان الاتحاد الأوروبي في العام الماضي (2022).
ويُنتج كل توربين رياح جديد يُرَكَّب في أوروبا نشاطًا اقتصاديًا تعادل قيمته 11 مليون يورو في المتوسط.
وتدفع صناعة الرياح الأوروبية ضرائب بقيمة 7 مليارات يورو، من بينها ضرائب محلية تُدفع إلى المجتمعات التي تعيش بالقرب من مزارع الرياح.
حلول مقترحة
تحتاج دول الاتحاد الأوروبي إلى دعم الاستثمارات في مصانع جديدة لتعزيز معدلات الطاقة النظيفة، كما ينبغي أن تستغل الحكومات الوطنية هذا أحسن الاستغلال.
وعلاوة على ذلك، يجب أن تركّز أوروبا على تبسيط قواعد الترخيص والإجراءات ذات الصلة ببناء تلك المصانع، علمًا بأن أوروبا تبني -فقط- نصف ما تحتاجه من مزارع الرياح الجديدة.
وينبغي أن تصنع القواعد الجديدة المُستحدثة داخل الاتحاد الأوروبي في هذا الخصوص الفارق، كما هو الحال في ألمانيا التي تطبّق إجراءات ذات صلة، وتشهد ارتفاعًا في معدلات التراخيص الجديدة لبناء مزارع الرياح الجديدة.
كما يتعين على أوروبا أن تسرّع وتيرة بناء شبكات الكهرباء؛ نظرًا لأن أعدادًا كثيرة جدًا من مزارع الرياح الجديدة يؤجَّل بناؤها بسبب عدم جاهزية الاتصال بالشبكة؛ ما يؤثّر في النهاية على صناعة الرياح الأوروبية.
وقال الرئيس التنفيذي لهيئة “ويند يوروب” غيلز ديكسون: “أوروبا تحتاج إلى سياسة صناعية خضراء، وهي تريد تصنيع مصادر الطاقة المتجددة داخل حدودها، لكنها تفشل في استحداث سياسات تحقق لها ذلك على الأرض”.
وأضاف: “قانون الصناعة حيادية الكربون يحتاج إلى تعديل فوري، ويجب أن تدعم الأموال العامة سياسة التوسع في سلاسل الإمدادات الخضراء، كما تفعل في أماكن أخرى في العالم، وإلّا فستُبرَم الاتفاقية الخضراء خارج أوروبا، وستحوّل الأخيرة اعتمادها الكلّي على الغاز الروسي إلى معدّات الطاقة النظيفة الصينية”.
وتابع: “سلاسل الإمدادات الخضراء القائمة لدينا تجلب الوظائف، وتحقق النمو والاستثمارات لآلاف المجتمعات، وعلينا أن نستفيق، ونحافظ على ذلك ونبني عليه، و (إن زاد آي إيه) فرصتنا لتحقيق ذلك، فعلينا ألّا ننسفه”.
تراجع الاستثمارات
هبطت الاستثمارات في صناعة الرياح الأوروبية في العام الماضي (2022)، مع تراجع الطلبات على توربينات الرياح بنسبة 47% على أساس سنوي؛ ما يمثّل استمرارًا في المسار النزولي منذ الربع الأول من العام قبل الماضي (2021)، حسبما نشر موقع بلقان غرين إنرجي نيوز، نقلًا عن الأرقام الصادرة عن هيئة صناعة طاقة الرياح الأوروبية “ويند يوروب”.
ويعدّ التضخم عاملاً رئيسًا في هبوط الطلبيات على توربينات الرياح الأوروبية، في ظل ارتفاع التكاليف بمعدلات أعلى من الإيرادات، حسب “ويند يوروب”.
وأضافت الهيئة أن المستثمرين يحجمون عن شراء توربينات الرياح الأوروبية لعدم التدخلات الحكومية المجدية في أسواق الكهرباء.
ووفق أرقام سابقة صادرة عن “ويند يوروب”، هبطت الطلبات على توربينات الرياح المصنعة أوروبيًا بنسبة 36% على أساس سنوي في الربع الثالث من عام 2022.