بعد سبع سنوات من الانقطاع الرسمي في العلاقات بين السعودية وإيران، يبدو أن البلدين قد وصلا أخيرًا إلى نقطة تلاقٍ تاريخية تفتح الباب لبدء فصل جديد في العلاقات بينهما. تم وصف الاتفاق الذي تم التوصل إليه بأنه لا يقل أهمية عن تغيير المعادلة في المنطقة، وقد يؤثر حتى على القوى الدولية الرئيسية في العالم.
الباحثون السياسيون يرى العديد منهم أن هذا الاتفاق سيشهد تحولات جذرية في المناطق التي يتداخل فيها النفوذ السعودي والإيراني، ومن بين هذه المناطق الحساسة، تبرز حرب اليمن التي تشتعل منذ أكثر من ثمانية أعوام، حيث تقاتل جماعة الحوثيين المدعومة من إيران ضد التحالف العربي الذي تقوده السعودية لدعم الشرعية.
بالإضافة إلى اليمن، هناك مناطق أخرى في الشرق الأوسط تشهد صراعًا بين القوى الشيعية المدعومة من إيران والقوى السنية المدعومة من السعودية. هذه المناطق تشمل العراق وسوريا ولبنان، حيث تتنافس القوى المختلفة للحصول على التأثير والنفوذ.
استعادة العلاقات بين السعودية وإيران لا تعني فقط تصحيحًا في العلاقات الثنائية، بل تمثل بداية لفترة جديدة يمكن أن تؤثر في الديناميات السياسية والأمنية في المنطقة بأكملها.
تأثير التقارب الإيراني السعودي على الاقتصاد
قد يكون التقارب بين السعودية وإيران له آثار اقتصادية إيجابية، ولكن من المهم أن ندرك أن هذه الآثار لن تظهر إلا بعد تخفيف العقوبات الأميركية والدولية على إيران. في العام 2018، قام الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بإعادة فرض العقوبات على إيران، مما أثر سلبًا على اقتصادها بتقليص صادرات النفط الإيرانية وتقييد قدرتها على الحصول على العملات الأجنبية.
تقرير صادر عن وكالة رويترز أشار إلى أن إعادة فرض العقوبات الأميركية ألحقت أضرارًا بالاقتصاد الإيراني، حيث تراجعت إيرادات صادرات النفط وتضاءلت إمكانية الحصول على العملات الأجنبية. وبالتالي، كان لهذا تأثير كبير على قدرة إيران على استعادة نمو اقتصادها وتحقيق تنمية مستدامة.
ومع ذلك، ينبغي الانتباه إلى أن التقارب بين السعودية وإيران تم بوساطة صينية وليس أميركية. وهذا يعني أن تخفيف العقوبات الأميركية والدولية على إيران قد يحتاج إلى جهود دبلوماسية وتفاوضية إضافية لتحقيقه. يتوقف نجاح هذه الجهود على التزام الأطراف المعنية وتبادل التنازلات المتبادلة، وهو أمر قد يستغرق وقتًا.
إذا تم تحقيق تخفيف العقوبات، فإنه قد يتم فتح آفاق جديدة للاستثمار والتجارة بين السعودية وإيران. قد تتمكن الشركات السعودية من استكشاف فرص الأعمال في إيران، وبالمثل، قد تستفيد الشركات الإيرانية من الوصول إلى سوق السعودية الكبيرة. وبالتالي، فإن هذه العلاقة الاقتصادية المحتملة يمكن أن تعزز النمو الاقتصادي في البلدين وتساهم في تعزيز استقرار المنطقة بأكملها.
مع ذلك، يجب أن نكون واقعيين وندرك أن هناك تحديات تنتظر التقارب الاقتصادي بين السعودية وإيران. قد تتضمن هذه التحديات قضايا مثل التنافس التجاري وتنظيم السوق وتباين النظم القانونية والتشريعية بين البلدين. عليهما أن يتعاملوا مع هذه التحديات بحكمة ويعملوا على وضع آليات وضوابط تعزز التعاون الاقتصادي بشكل عادل ومستدام.
باختصار، يمكن أن يكون التقارب بين السعودية وإيران فرصة لتحقيق تغييرات اقتصادية إيجابية، ولكن يتطلب ذلك تخفيف العقوبات الأميركية والدولية على إيران وتعاونًا وتفاهمًا دبلوماسيًا. إذا تم تحقيق ذلك، فقد يتم استغلال فرص الاستثمار والتجارة المتاحة بين البلدين، مما يعزز النمو الاقتصادي ويسهم في استقرار المنطقة بأكملها، ولكن يجب التعامل أيضًا مع التحديات التي قد تنشأ في هذا السياق.
الوساطة الصينية بين السعودية وإيران
وفقًا لتوصيف الباحث السياسي السعودي سلمان الأنصاري، تم تحقيق اتفاق تاريخي بين السعودية وإيران بوساطة الصين، بعد جولات عديدة من المباحثات استمرت لمدة عامين
الاتفاق جاء بشكل مفاجئ وخارج كل التوقعات، وفقًا لما ذكره الأستاذ الإماراتي للعلوم السياسية عبدالخالق عبدالله. وأكد عبدالله أن إيران والسعودية ستعقدان العلاقات الدبلوماسية، وأن الصين نجحت بشكل استثنائي في إحداث هذا الاختراق الدبلوماسي.
نجاح الصين في تحقيق هذا الاتفاق سيؤدي إلى تحول هائل في الوضع الأمني في الشرق الأوسط، وهذا يعني أن الولايات المتحدة لن تكون الضامن الأمني الوحيد للمنطقة بعد الآن، وفقًا لتصريحات الأنصاري. وبوجود الصين كقوة سياسية بارزة في المنطقة، فإن لهذا الأمر آثار استراتيجية عالمية لم تشهدها المنطقة من قبل، ولن يقتصر تأثيرها على دور الولايات المتحدة فقط، بل سيؤثر أيضًا على خياراتها التكتيكية وسيجعلها محدودة في استخدام إيران كأداة ضد السعودية.
تجدر الإشارة إلى أن وساطة الصين جاءت في وقت تشهد فيه العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة توترًا وتحولات متعددة، منذ تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم في عام 2021، والذي وجه انتقادات حادة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال حملته الانتخابية.
اقتصاد إيران
رغم أن إيران تسعى للعودة إلى سوق النفط العالمية لتحسين اقتصادها المتأثر بالعقوبات الأمريكية، إلا أن الاتفاق السعودي الإيراني لن يؤثر بشكل كبير في قطاع الطاقة الإيراني أو في قرارات منظمة أوبك بلس.
منظمة أوبك بلس هي تحالف يضم دول أوبك المنتجة للنفط، بقيادة السعودية والإمارات وروسيا وغيرها من الدول. إيران لا تعد لاعباً رئيسياً في هذا التحالف، وبالتالي فإن الاتفاق معها لن يؤثر على قرارات أوبك بلس بشأن إنتاج النفط. إيران عضوة في أوبك منذ تأسيسها في عام 1960، إلى جانب السعودية والعراق والكويت وفنزويلا.
وعلى الرغم من ذلك، يمكن لإيران الاستفادة من هذا الاتفاق إذا كانت جادة في تحسين علاقاتها مع دول الجوار وتعزيز القطاعات الاقتصادية التي تساهم في دعم اقتصادها. إذا تطورت العلاقات إلى أفضل حالاتها، فإن السعودية يمكن أن تساعد في تخفيف العقوبات الاقتصادية التي أثرت على الاقتصاد الإيراني وتشجيع المزيد من الاستثمارات في قطاع البترول والغاز الإيراني. يمكن تعزيز العلاقات الودية والتجارية عبر الخليج الفارسي لتكون مفيدة للجميع.
بشكل عام، يمكن القول إن الاتفاق السعودي الإيراني لا يؤثر مباشرة في قرارات أوبك بلس وقطاع الطاقة الإيراني، لكنه يمكن أن يكون خطوة أولى نحو تحسين العلاقات وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين ودول الجوار.
اقتصاد السعودية بعد الاتفاق الإيراني
بعد استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، هناك توقعات بأن الاستثمارات السعودية في إيران قد تتطور بشكل سريع. يعتقد البعض أن هناك العديد من الفرص للاستثمارات السعودية في إيران، وبالمثل توجد فرص للإيرانيين في السعودية. ومن المهم أن يحترم أي اتفاق يتم التوصل إليه بين البلدين.
تركيز الجانب السعودي يكمن في تنمية الاقتصاد وتوفير احتياجات الشعب السعودي، بينما الجانب الإيراني يبحث عن الاستقرار. لذا، إن توفر الاستقرار يعد أمرًا ضروريًا لكلا البلدين، حيث سيسهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية وتحقيق الفوائد المشتركة.
وعلى الرغم من تلك التصريحات السعودية المتفائلة بالآفاق الاقتصادية للاتفاق مع إيران، إلا أن حجم التبادل التجاري بين البلدين حاليًا ضئيل جدًا. ومن المهم تعزيز التعاون الاقتصادي وتبادل السلع والخدمات بينهما لتحقيق النمو الاقتصادي المشترك وتوسيع حجم التجارة بينهما.
إن الاتفاق الجديد بين السعودية وإيران يفتح الباب أمام فرص استثمارية واعدة، ومن المهم تنظيم القوانين والإجراءات وضمان احترام الاتفاقيات المبرمة بين البلدين. تعزيز التبادل التجاري والاستثمارات بين السعودية وإيران سيعزز التكامل الاقتصادي في المنطقة ويعود بالفائدة على الشعبين ويسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة.
في الماضي، لم يكن هناك صادرات سعودية كبيرة إلى إيران، وكانت الصادرات الإيرانية تتركز في الفولاذ والحديد والقليل من الزعفران والزجاج وماء الورد. ومع ذلك، كانت للسعودية “استثمارات جيدة” في الصناعات الغذائية الإيرانية في الماضي.
شركة صافولا للأغذية السعودية كانت لديها استثمارات في قطاع زيوت الطعام في إيران. قبل عقد من الزمن، اشترت الشركة 80% من أسهم شركة صافولا بهشهر الإيرانية، وهي إحدى أقدم شركات إيران في إنتاج زيوت الطعام. وكانت تمتلك مصنعين يسيطران على 50% من سوق زيوت الطعام في إيران. وحتى الآن، لا تزال منتجاتها تُباع في السوق الإيراني تحت العلامات التجارية “لادن، ولادن طلايي وبهار ونسترن”.
أيضًا، مشروبات عصير “راني” السعودية كانت من أكثر المشروبات شعبية في إيران. وقد دفع ذلك صاحب الشركة السعودية عادل العوجان لإنشاء فرع إنتاج في إيران عام 2009. ولكن في عام 2016، بعد تصاعد التوترات بين السعودية وإيران بسبب إعدام الرياض للمرجع الشيعي نمر باقر النمر وتعليق العلاقات الدبلوماسية، انتشرت دعوات في إيران لمقاطعة المنتجات السعودية.
بصورة عامة، فإن استئناف العلاقات الاقتصادية بين السعودية وإيران يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للاستثمارات وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين، وهذا يعود بالفائدة على الاقتصاديين في البلدين ويسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي في المنطقة.
ووفقًا للمتحدث السعودي، قدمت الحكومة الإيرانية ضمانات بشأن الاستثمارات في إيران، خاصة في المشاريع الكبرى. ويعتقد أن السعودية، من خلال الاستثمار في إيران، يمكنها الاستفادة من القوة العاملة الشابة والمهارات المتخصصة.
كما يرى أن الرياض تستطيع الاستفادة من تكاليف الإنتاج المنخفضة في إيران والقوة العاملة المهنية الرخيصة هناك، مما يجعل الاستثمارات في إيران مربحة للغاية. كما يشير إلى أن الاستثمارات السعودية يمكن تسويقها بسهولة عبر الممرات الدولية التي تعبر من إيران إلى آسيا الوسطى وأوراسيا والقوقاز وشبه القارة الهندية، وذلك عبر الممرات الدولية “الشرق-الغرب” و”الشمال-الجنوب”.
الريال الإيراني بعد الاتفاق السعودي الإيراني
اتفاق المصالحة بين طهران والرياض أثر بشكل إيجابي على سوق العملات في إيران. حيث انخفضت طوابير الشراء للعملة الأميركية أمام محلات الصرافة في ساحة فردوسي بالعاصمة طهران. وفي المقابل، زاد عدد الأشخاص الذين يرغبون في بيع الدولار الأميركي في السوق الموازية، نظرًا لتوقعات بانخفاض سعر الصرف مقابل الريال الإيراني.
وفقًا للأمين العام لنقابة الصرافين الإيرانيين، يعزى تراجع سعر الدولار إلى انخفاض الطلب عليه من قبل المتداولين، مما أدى إلى تعافي الريال الإيراني. ومن المتوقع أن يستمر الريال الإيراني في الارتفاع في الأيام القادمة، حيث من المحتمل أن يصل سعر الصرف إلى مستوى أقل من 300 ألف ريال مقابل الدولار الواحد.
هذا التحسن في سوق العملات يعكس الثقة والتفاؤل بتحسن الاقتصاد الإيراني في المستقبل بعد تحقيق اتفاق المصالحة مع السعودية. من المتوقع أن يؤدي تحسن سعر الصرف واستقرار العملة الوطنية إلى تحسين الظروف الاقتصادية وتعزيز الاستثمار والتجارة في إيران.
انعكاس الاتفاق على الوضع في اليمن
يرى مراقبون بأن اتفاق المصالحة بين الرياض وطهران سينتج عنه بالضرورة حلحلة الكثير من الملفات في المنطقة، ومنها ملف الحرب في اليمن. ويعتقد خبراء بأن السعودية لا يمكن أن تدخل في مصالحة كهذه مع إيران مالم تكن قد ضمنت أن تقوم طهران بلجم طموحات الحوثيين في التهام اليمن والذهاب إلى أبعد من ذلك، بتهديد مصالح السعودية انتقامًا لثمانية أعوام من الحرب، وبالتالي فإن الحوثيين سيذعنون في نهاية الأمر للسلام والبقاء ضمن مناطق سيطرتهم الحالية، كون خطام طموحهم بيد طهران، وهو أمر إن تم فلابد أن ينعكس على الوضع المعيشي للبلاد والبدء بترميم ما دمرته الحرب.