يتحدث كثير من سفراء ووزراء الدول الراعية، ودول المجتمع الدولي، أن التسوية السياسية في اليمن، هي الحل الوحيد لمعالجة الأزمة التي يعيشها البلد منذ نحو تسع سنوات، وكان آخر المتحدثين هو اللورد طارق احمد الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط،والذي قال إن التسوية السياسية هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل في اليمن، ومعالجة الأزمة الإنسانية، بحسب ما نقل عنه موقع عدن تايم الاخباري.
لكن في الواقع يبدو أن جماعة الحوثي لا تريد أن تفهم مثل هذه الإشارات، ولم تسلم حتى الآن بكل الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق السلام والذهاب لمفاوضات ندية لحل الملف السياسي، إذ نفاجأ كل يوم بتحركات جديدة من قبلها على الارض لتوسيع رقعة الحرب، ومفاقمة سوء الأوضاع الناتجة عنها، فخلال الايام الماضية عززت قواتها بشكل كبير على الحدود مع الجنوب،كما قامت بنصب قواعد صواريخ بالستية في الحدود مع جبهة كرش بمحافظة لحج، في مسعى يكشف أن الجماعة لاتريد تسوية سياسية مع الجنوب،ولا مع المجلس الرئاسي، ولاتريد سلام، وان كل ما تريده هو الاستمرار في الحرب في محاولة لفرض أمر واقع جديد على الارض، لاسيما في الجنوب،يحقق نزعة الهيمنة التي جبلت عليها قوى الهضبة الشمالية في التعامل مع الجنوب. هذا التصعيد الحوثي المستمر دون توقف قابلته تحركات جنوبية خلال الايام الماضية لتعزيز القوات المسلحة الجنوبية ووضعها على أهبة الاستعداد والتأهب لاي هجوم مضاد أو تحرك باتجاه المناطق الجنوبية المحاددة للشمال، وهذا ما خلص إليه اجتماع عقده نائب رئيس المجلس الانتقالي اللواء أحمد سعيد بن بريك مع القيادات الأمنية والعسكرية الجنوبية خلال اليومين الماضيين. ان ما يحدث يبدو أنه في الأساس حالة من التخادم بين أطراف شمالية عدة، طرف يعمل على إضعاف الجنوب من الداخل من خلال افتعال أزمة الخدمات وأزمة العملة وتصفير البنك المركزي،لاثارة حالة من الاضطرابات والفوضى في عدن، وطرف اخر يحشد على الحدود الجنوبية في ما يشبه تسعير حرب جديدة ضد الجنوب في محاولة لاحتلاله بالقوة العسكرية بدل الذهاب الى تسوية سياسية يطالب بها ويدعمها كل العالم. من هنا يتأكد لنا أن معظم القوى الشمالية ليست مع التسوية السياسية وحل ملف الجنوب سلميا، وانما مع استمرار محاولة تركيع الجنوب والهيمنة عليه من جديد، ولنا أن نتوقف ايضا أمام حالة النزوح المهول والمستمر للسكان من الشمال إلى عدن وباقي مدن الجنوب، والذي لم يتوقف منذ تسع سنوات،وبدون تنظيم وترتيب وفلترة، وهو في الواقع ما يجعل كثيرون يشككون في أن المسألة قد تكون ليست كلها بدوافع إنسانية بحتة، بقدر ما هو عمل مدروس ومنظم وبدوافع كثيرة، ومن غير المستبعد أن يكون للحوثي يد فيه، وهذا بدوره يضع الأجهزة المختصة أمام مسؤوليات كبيرة، للقيام بمهامها ودورها للحفاظ على سلامة الناس، وسلامة المجتمع، والحفاظ على أمن الدولة قبل كل شيء. هذا التحشيد والحشود باتجاه الجنوب يجعل الحديث عن الوحدة مفروغ من مضمونة مادامت العوامل التي ترتكز عليها قوى الشمال ليست قائمة على حسن النوايا، وعلى تصحيح أخطأ الماضي التي وقعت فيها، وانما إعادة إنتاج الماضي بصورة ابشع مما كان، والمؤشرات كثيرة . ومن هنا اعتقد ان الجنوبين سوف يدفعهم ذلك للاستمرار أكثر في خطواتهم السياسية لاستعادة دولتهم بكل الوسائل والطرق، وتولي إدارة شؤون الدولة من الآن بأنفسهم لسد جميع الثغرات التي يمكن أن تضعف تماسك الجبهة الداخلية للجنوب في مواجهة هذا التحشيد الحوثي ، في مقابل فشل الحكومة الشرعية في إصلاح الاوضاع المتردية، والتي تقود إلى أضعاف الجنوب من الداخل عبر ورقة الاقتصاد والخدمات والعملة وغيرها، وهو ما يجعله مهددا بالسقوط مجددا في براثن قوى الهيمنة التي تكفر بالدولة والشراكة الوطنية. ومن خلال هذه المعطيات فإنه ينبغي على العالم أن ينظر لما يحدث بواقعية وإنصاف، فلا مؤشرات إيجابية تدل على التسوية من دون ضغط دولي مكثف وقوي، وانما هناك مؤشرات كثيرة تدل على المحاولات القائمة على استهداف الجنوب والهيمنة عليه من جديد، وهذا بدوره سيقود البلد إلى حرب جديدة لاسمح الله،لأن الجنوب في الواقع لن يظل مكتوف الأيدي، فهو مستعد لكل الاحتمالات، وإفشال كل المؤامرات التي تطبخ هنا وهناك.