الكتاب المدرسي.. غياب في المدارس ورواج على أرصفة الشوارع..
أجيالٌ تصارع الجهل.. وأسـر فقيرة معدمة تبحث عن الكتب في المدارس فلا تجدها..
هكذا أسهمت حكومة معين عبدالملك في تغييب دور المؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي..
الصدارة سكاي: قسم التحقيقات
يطول الصراع في اليمن وتطول معه فصولٌ من الدمار والخراب الذي يترك آثاره في كل شيء، ولعل التعليم أحد أبرز القطاعات المتضررة من هذا الصراع حيث أصبح الملايين من الأطفال خارج المدرسة بحسب المنظمة الدولية للهجرة في آخر تقرير لها، بسبب تضرر آلاف المدارس من الحرب وانخراط البعض في العمالة المبكرة، كنتيجة للأوضاع المعيشية الصعبة لكثير من الأسر، ومن استطاع الالتحاق من هؤلاء الأطفال بالمدارس عجز عن توفير الكتب المدرسية فالمدارس التي تقع ضمن إطار المناطق المحررة تعاني من انعدام وندرة الكتب المدرسية.
نظرًا لأن هذه القضية باتت تؤرق الطلاب وأولياء أمورهم في مختلف المحافظات المحررة، وباعتبار التعليم ركيزة أساسية للتنمية المستدامة والنهوض بالأجيال.. فتحت الصدارة سكاي هذا الملف في محاولة لسبر أغوارها ومعرفة والوصول إلى الحقيقة أو تسليط الضوء عليها للفت انتباه الجهات المختصة لأهمية معالجة ذلك قبل فوات الأوان.. قبل أن نجد أجيال من الطلاب مشردين من مدارسهم.. تهوي بهم صروف الزمن نحو رذائل الحياة وبالتالي يخسر المجتمع والوطن ثروة لاتقدر بثمن عنوانها ضياع أجيال وخراب مجتمع-لاسمح الله.
معاناة الطلاب والمعلمين
بحسب الطالب محمد جمال فإن توفير الكتاب أصبح الهاجس الأكبر الذي يطغى على تفكير الطالب فور بدء السنة الدراسية الجديدة، ويبقى تفكير الطالب محصور حول أي الكتب التي سيتمكن من الحصول عليها؟ وأيها التي سيتشاركها مع زميل آخر أو أكثر من زميل؟ وحول التأثير المباشر لشحة الكتب المدرسية على فهم واستيعاب وتنظيم وقت الطالب، أكد الطالب محمد جمال أن التأثير كبير بلا شك، وأنه يهدر الوقت الدراسي للطالب ويشتت ذهن الطالب ويعيقه في استيعاب الدروس بسبب اضطراره لمشاركة الكتاب مع أكثر من زميل، فلكل طالب نهجه وخصوصياته في الحفظ والفهم، ولكل واحد طريقته في ذلك.
أحد المعلمين أكد أنه يضطر لكتابة الدرس على السبورة، ليقوم الطلاب بنقل الدرس منها ومن ثم يشرع في شرح الدرس بعدما يكون قد استنفد الكثير من وقته المخصص في كتابة الدروس على السبورة، وهكذا تتكرر المسألة روتينيًا كل يوم.
يقول محمد نجيب (طالب في الصف السابع): “بدل أن نركز على فهم ما يطرحه الأستاذ في محاضرته، نتسابق مع الوقت لكتابة ما يتحدث به، لكي نذاكر من الدفاتر، فلا توجد كتب نعتمد عليها، فجميع كتب المواد غائبة وإذا ما توفّرت بعضها، تكون من السنوات السابقة، وهي متهالكة ذات صفحات إما مفقودة بعضها أو ممزقة ”.
في إحدى مدارس خورمكسر، التقينا بالطالب أحمد أمين، طالب في الصف السادس، وحسب ما عرفناه من إحدى المعلمات فالطالب من الموهوبين، ويمتلك سرعة بديهية في الفهم والاستيعاب، يقول أحمد أنه في السنتين الأولى من دراسته كانت الكتب متوفرة، وإن كان غالبيتها ممزقة، لكن خلال العامين الماضيين يضطر للاجتماع مع اثنين من زملائه يسكنون الحي ذاته، كي يستطيعون المذاكرة، ومالم تستطع إدارة المدرسة توفيره لهم يشتركون الثلاثة في جمع مبلغ مالي لشراء كتاب واحد لهم.
يتحدث والد الطفل أسامه من منطقة العريش بخور مكسر عن أنه يجد صعوبة كبيرة في مراجعة الدروس المقررة مع أولاده الأربعة، لأن الكتب معدومة هنا، ولا يمتلك مالًا يمكنه من شراء الكتب المدرسية لأطفاله الأربعة، فانعكس ذلك على مستواهم التعليمي حيث تدنى اهتمامهم ومستواهم أيضًا.
يضيف ابو أسامه أنه في هذه الفصل اضطر لشراء عشرة كتب للمواد العلمية لأولاده، وحين سألناه عن مكان بيع هذه الكتب، قال أنها متوفرة في الشيخ عثمان، وتباع على الرصيف.
طباعة الكتب في مطابع عادية
تحدث “للصدارة سكاي ” أحد مدراء التربية في إحدى المديريات آثر عدم ذكر اسمه، وأكد أنه لجأ للتعاقد مع إحدى المكتبات العادية، لتصوير أوراق الكتب، وتوزيعها على الطلاب على شاكلة ملازم صغيرة، ويضيف: “أصبحت هذه العملية تؤرقنا، فنحن في وضع لا نُحسد عليه بسبب الموقف الصعب الذي وضعتنا به الحكومة، ولم نعد نتحمل ظهور مشاكل أخرى”.
يضيف المدير بأن الحكومة توزع الكتب بالقطارة حسب تعبيره، ولا تكفي حتى لربع عدد الطلاب لبعض الفصول، بينما غالبية الطلاب لا يحصلون على أي كتاب.
الحوثيون استطاعوا تحديث كتبهم في حين عجزت الشرعية عن توفيرها في المناطق المحررة !
بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء وغالبية مدن الشمال عمدوا على نشر ثقافة الخرافة وتعميمها في مناطق سيطرتهم، وعملوا على تغيير المناهج التعليمية بما يتناسب مع نهجهم السلالي، ومع هذا فقد تمكنوا من الحصول على تمويل لطباعة مئات الآلاف من الكتب وفقًا للمنهج الجديد الذي يكرس من نهج استراتيجيتهم السلالية، وامتلأت مكتبات مدارسهم بكتب المنهج الجديد، بينما تعاني المدارس في الجنوب ومناطق سيطرة الشرعية من شُحٍ كبير في الكتب المدرسية.
وجهت اتهامات لمنظمة اليونيسيف بتمويل طباعة كتب الجماعة لكن المنظمة لاحقًا نفت صحة هذه الاتهامات، وأثير الكثير من الجدل عن مصدر التمويل الذ حصل عليه الحوثيون، لكن الأكيد هو أن مدارس الحوثيين ممتلئة بالكتب الدراسية على انحراف نهجها.
السوق السوداء تطال الكتاب المدرسي
قبل أسبوعين هزت الرأي العام حادثة ضبط مخزن سري يحوي آلاف الكتب، حيث داهمت قوات الأمن في مديرية كريتر عاصمة العاصمة، مخزنًا يحوي عدد كبير من الكتب المخبأة في أكياس بلاستيكية.
وبحسب شرطة كريتر فقد عثرت في المخزن على 156 كيس بلاستيكي تحوي كلًا منها عشرات الكتب، يتم المتاجرة بها في السوق السوداء.
تؤكد الشرطة أن الكتب المضبوطة هي من الطبعة الجديدة 2021/2022 .
وتساءل ناشطون عن كيفية الحصول على هذه الكتب في حين تعاني كل مدارس العاصمة والمحافظات المجاورة من انعدام الكتب المدرسية، وبالذات من الطبعة الجديدة!
ليست حادثة كريتر وحدها ما يثير الاستغراب، فهنا بجانب مسجد النور في مديرية الشيخ عثمان بالعاصمة عدن، تتوفر العديد من الكتب الدراسية لمختلف المواد وللأعوام الدراسية المتعددة.
اقتربنا من كشك العم صالح، الذي يبيع هذه الكتب، إلى جانب أكشاك أخرى، والتي أصبنا بالدهشة من منظر أكثرها الجديد، وسألناه عن سعر الكتاب الواحد فأجابنا أن لكل كتاب سعره، بعضها بألف وخمسمائة ريال، والبعض الآخر بألفين، 250، وحينها عرضنا عليه أن نجلب له مجموعة من الكتب المتهالكة لنبيعها له، فوافق على ذلك بقوله: “هاتوهم وما نختلفش”. وفي بسطة أخرى هناك عدد من الكتب الجديدة تُباع في الشوارع، ويبلغ سعر كل كتاب ما بين 500 ريال إلى 2000 ريال يمني.
حاولنا أن نسأل العم صالح عن الطريقة التي يسلكها للحصول على هذه الكتب الجديدة ومن أين يبتاعها فرفض الإدلاء بأي معلومة، وتطور الأمر ليحاول سحب الكتاب الذي اشتريناه منه، بدعوى أننا نسعى للحصول على معلومات تقطع عنه رزقه كما قال.
رئيس نقابة مطابع الكتاب المدرسي يوضح
في تصريح خاص “للصدارة سكاي أشار الأستاذ مياد احمد سالم العدني، رئيس نقابة موظفي مطابع الكتاب المدرسي، بأن الفساد وحده العائق أمام حصول الطلاب على حقوقهم من الكتب.
يؤكد العدني بأن مطابع الكتاب المدرسي لديها القدرة على توفير كافة الكتب للمناطق المحررة، إذا ما توفر التمويل الكافي، والإدارة الصحيحة لمطابع الكتاب المدرسي.
يضيف العدني بأن سياسة تهميش وتغييب دور مطابع الكتاب المدرسي بدأ في العام 2015 حيث بدأت خصخصة المبالغ المستحقة لطباعة الكتب من قبل الحكومة الشرعية، حيث كان يصرف قبل ذلك مبلغ خمسة مليار ريال يمني للمطابع، واستمرّت طباعة الكتاب المدرسي بنسب محددة لا تغطّي كل مدارس المحافظات، ولكنها كانت تُطبع بنسب بسيطة اعتمادا على الموازنة التي كانت تُرصد من قبل الحكومة وصولا إلى انقطاعه بشكل كامل.
ويشير العدني في تصريحه “للصدارة سكاي” إلى أن رئيس الحكومة معين عبدالملك، وجه بطباعة الكتب المدرسية في دولة خارجية، بمبلغ تسعة مليار ريال يمني، وهو مبالغ كان يكفي لأن تقوم مطابع الكتاب المدرسي بالمهام، ضمن سياسة تغييب وتهميش دور مطابع الكتاب المدرسي، وفي إجراء مخالف للقانون.