لم تكن حركة الإخوان المسلمين مجرد حركة جاء تأسيسها بشكل عفوي أو أنها تعمل وفق منهج محدود يقتصر على ممارسة أنشطة دعوية أو حتى تجارية وسياسية حسب الظروف، بل تأسست منذ اللحظة الأولى وفق خطة ممنهجة ذات استراتيجية بعيدة المدى تهدف في نهاية المطاف الى حكم العالم والهيمنة على القرار العالمي عبر إمبراطورية حدودها الفضاء المحيط بالكرة الأرضية، والشيء ذاته يشبه الاستراتيجية الصهيونية من حيث الأهداف، لكن الإخوان المسلمين ساعدهم الانتشار الكبير للمسلمين على مستوى دول العالم عكس الصهيونية التي حاولت الارتكاز في نقطة انطلاقها على جغرافية المكان لإثبات هويتها في جغرافيا ينازعها عليها أصحاب الأرض الأصل وهم الفلسطينيين بشكل خاص والمسلمين بشكل عام، بالإضافة إلى الديانة اليهودية التي لا توازي ما نسبته 20% من عدد المسلمين، ضف إلى ذلك انظمام أفواج من سكان العالم بشكل شبه يومي إلى الديانة الإسلامية.
منهج الإخوان المسلمين يقوم على الترتيب والتنظيم ورسم خارطة انتشاره وتحديد أماكن ونقاط قوته ويعمل وفق منظومة ابحاث جيوسياسية يجري تحديثها بشكل مستمر وفق استراتيجية مزدوجة ومتعددة المهام والأهداف ومتناغمة بشكل دقيق، من حيث دراسة وتحديد نقاط الضعف والمشاكل التي تواجهها والعمل على تلافي مكامن ضعفها وفي حال وجدت صعوبة ما لظرف من الظروف يحول دون التغلب على المشكلة أو نقاط الضعف تعمل في نفس الوقت على التعويض بايجاد نقاط قوة في أماكن أخرى تعوض خسارتها..
اعتمدت الحركة منذ لحظة انطلاقها على السير وفق خطوط رئيسية أبرزها استخدام الدين والدفاع عن المعتقدات الإسلامية والظهور بمظهر المحامي الحريص على كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين، إلى جانب الخط الآخر المتمثل بقيامها بجمع الأموال تحت عناوين الإنسانية والدفاع عن الإسلام ودعم المسلمين في البلدان الواقعة تحت الصراعات بالإضافة إلى عناوين نشر دين الإسلام ببناء المساجد والمدارس وغيرها، أما الخط الثالث يتمثل في مساعي التأثير على المجتمعات المحلية وكسب تعاطف المواطنين وخوض غمار المنافسة السياسية للوصول إلى البرلمانات والتي من خلالها يجري تشريع القوانين التي تدعم وتناسب توجه الحركة وترسيخ قواعدها حاضرا ومستقبلا والوصول إلى الوظائف الحكومية المؤثرة التي تخدم عناصرها وتحقق الاستقرار المعيشي لهم ومن ناحية لاستغلال المناصب والوظائف لخدمة أغراض الحركة وتسخيرها لكسب المزيد من التأييد الشعبي لها، والأهم من كل هذا التركيز على القوة البشرية من خلال استقطاب صفوة المجتمع إلى صفوفها.
لكن لم تكن جميع حساباتها رغم دقتها ناجحة، لأن اولى محاولاتها في السيطرة الكلية على السلطة في بعض البلدان العربية باءت بالفشل مثل ما حصل في مصر العربية وقبلها في الجزائر ومن ثم تونس وحتى في اليمن..
تمثل بروز الحركة اليوم على هرم النظام الحاكم لبعض الدول مثل تركيا عبر حزب العدالة والتنمية التركي الذي يقوده الرئس التركي اردوغان، بالإضافة إلى الأسرة الحاكمة في قطر، وكذلك سيطرتها على الحكومة السودانية لعدة عقود قبل تهاوي عرش البشير ونفوذ سلطتها الواسعة في الصومال، وهيمنتها على الأسرة الحاكمة في الكويت لم تكن تعطيها الأمل على أنها أصبحت على مقربة من السيطرة على العالم، لأنها بالمقابل تتعرض لحرب كبيرة من قبل الكثير من أنظمة الحكم بالذات العربية واختلافها المذهبي مع بعض الطوائف والمذاهب الإسلامية يعتبر حجر عثرة أمام تقدمها سياسياً في الكثير من الدول العربية والإسلامية، وكان أخطر مغامرة خاسرة بالنسبة لها هي تجربتها في محاولة إسقاط النظام السوري بالدرجة الأولى رغم اتحادها مع معظم دول العالم ومنها الدول الغربية، بالإضافة إلى تهاوي عروشها في كل من تونس ومصر في غضون فترة زمنية قصيرة على وصولها إلى سدة الحكم في الدولتين، الذي كانت وصلتها مع ثورات الربيع العربي وبتشجيع وتواطوء استخباراتي غربي، لينتهي الربيع العربي تاركاً خلفه حرائق ودمار واسعين وسقطت الثمار التي جنتها الحركة في مصر وتونس، ومعها سقطت اهم مدخراتها وركائزها وهي الحكومة السودانية بالإضافة إلى أبرز خسارة لها تتمثل في وضع الحركة أمام المجهر في الكثير من الدول وتشديد الحصار على رموزها وكبح نشاطها في كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة رغم القاسم المشترك بينها والسعودية في حرب اليمن وسوريا وحتى في ليبيا.