تسببت شحنات الوقود التالفة التي زودت بها محطات الكهرباء في عدن، في خروج محطة بترومسيلة عن تزويد مديريات العاصمة عدن بالكهرباء ، وهو ما سبب زيادة في ساعات انطفاء الكهرباء لتصل إلى أكثر من سبع ساعات في كل مديريات العاصمة، فضلًا عن المحافظات المجاورة، مع تشكل سحب من الدخان المتصاعد، يغطي سماء المناطق المجاورة لمحطات توليد الكهرباء بشكل غير مألوف.
هذه الأزمة أثارت العديد من علامات الاستفهام الكثيرة حول الجهة المسؤولة عن فحص الوقود، ومدى التزامها بالمعايير، وكفاءتها للقيام بواجباتها، والجهة التي كلفتها بالمهمة، فوجَّهت أصابع المسؤولية إلى شركة “سيبولت – Saybolt” ومعها وجهت أصابع المسؤولية كلها إلى رئيس الحكومة، معين عبدالملك، المسؤول الأول عن التعاقد مع هذه الشركة، لفحص الوقود، والتي كلفها بالقيام بالمهمة مع علم مسبق بكونها لا تمتلك أي مختبرات لفحص الوقود، في صفقة فساد هزت الرأي العام، دون أي تعليق حكومي رسمي حول الموضوع حتى الآن.
شركة “سيبولت – Saybolt” وتاريخها في الرشوة والفساد
يبدو أن اختيار شركة “سيبولت – Saybolt” من قبل رئيس الحكومة لم يكن محض صدفة، بل جاء بعد دراسة لتاريخ هذه الشركة سيئة الصيت والسمعة، والغارقة في فضائح الرشوة والفساد، التي جعلت منها شركة محظورة في دول تحترم نفسها.
“الصدارة سكاي ” غاصت في البحث عن تاريخ الشركة وعلاقتها بصفقات فساد كبيرة فكانت النتائج كالآتي:
هذه الشركة غارقة في الفساد وتلويث البيئة في بنما على سبيل المثال وتم إيقاف عمل فرعها في الولايات المتحدة الامريكية وتغريمها ما يقارب خمسة ملايين دولار، و من ثم قامت بشرائها شركة تدعى كورلاب بخمسين مليون دولار فقط، وتعهدت بالزام سيبولت بالقوانين ولكن يبدو ان ذلك التعهد لم يكن سوى خبر على ورق ، وما زال هناك مدراء من سيبولت ملاحقين قضائيًا بسبب قضايا الفساد.
في 18 أغسطس 1998 ، رفعت وزارة العدل الأمريكية دعوى جنائية ضد الشركة، بتهم التآمر بتزوير البيانات، والاحتيال الإلكتروني، وتهمة خرق قانون ممارسة الفساد، وانتهاك قانون مكافحة الرشوة
– أقرت الشركة بالذنب بالتهم المذكورة آنفًا ووافقت على دفع ثلاثة مليون واربعمائة ألف دولار على تزوير البيانات، كما تم تغريمها مبلغ مليون وخمسمائة الف دولار على انتهاكات قانون الرشوة.
ووفقًا لموقع Stanford Foreign Corrupt Practices Act Clearinghouse” ” التابع لجامعة ستانفورد الأمريكية والخاص برصد ممارسات الفساد الأجنبية فقد تمت أيضًا إدانة ” David H Mead” الرئيس التنفيذي للشركة في جميع التهم المنسوبة إليه، وتم الحكم عليه بدفع عشرين ألف دولار، والسجن أربعة اشهر، وكذلك حُكم عليه بأربعة أشهر تحت الإقامة الجبرية في المنزل وثلاث سنوات تحت المراقبة.
أما الوكالة الأمريكية لحماية البيئة فقد نشرت عن الشركة ما يلي:
شركة “سيبولت هي شركة رائدة في مجال تحليل البترول ولديها منشات مخبرية (معملية) في المدن التالية
-WoburnMass
– Kenilworth ، NJ ،
– New Haven Conn.
في 21 يناير ، 1999. اعترفت شركة.Saybolt Inc بانتهاك قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة (FCPA) عن طريق رشوة مسؤول بنمي (دولة بنما) ، وحُكم عليها بدفع غرامة قدرها 1.5 مليون دولار من قبل محكمة المقاطعة الأمريكية لمنطقة ماساتشوستس في بوسطن.
وفي وقت سابق ، تم تغريم شركة Saybolt بمبلغ 3.4 مليون دولار لانتهاكها قانون الهواء النظيف. وقد اعترفت شركة Saybolt في مرافعتها بأنها حاولت دفع رشوة قدرها 50 الف دولار لمسؤول بنمي للحصول على موقع مختبر بالقرب من قناة بنما وامتيازات أخرى من الحكومة البنمية.
في أكتوبر 1998 ، أدين ديفيد هـ.ميد ، الرئيس السابق لشركة Saybolt ، بالتآمر وانتهاك قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة والسفر بين الولايات للترويج للرشوة. ومن المقرر أن يصدر عليه الحكم في مارس.
تم التحقيق في القضية من قبل قسم التحقيقات الجنائية بوكالة حماية البيئة بمساعدة المركز الوطني لتحقيقات الإنفاذ التابع لوكالة حماية البيئة ، وتمت مقاضاتها من قبل وزارة العدل الأمريكية.
الشركة وجدت ضالتها في لوبي الفساد بقيادة رئيس الحكومة:
فيما أسلفنا تأكد أن الشركة لها تاريخ حافل بالفساد والملاحقات القضائية، ورشوة المسؤولين إما للحصول على صفقات مشبوهة، أو للتهرب من واجبات ضريبية، ولعل الشركة هذه وجدت ضالتها في اليمن فلا رقيب ولا حسيب، والطريق معبد للفساد والدخول يمر عبر رئيس الحكومة، الذي وقع مع الشركة عقدًا لفحص الوقود الداخل إلى عدن بمبلغ تجاوز أكثر من مئتين ألف دولار شهريًا دون أن تكلف الشركة نفسها إحضار معدات مخبرية لفحص الوقود ولو كانت رديئة أو غير دقيقة، بل كل ما في الأمر أن الشركة يقتصر مهامها على استلام مئات الآلاف من الدولارات شهريًا لتتقاسمها مع رئيس الحكومة وطابور الفساد.
ويدير ظاهريًا فرع الشركة في اليمن، محفوظ غالب الذي تربطه علاقة شخصية برئيس الحكومة، وبحسب مصادر إعلامية، لا تمتلك سيبولت يمن مختبرًا لتحليل الوقود، كما لا تملك مختبرًا لفحص العينات المأخوذة من المواد الغذائية التي تتبع برنامج الغذاء العالمي، والمكلفة بمهامه ذات الشركة، وتفيد المصادر بأن الشركة تمارس عمليات غش وغسيل أموال فقط بغرض تدمير المؤسسات الحكومية، وجني الأرباح مع رموز الفساد، دون أي اهتمام بما سيسببه ذلك من نشر الأمراض على المستهلكين.
وذكرت مصادر إعلامية بأن الشركة تهربت من الضرائب الرسمية منذ العام 2018 ، وتستلم مبالغ خيالية مقابل الخدمة الرقابية على وقود المحطات.
كما تفيد المعلومات بأن مستندات الشركة لمستخلصات الفواتير الربحية لا وجود لها لدى وزارة المالية أو وزارة الكهرباء.
تبييض الفساد.. مهمة مشتركة بين الشركة ولوبي الفساد
قبل أكثر من عامين أسند رئيس الحكومة، د. معين عبدالملك مهمة فحص الوقود الداخل الى اليمن الى شركة (سوبليت)، وتم التعاقد معها بمئات الالاف من الدولارات شهريا”.
وفقًا لاتفاق التعاقد فإن مهمة هذه الشركة، تكمن في فحص الوقود ومعرفة فيما اذا كان صالح أم لا، افتتحت الشركة مكتبًا لها في مديرية البريقة ولديها عدد من الموظفين الأجانب بعدد أصابع اليد الواحدة”.
وفقًا للاتفاقية فإن الشركة ستقوم بتحليل الوقود عبر معاملها الخاصة، وبأحدث التقنيات، لكن مصادر مؤكدة كشفت عن أن الشركة تقوم باستلام العينات وتذهب بها الى معمل شركة مصافي عدن حيث يقوم افراد معمل المصافي بفحص الوقود وإصدار التقرير، فيما يقوم موظفو هذه الشركة بطباعة التحليل من جديد باسم شركة (سوبليت) ليحمل شعارها الرسمي وختمها، وعلى ضوء ذلك تمنح الشحنة أمر السماح بالدخول أو رفضها،
ومع نهاية كل شهر تدفع الحكومة ضمن عقد شابه الفساد مئات الآلاف من الدولارات لهذه الشركة وسط غياب أي رقابة من أي جهة على أعمالها لتتقاسم الشركة وشركاؤها من لوبي الفساد هذا المبلغ.
الكارثة تطال محطات تعبئة السيارات بالوقود
لم تتوقف كارثة ” الوقود المغشوش ” عند محطات توليد الطاقة الكهربائية وحسب، بل طال الأمر أيضًا محطات تزويد السيارات بالوقود، حيث شكى عدد من المواطنين من ضعف في عزم سياراتهم، وتغير أصوات محركاتها
ووفقًًا لبيان مكتب الصناعة والتجارة في مديرية دار سعد فقد تلقى المكتب شكاوى من المواطنين شرحوا فيها معاناتهم من نتائج هذا الوقود المغشوش المنبعث من عوادم السيارات مسببًا ضيق التنفس حتى في منازلهم، وصار أطفالهم عرضة للأمراض والخطر وخاصة أصحاب الربو.
وبناء على ذلك أكد بيان المكتب بأن مدير مكتب الصناعة والتجارة بمديرية دار سعد، المستشار جمال علي العيسائي، ومعه مفتش الصناعة والتجارة بالمديرية، محفوظ باخريصة، قد باشروا بالنزول الى محطة (الأهرام للطاقة) ببئر فضل، حيث تم اللقاء مع المسؤولين بالمحطة، وإشعارهم بمحضر ضبط مخالفة تجارية بالغش التجاري، في مواصفات الديزل والذي يسبب اضرار كثيرة للمواطنين، وجرى إبلاغهم بتحريز مادة الديزل الموجودة داخل المحطة.
ويضيف البيان بأنه جرى تحريز (48 طن) من مادة الديزل المغشوشة وتم إشعار مالكي المحطة، بمحضر رسمي بذلك.
واختتم مكتب الصناعة والتجارة بمديرية دار سعد بيانه بالتأكيد على أنه سيتم احالة الملف لنيابة الصناعة والتجارة، فيما جرى أخذ تواقيع النواب على المحطة بعدم التصرف بها الى ان يتم البت فيها من قبل نيابة الصناعة واتخاد الاجراءات القانونية.
تبعات ما بعد الوقود المغشوش
يرى الخبيرو المهندس الكهربائي احمد حمزة بأن تبعات الوقود المغشوش، لن تتوقف عند انبعاث الدخان بشكل كبير، ولا عند ازدياد ساعات انطفاء الكهرباء، ولكن محطات الكهرباء ستعاني كثيرًا من تبعات استخدام هذا “الوقود المغشوش” الذي سيتسبب في إعطاب بعض آلاتها وتدمير أخرى بشكل كلي في فترة لن تكون بعيدة، فضلًا عن أن الكارثة ستطال أجهزة التحكم والتوربينات، ومن غير الممكن معرفة حجم الضرر الذي سيطال محطات توليد الكهرباء حيث سيؤثر ذلك على أدائها لأسابيع وربما أكثر من شهر على أقل تقدير إن أحسنت فرق الصيانة التعامل مع كل طارئ أو خلل في وقته.
كما أن تبعات هذا الوقود قد سبب ما يشبه التلوث البيئي، في المناطق الآهلة بالسكان والقريبة من محطات الكهرباء التي سيطر على أجوائها الدخان المنبعث من محطات توليد الطاقة الكهربائية، وطغت رائحته على الهواء، وقد سجلت حالات تقطع في النفس لدى بعض المرضى المصابين بالربو وكبار السن وفقًا لما أفاد به عدد من المواطنين “للصدارة سكاي “.
الحكومة .. لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم..
رغم أن قضية إدخال الوقود الفاسد إلى محطات توليد الكهرباء أصبحت رأي عام يعلمه القاصي والداني في عدن، وشغل حيزًا كبيرًا في نقاشات الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، ورغم ما أثير عن تورط رئيس الحكومة في هذه الكارثة، إلا أن الحكومة لم تكلف نفسها الإدلاء بأي توضيح أو تبرير رسمي، أو حتى الحديث عن إصلاحات قريبة، أو حتى لجان تحقيق غير تلك التي شكلها نائب محافظ العاصمة عدن، قبل أربعة أيام “للبحث والتحري عن أسباب انبعاث الدخان من محطات توليد الكهرباء على أن ترفع تقريرها في اليوم ذاته” ورغم مرور أكثر من أربعة أيام إلا أن تقرير اللجنة المكلفة لم يكشف عن فحواه، ولم يتم نشره للرأي العام، كما من غير المعروف ما إذا كانت اللجنة قد خلصت إلى تحديد المشكلة قبل الخوض في أسماء الضالعين فيها أم لا!.
التعليقات 1