في ظل التدهور والاهمال المخيف ..مستشفى الجمهورية التعليمي آخر ملاذ للفقراء يغلق أبوابه بوجه المرضى ..ومناشدات للمجلس الرئاسي بالتدخل ونائب رئيس الهيئة يوضح!(تقرير)
تستمر حالة التدهور المخيف في مستشفى الجمهورية التعليمي بالعاصمة عدن، وتستمر معها فصول معاناة المواطنين الباحثين عن أدنى مقومات التطبيب، والهاربين من استغلال المستشفيات الخاصة وأسعارها الباهضة.
وشمل ذلك التدهور انعدام تغذية الرقود وغياب الطاقم التمريضي، وتوقف الفحوصات المخبرية بشكل متكرر، وتوقف عمل الأشعة التلفزيونية ليمتد إلى انعدام العلاجات وأدوات إنقاذ الحياة الأساسية بشكل شبه كلي في قسم الطوارئ، ذلك فضلا عن تدهور خدمات النظافة والتكييف وأخيرًا إضراب الطلاب الدارسين في قسم أمراض الباطنة، مع تجاهل مريب من إدارة المستشفى للمشكلة والتي لم تجد بد إلا إغلاق أبواب المستشفى بوجه المرضى المعسرين.
لماذا مستشفى الجمهورية مرةً أخرى
قبيل أشهر قليلة نشر موقعنا ” الصدارة سكاي” تقريرًا مفصلًا عن حال التدهور للخدمات الصحية في هيئة مستشفى الجمهورية التعليمي، على أمل أن تتدارك إدارة المستشفى والجهات المعنية المشكلة وتستشعر حجم الكارثة، لكن الأمر ازداد سوءًا مع إضراب دخل شهره الثاني في المستشفى العريق، الملاذ الأكبر والأهم للمواطنين في عدن والمحافظات المجاورة من المعسرين الذين لا يستطيعون تحمل نفقات العلاج في المستشفيات الخاصة والذين يمثلون السواد الأعظم من الشعب.
مر على إنشاء المستشفى ما يقارب سبعة عقود مثل في العقود الأولى شمعة أنارت الإقليم بمخرجاتها التعليمية المتميزة التي حملت رسالة الطب والإبداع إلى كل الأصقاع في حين كان ذلك الصرح العظيم مقصد للأغنياء الباحثين عن التطبيب و ملجأ للمرضى الفقراء في العاصمة عدن والمحافظات المجاورة، كونه المستشفى الحكومي الذي يوفر خدمات طبية مميزة وسعة سريرية وقدرة استيعابية أكبر ما أكسبه سمعة كبيرة في الداخل والخارج.
هذا الصرح العظيم يعيش اليوم أسوأ تردٍ في تاريخه، ويطاله تدهور مخيف في كل الخدمات.
فيما مضى وتحديدًا قبيل ثلاثة أشهر أغلقت إدارة المستشفى أحد عنابر الرقود الخاصة بمرضى الباطنة في المستشفى، وتسبب ذلك بحرمان الكثير من المرضى من الحصول على سرير ترقيد وهو الأمر الذي أجبرهم على الذهاب إلى المستشفيات الخاصة؛ حيث تسبب إغلاق العنبر بفقد ثلث السعة السريرية للقسم، ظهر أثر ذلك جليًا في قسم الطوارئ حيث سجل القسم قصص مآسي إنسانية لكثير من المرضى المعسرين الذين وقفوا حائرين وتكدس مرضاهم في القسم بعد أن أخبرهم الأطباء بضرورة نقل مرضاهم إلى المستشفيات الخاصة لعدم وجود سعة سريرية، كثير منهم افصحوا عن حالتهم المعيشية البائسة وبعضهم انفجر بالبكاء في مشاهد تراجيدية تدمي القلوب.
هذا فيما مضى أما الآن فطوارئ المستشفى ومنذ أكثر من شهر يوصد أبوابه بوجه مرضى الباطنة بشكل عام، وهذا ما عايناه بأنفسنا أثناء نزولنا في تحقيقنا الاستقصائي استجابة للشكاوى التي وصلتنا.
المستشفى يوصد أبوابه في وجه المرضى مع إضراب الطلاب الدارسين
في السابع عشر من يونيو الماضي أعلن الطلاب الدارسون في قسم أمراض الباطنة إضرابً مفتوحًا، نتيجة ما أسموه تجاهل مطالبهم وازدواجية التعامل مع الطلبة الدارسين واستغلال إدارة المستشفى لهم في تغطية نوبات قسم الطوارئ المكثفة على خلاف كل المراكز التدريبية في البلد مستغلة حاجتهم لاستكمال سنوات التدريب، ورغم مرور أكثر من شهر منذ بدء هذا الإضراب الذي توقفت معه طوارئ المستشفى عن استقبال الحالات الباطنية إلا أن إدارة المستشفى وفي بادرة غير معهودة صمت آذانها ولم ترد على مطالب الدارسين ولم تطلع المواطنين على وضع قسم الأمراض الباطنية إلا بعد تغطيتنا لوضع الإضراب في المستشفى في خبر نشره موقعنا (الصدارة سكاي) بتاريخ ٧ يوليو عندما نشرت إدارة المستشفى في العاشر من يوليو رد على خبرنا في الزميلة(عدن الغد)، اتهمت فيه الدارسون بأنهم لا يقومون بمهامهم كما يجب، وأن مطالبهم غير قانونية، وبين هذا وذاك يدفع المواطن المغلوب على أمره الثمن غاليًا، نتيجة هذا الإغلاق، فإدارة المستشفى لم تتواصل مع الطلاب المضربين لرفع الإضراب، ولم توفر البديل عنهم – كما ضمنت في تعليقها الأخير- لتغطية حاجة المرضى المعسرين في هذه المدة كلها، وصار على مرضى القلب ومرضى الحميات ومرضى الكلى ومرضى الأمراض الباطنية الأخرى أن ينفروا عن آخر ملاذ لمرضاهم إلى المستشفيات الخاصة أو العودة مع مرضاهم إلى منازلهم وانتظار قدر الله كخيار وحيد وحتمي لمن لا يستطيعون دفع تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة وما أكثرهم.
استغلال ومضايقة للمتدربين لتغطية فشل الإدارة
في إطار بحثنا توجهنا لعدد من الطلاب الدارسين في قسم الأمراض الباطنة لنسألهم عن أسباب إضرابهم، تحدثوا عن ممارسة أدارة المستشفى الازدواجية والتمييز بين الدارسين واستمرار تجاهل إدارة المستشفى مطالبهم في معالجة المشكلات التي أدت إلى تدهور الخدمات في قسم الطوارئ وأقسام الباطنة والعناية المركزة، والتي جعلت من قدرة الطبيب على تقديم خدمة تمكنه معها من الحفاظ على المهنية وأسس الطب والإنسانية أمر صعب، وأضافوا: كان آخر إجراء ظالم بحقنا تحميل بعض الدارسين مسؤولية تغطية مناوبات الطوارئ كل ثالث يوم واستثناء المقربين من الإدارة، حيث يشكل ذلك عبئ كبير على الدارسين ويؤثر على جودة الخدمة الطبية المقدمة للمرضى، في الوقت الذي لا يتحصل الدارسون حتى على المستوى الأدنى من التدريب والتأهيل حيث تستغل الإدارة حاجتهم لاستكمال التدريب بحسب زعمهم.
يقول الطالب حسين بأن آخر أساليب التطفيش زيادة عدد المناوبات الشهرية التي كانت مقررة لهم، حيث يراد أن تكون النوبات كل ثالث يوم بدلًا عن كل خامس مع استمرار رفض الإدارة إشراك جميع الدارسين في جدول المناوبات، طبقا لما هو معمول به، وهو مايشكل بحسب رأيه ضغط كبير على الأطباء، حيث ان إدارة المستشفى لم تكلف نفسها التعاقد مع أطباء من أجل تغطية النقص الحاصل في الكادر الطبي وتعتمد كليًا على الأطباء الدارسين – في مساقي البورد العربي والماجستير المهني- لتغطية العمل في قسم الحوادث والطوارئ مقابل علاوات زهيدة لا تستحق الذكر .
يضيف حسين( هناك كثير من المشكلات تواجهنا في العمل وطالبنا إدارة المستشفى مرات عديدة بحلها كان ذلك على مستوى المعدات والأجهزة أو الطاقم ولكن دون جدوى، قاعة الاجتماعات والتدريب المخصصة لقسم الباطنة بدون تكييف ومستوى التدريب سيء).
لا يقف هذا الأمر عند الطلاب الدارسين، فالكادر التمريضي المتعاقد مع إدارة المستشفى هو الآخر يشتكي بخس إدارة المستشفى لجهودهم في تقديم الرعاية الصحية، حيث يتقاضى الممرض حافز شهري لا يتجاوز خمسة وعشرون ألف ريال، وهو ما تسبب في عزوف الممرضين عن الالتحاق للعمل في المستشفى.
يقول أحد الممرضين – فضل عدم ذكر اسمه – أن ما يتقاضاه من إدارة المستشفى لا يتعدى قيمة أجرة التنقل اليومي من منزله إلى المستشفى، حيث أوضح أنه يتقاضى ستة عشر ألفًا لا غير، أي أن مرتبه لا يتجاوز ثلاثة عشر دولارًا في الشهر، يضيف هذا الشخص بأن ما دفعه للاستمرار في العمل لدى المستشفى منذ سنوات هي وعودٌ من الإدراة بالتثبيت والتوظيف ضمن الطاقم الرسمي للمستشفى والتي لم تأتِ أُكلها بعد.
قسم الطوارئ يحتضر
لا تقف مشكلة طوارئ المستشفى عند إضراب الطلبة الدارسين وغياب الكادر التمريضي وحسب، بل يتعدى الأمر إلى افتقار قسم الطوارئ لأبسط التجهيزات، وأصبحت غرفة عمليات الطوارئ مهددة بتوقف وشيك، مع انعدام التجهيزات الخاصة بها.
كما تعاني طوارئ المستشفى من عدم توفر العديد من الفحوصات المخبرية المهمة وخاصة في الفترة المسائية، حيث يضطر المواطن الذي لجأ إلى المستشفى الحكومي للذهاب إلى المراكز والمختبرات الخاصة لعمل الفحوصات وتحمل كلفتها، كما شكى لنا عدد من المرضى من توقف خدمة جهاز التلفزيون عن العمل في الفترة المسائية، أما العلاجات فلا وجود لها في أي قسم وفي أي فترة إلا الأدوية البسيطة ورخيصة التكاليف، وهو ما يجعل المريض مضطرًا لشراء كافة العلاجات حتى تلك اللازمة قبل الخضوع للعمليات الجراحية، أو أثناءها.
مستشفى بلا علاجات
يفتقر مستشفى الجمهورية التعليمي، للعلاجات ولو بحدها الأدنى، في صيدليات المستشفى، حتى أن المستشفى يفتقر لبعض أدوية التخدير ومستلزمات العمليات، يقول أحد المرضى المرقد في قسم الحروق، أنه يضطر يوميًا لشراء الأدوية وبأسعار كبيرة، حيث لا يوفر لهم المستشفى إلا بعض المحاليل الوريدية والسيرينجات(المطارش)، ويضيف :” نحن نتحمل كل تكاليف الفحوصات والعلاجات والرقود فضلًا عن دفعنا قيمة ملف الرقود”!.
وليست العلاجات وحدها أم المعاناة، فالمستشفى يفتقر بشكل متكرر للفحوصات المخبرية لعدم توفر المحاليل.
إغلاق أقسام وغياب الكادر التمريضي أثناء النوبات
في إطار تحقيقنا الاستقصائي قبيل بدء الاضراب الأخير توجهنا إلى مبنى المستشفى حيث أقسام الرقود، وهناك تفاجأنا بإعادة إغلاق عنبر من عنبري قسم رقود مرضى الباطنية – أكثر الأقسام ازدحامًا بالمرضى- والإبقاء على عنبر واحد ماتسبب في ازدحام المرضى في القسم وقد شكى لنا عدد من ذوي المرضى الذين قدموا لطوارئ المستشفى ممن يحتاجون إلى ترقيد، عن رفض طوارئ المستشفى استقبالهم بحجة ازدحام المرضى وعدم وجود أسرة فارغة!.
توجهنا إلى مسؤولة قسم الرقود لمرضى الباطنية وسألناها عن سبب إغلاق العنبر هذا، فأجابت أنه أغلق للصيانة، وعندما تحدثنا معها بإن الإغلاق تجاوز أشهر دونما بوادر صيانة أجابتنا بجملة “لا أعرف”!.
عدنا لزيارة المستشفى بعد انتهاء الدوام، وبالتحديد بين العصر والمغرب، وتجولنا بين أقسام الرقود وكانت أكثرها فارغة من أي تواجد للكادر التمريضي، حتى أن مرافقي أحد المرضى في أحد الأقسام أخبرنا أنه اضطر لإخراج مريضه إلى خارج المستشفى لعمل فراشة(كانيولا) وريدية لمريضه لعدم وجود الممرضين في فترة الدوام المسائية!.
مركز الغسيل الكلوي… ومضاعفة معاناة المرضى
يغطي مركز الغسيل الكلوي في هيئة مستشفى الجمهورية التعليمي أكبر عدد من المرضى المصابين بالفشل الكلوي مقارنة بباقي المراكز في اليمن، ويمثل المركز المقصد الأول لمرضى الغسيل الكلوي والحالات الطارئة منها تحديدًا باعتباره جزء من خدمات هيئة مستشفى الجمهورية، حيث يفترض أن يقدم خدماته على مدار الساعة كتلك التي تقدمها مراكز الغسيل الكلوي في مستشفيات الثورة في تعز وصنعاء ذات الزمام السكاني والمكانة المكافئة له، وبالرغم من زيادة عدد حالات الغسيل المسجلة ودخول مناطق سكانية جديدة كالساحل الغربي ضمن زمام المركز، إلا أن إدارة المستشفى حددت فترة النهار فقط لإجراء جلسات الغسيل المجدولة والطارئة أيضا، ويشتكي الأطباء العاملين في مركز الطوارئ امتناع القسم عن استقبال حالات الغسيل الطارئة في فترة المساء واعتبروا ذلك تخلٍ من قبل إدارة المستشفى عن هذه الفئة من المرضى الذين يصارعون الموت لأكثر من نصف يوم نتيجة هذا الإجراء، ويضيفوا، يتوفى المرضى وخصوصًا الحالات الجديدة ممن يحتاجون جلسة غسيل طارئة أمام أعيننا بشكل متكرر، وترجع إدارة المستشفى السبب إلى منح شبكة المركز فرصة للراحة في المساء للحفاظ عليها من الانهيار، مختصون استغربوا تبرير الإدارة ووصفوه بغير المنطقي، وتساءلوا، لماذا لم تقدم بقية المراكز التي تعمل على مدى ٢٤ ساعة على هذا الإجراء؟.
ويشكي الأطباء العاملون في مركز الغسيل قلة الطاقم الطبي مقارنة بحجم الاحتياج وضغط العمل، وغياب أي تحرك لمعالجة الوضع، لم يتوقف الوضع هنا حيث نشرت إدارة المستشفى في الأشهر الأخيرة تعميم لموظفي القسم، تضمن توجيهات عامة غير واضحة طالبتهم فيها بتحويل حالات الغسيل للمراكز الحكومية الأخرى، للحفاظ على استمرار العمل في المركز على حد وصفها، صحيون وصفوا التوجيه بالمريب وغير الواضح وتخوفوا من طريقة تفسير موظفي المركز له.
هذا وتحدث أحد موظفي المركز فضل عدم ذكر اسمه، أن إدارة المستشفى وجهت لهم في الآونة الأخيرة تعميم شفهي، بعدم قبول حالات الغسيل الكلوي القادمة من المستشفيات الخاصة، وأكد أنهم رفضوا تلك التوجيهات لتفادي الاصطدام مع المرضى وذويهم، أطباء اعتبروا هذا الإجراء استهداف صريح ومباشر لهذه الشريحة من المرضى، وتساءلوا عن ما تنويه إدارة المستشفى بالضبط كونها تعرف أنه لا يوجد مركز غسيل خاص يمكن للمرضى إجراء جلسات الغسيل فيه على حسابهم الخاص، وطالبوا بالتحقيق في الأمر .
تدهور في الخدمات الفنية للمستشفى
ليست الخدمات التطبيبية وحدها ما يعاني منها مستشفى الجمهورية التعليمي، فهناك مشاكل فنية كبيرة يواجهها المستشفى وتزداد تدهورًا يومًا بعد آخر.
فيما مضى كان المستشفى يقدم خدمات التغذية للمرضى ولطاقم المستشفى، لكن حاليًا جرى إغلاق المطبخ وإيقاف الخدمات التي كان يقدمها، كما أخبرنا مصدر مؤكد في المستشفى أن المستشفى يعاني من انقطاع متكرر للمياه في حمامات المستشفى في بعض أيام الأسبوع، كما يعاني المستشفى من انعدام التكييف في جميع أقسامه، وتعطل مصعد غرفة العمليات والإنعاش منذُ أكثر من عام، فضلًا عن تعطل كاميرات المراقبة الخاصة بالمستشفى منذ فترة.
نائب رئيس هيئة المستشفى يؤكد هذا التدهور
في إطار تحقيقنا الاستقصائي، قصدنا مكتب مدير الهيئة للمرة الثانية لمقابلته ولم نجده، توجهنا بعد ذلك إلى مكتب نائب رئيس الهيئة، د. طارق مزيده وواجهناه بما وصلنا إليه في التحقيق الاستقصائي، الذي أكد وجود تدهور في خدمات المستشفى…