ليست كل إشادة تطبيل، ولا كل تطبيل هو قول ذو أغراض نفعية رخيصة. ثمة أفعال عادية تحدث في زمن استثنائي، فتكسب صاحبها مجداً خاصاً. في بلاد راكدة ومسؤولين أصابهم العطل. هناك ثمة نور يبزغ من غربي عدن – بئر أحمد بالتحديد – فيعيد لنا الأمل ويفتح دروب جديدة للمستقبل، خرجت لنا إحدى الشخصيات العابرة لكل الانتماءات الضيقة، الإشادة بهم شرف، والاعتزاز بهم مبعث أمل كبير، ومكسب في رصيد البلاد جميعها.
الشيخ الأصيل مهدي سالم صالح العقربي، الرجل الذي قد تبدو للوهلة الأولى شخصية غامضة للبعض، لأنه لا يحب الظهور، يمقت التسويق الإعلامي الذي يتدافع حوله الجميع اليوم، كونه شخصية معتدة بذاتها، متزنة وصريحة، صنع وعيه بمتانة، ولم يكن يوماً باحثٍ عن جاهٍ أو منصب، بل أتته الدنيا راغمة ووجد نفسه مسؤولاً عن حياة وظروف الكثير من أهالي عدن البسطاء الذي تنكّر لهم الجميع، ما يزال محتفظاً بسحنته الأصيلة التي عركتها الحياة وصقلها النضال الأول. تبدلت أحوال السياسة والبلاد، ولم يتوه الرجل أو يتحول، بل ظل قريباً من أحوال الناس، محتفظاً بجسارته، طليقاً وفي دمه تتدفق أوجاع هذه المدينة وهموم مستقبلها، وكأنه يستلهم هذا الثبات من ملامح الأجداد والملوك القدماء المسؤولة عن الرعية، فتمنحه ثبات كبير في مواقفه ومبادئه الأصيلة في أعماله الذاتية، يخدمهم كل حين من موقعه الاجتماعي بكل إمكانياته المتاحة، والتي عجزت عنها الدولة في حالات كثيرة، تجده يستحضر الغد المأمول الذي ينتظره الأجيال، فيمضي في عمله بكل إخلاص وتفانٍ.
نحن المواطنين المحبطين منذ زمن، والبلاد المثخنة بمسؤليين بلا ضمير منذ عقود، من الطبيعي أن نبتهج بأي شخصية يثبت لنا حالة مختلفة وتخدم المواطنين من موقعها وثقلها المجتمعي الذي فرضته الأصالة والمشيخة التي تقلدها كابر عن كابر، وبحكم المسؤولية المجتمعية والعرفية التي تحتمها الظروف بلجوء الكثير من الأهالي والناس البسطاء إليه، بعد أن فقدوا أملهم بالجهات الرسمية من دولة وجهات حكومية، ووجدوا أمامهم هذا الرجل الممتلىء بالأنفة والكبرياء، والذي لم يفقد ولاءه لطين هذه البلاد، لتربتها التي نشأ منها، لقد اختصر جبال شمسان، فلم أعد أذكرها إلا وكان ثقلها وشموخها، متانتها وثباتها.
في اللحظات الحرجة من حياة الشعوب، وحين تنحرف بوصلة المسير، ويختطف مصائرها الغرباء وتجار الأوطان، تسقط قيمة الأشياء، يغدو كل مكسب على جثة الوطن خسارة، تفقد المناصب جدواها، تتلاشى معايير المفاضلة بين الشخصيات الذين يعوّل عليهم، كبيرهم وصغيرهم، ولا يتبقى سوى معيار الموقف الأخلاقي و المجتمعي الحاسم، معيار الولاء المقدس لهذه المدينة الباسلة، كبوصلة ضابطة للإتجاه ومحددة للهوية، هنا كان المهدي الذي أخذ من إسمه نصيباً حاضراً، يهتدي الناس منه وإليه، ولم يتغيب عن الموقف الوطني لخدمة مدينة عدن في كل المراحل.
سمعت عنه الكثير، عن مشاريع تنموية قدمها لمحافظة عدن، تصحيح شكاوى ومظالم، وحل مشاكل مواطنين وقضايا معقدة بلا عدد، وإشادة الناس به، ابتسامته التي لا تغيب، تواضعه، شموخه، وحركته الدائمة والمستمرة، اختزل صفات المسؤول الناجح في شخصه المتواضع دونما تكلف أو تصنع. أتساءل كم هي محافظة عدن بحاجة إلى أمثال الشيخ مهدي العقربي في هرم السلطة حتى يرمموا أوجاعنا المتناثرة على امتداد البلاد، فله منا كل التحايا والسلام.